النفط يبقى أرخص بكثير من.. كوكاكولا

حتى إن بلغ 100 دولار للبرميل

TT

ما السعر العادل للنفط الذي يفيد المنتجين ولا يضر بالمستهلكين؟ سؤال كبير ازداد حدة وإلحاحا مؤخرا مع تفاقم الأزمة المالية العالمية وتراجع الطلب العالمي على الذهب الأسود بفعل التباطؤ الاقتصادي العالمي الملحوظ في الدول الصناعية الكبرى كثيرة الاستهلاك للنفط والدول الصاعدة الأخرى مثل الصين التي دعم طلبها المتزايد في السنوات الأخيرة أسعار النفط وأدى إلى ارتفاعها قرب 150 دولار في يوليو (تموز) من العام الماضي 2008.

الأزمة الاقتصادية الحادة، التي أرخت بظلالها الثقيلة على العالم والتي أدت مؤخرا إلى تراجع أسعار النفط بشكل قياسي إلى أن نزلت إلى حدود 40 دولارا، وفرت في ما يبدو على الدول المستهلكة خصوصا الغربية منها عناء المحاججة والسعي، الذي كان «يكابده» زعماؤها، خصوصا أمام الارتفاع القياسي للنفط في العام الماضي، لإقناع الدول المنتجة وبخاصة المتكتلة في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» بضرورة تفهم الظرف الاقتصادي العالمي وعدم إثقال كاهل الدول المستهلكة بما يضر في الأخير بالطرفين وبالاقتصاد العالمي. وفعلا بدأت بعض الدول المنتجة تبدي «تفهما» للوضع الاقتصادي العالمي الشائك الذي يتطلب «مرونة» تخدم الجميع. ورغم الجدل الظاهر والخفي بين تصريح وتلميح أحيانا بين ما يسمى بالصقور والحمائم في منظمة «أوبك» التي نتج 40% من النفط العالمي، فإن «براغماتية» التوافق على معدلات إنتاج «تخدم» المستهلك والمنتج، كانت لها دائما الكلمة العليا في اجتماعات المنظمة. كما بدأت تتعالى أصوات خاصة بالتزامن مع الاجتماع الطارئ الـ151 لأوبك في مدينة وهران الجزائرية، وفيما كانت أسعار النفط تنهار بشكل قياسي تقول إن 90 دولارا سعر عادل للجميع، ثم تراجع السعر إلى 75 دولارا، إلى أن نزل مؤخرا إلى 50 دولارا، حيث أكدت الكويت خلال الشهر الماضي أن سعر 50 دولارا مقبول وعادل بالنسبة إليها قبل أن يقول الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» عبد الله البدري في الثالث من الشهر الحالي خلال القمة الدولية العاشرة للنفط بباريس إن «أوبك» قد تكتفي بسعر برميل نفط بين 40 و50 دولارا في 2009، وذلك بسبب شدة الأزمة الاقتصادية. وبعد أن أكد البدري أن «عام 2009 هو الأصعب»، أضاف أن بلدان «أوبك» يمكنها «ربما أن تتعايش مع هذا السعر المتراوح بين 40 و50 دولارا» للبرميل «بسبب الظروف (الاقتصادية) الحالية». ومع ذلك أكد الأمين العام: «نحن لسنا سعداء ببرميل نفط عند 50 دولارا، لكن 2009 هو العام الأصعب، وعلينا أن نرى كيف نتعايش معه». وعلى الأمد البعيد قال البدري إن «أوبك» لا يمكنها القبول بسعر 50 دولارا للبرميل «لأن تكلفة المواد والسلع والخدمات والمواد الغذائية لا تزال في ارتفاع شديد». وأضاف: «حين يعاود الاقتصاد الانطلاق قد ترتفع الأسعار إلى ما بين 70 و75» دولارا للبرميل، معتبرا أن هذا هو مستوى السعر الذي يمكن معه لـ«أوبك» «الاستثمار في قدرات جديدة» للإنتاج. وبحسب البدري فإن تراجع أسعار النفط منذ صيف 2008 يساوي خطة إنعاش بقيمة ألفي مليار دولار على المستوى العالمي تسهم «أوبك» فيها بـ800 مليار دولار.

ودعمت الإمارات، أمس، صف الذين يرون أن سعر الخمسين دولارا للبرميل معقول، حيث نقلت «رويترز» عن وزير النفط بدولة الإمارات العربية المتحدة محمد الهاملي أمس أن سعرا قدره 50 دولارا لبرميل النفط قد يساعد الاقتصاد العالمي على التعافي بشكل أسرع، إلا أن وكالة الطاقة الدولية قالت إن من شأن ذلك أن يحول دون الاستثمار بطاقة الإنتاج بين الدول غير الأعضاء في أوبك. ويدعم هذا الرأي إيران ودولا أخرى، وحتى خبراء غربيون يرون أن سعرا يتراوح بين 75 و80 دولارا للبرميل يُعتبر ضروريا لتأمين إمدادات النفط. ورغم الجدل الدائر حول أسعار النفط بين «مخاوف» المنتجين من تهاويها إلى معدلات ستؤثر على مداخيلهم وقبولها بـ«أقل الأضرار»، أي أسعار في حدود الخمسين دولارا للبرميل، و«فزع» المستهلكين من ارتفاعها القياسي الذي قارب 150 دولارا، فإن المراقبين يرون أن النفط، الذي يقدَّم كالرقم الصعب في معادلة الاقتصاد العالمي يبقى بأسعاره الحالية (تراجع إلى 48 دولارا أمس) أرخص بكثير من مشروب كمالي مثل كوكاكولا، فبعملية حسابية بسيطة فإن سعر برميل النفط الخام (الذي يحتوي على 159 لترا) ولنقُل «50 دولارا المعقولة» هو أقل بأكثر من النصف مما يقابله من برميل كوكاكولا (التي يصل سعر 159 لترا منها إلى 126 دولارا!). وحتى إن ارتفع برميل النفط إلى 150 دولارا وفاق سعره سعر برميل شراب كوكاكولا، فإنه يبقى أرخص بكثير (بأكثر من النصف!) من برميل ماء طبيعي من نوع «بيرييه»، الذي يصل سعر إلى 300 دولار، وأقل بأكثر من النصف من سعر برميل من عصير البرتقال من نوع «تروبيكانا». وقد يصل الفارق بين برميل النفط الخام رقما خياليا مقارنة بسعر برميل من منتج كمالي لا يشكل استهلاكه مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى البشرية مثل الآيس كريم. وفي هذا الإطار فإن سعر برميل النفط حتى إن بلغ 160 دولارا فإن قيمته تشكل عُشر قيمة برميل من آيس كريم من نوع «بين وجيري»، الذي يصل سعره إلى 1600 دولارا! وفي ضوء هذه المعطيات الحسابية يعود السؤال مرة أخرى ليطرح نفسه وبإلحاح: حقا.. ما السعر العادل للنفط؟!