السعودية: القطاع الفندقي يعاكس تأثيرات «الأزمة العالمية» بمعدلات إشغال عالية

مستثمرون وخبراء لـ : المدن الرئيسية تحتاج 35 ألف غرفة فندقية.. ومليار دولار حجم الإنفاق السنوي

ساهمت المعارض التجارية والملتقيات في زيادة نسبة إشغال الفنادق بنسبة كبيرة («الشرق الأوسط»)
TT

على خلاف غيرها من مناطق العالم، عاكس قطاع الفنادق في السعودية تيار التأثيرات السلبية التي طال معظم الأنشطة الاقتصادية في المنطقة حيث كشف مستثمرون وعاملون لـ«الشرق الأوسط» عدم تأثر القطاع الفندقي في المملكة بالأزمة المالية العالمية بل تزايدت ضغوطات الحجوزات وتصاعدت نسب الإشغال.

وبرهن العاملون في القطاع على اشتداد ضغوطات إشغال الفنادق وعدم التأثر بالأزمة الاقتصادية أسوة ببعض الدول في منطقة الخليج، باعتماد القطاع الفندقي على الوفود الاقتصادية بكافة مناشطه مع استمرار إنفاق الدولة على المشروعات والخطط الاقتصادية وكذلك استنادها على السياحة الداخلية والفعاليات المصاحبة لها بدعم وتنظيم من الهيئة العامة للسياحة والآثار يضاف إليها الزيارة بهدف الحج والعمرة.

وعلى الرغم من تأكيدات بعض الخبراء بتأثر القطاع في العام الماضي بسبب تغير الموسم السياحي وفقاً للتقويم الدراسي الذي جمع بين إجازتي رمضان والصيفية، إلا أن الجميع اتفق أن حركة إشغال الفنادق كانت طبيعية وبروز حاجة ملحة لوحدات فندقية جديدة ورحلات طيران أكثر.

وأشارت المصادر العاملة في هذا القطاع إلى وجود نقص شديد في قطاع الخمس نجوم، منها 5 آلاف غرفة في العاصمة الرياض، ومثلها في مكة، وضعفها في جدة، إضافة إلى ما يقارب تلك الأعداد في كل من المدينة والطائف وأبها، وهي المدن الأكثر استقبالا للسياح ـ وفقاً لتقديراتهم. وأوضح في هذا الشأن، إبراهيم الراشد رئيس لجنة السياحة بغرفة جدة، أن حركة الإسكان في الفنادق خلال الفترة الماضية كانت قوية إلا من تأثر طفيف في العام 2008 بسبب تزامن موسمين والذي رفع من الإسكان خلال فترات وقلل منه في فترات أخرى، مضيفاً أن الموسم السياحي في السعودية عموماً مرتبط بالتقويم المدرسي. وقدر الراشد حاجة محافظة جدة إلى نحو 10 آلاف غرفة فندقية خلال السنتين المقبلتين لتضاف إلى نحو 10 آلاف غرفة فندقية، في 106 فنادق متوافرة في الوقت الحالي، ونحو 500 مركز للشقق المفروشة، ونحو 50 منتجعاً بحرياً. وأبان رئيس لجنة السياحة، أن جدة يصلها نحو 7.5 مليون زائر سنوياً منهم 3 ملايين زائر خلال موسم الصيف، وملايين المعتمرين والزوار على مدار العام، إضافة إلى موسم الحج.

وفيما يخص رجال الأعمال القادمين إلى البلاد، أبان الراشد أن الحركة لم تتأثر إطلاقاً، وذلك كون السعودية لم تتأثر كثيراً بالأزمة المالية العالمية، وهو الأمر الذي تثبته إحصائيات الإسكان وثبات الأسعار بعكس الحال في دبي التي أعادت الأزمة المالية الأسعار في الفنادق إلى نطاقها الطبيعي بعد الارتفاع الكبير والمبالغ فيه.

من ناحيته أفاد عبد الرحمن الصانع رئيس لجنة الفنادق التابعة للغرفة التجارية الصناعية بالرياض أن معدلات التشغيل في فنادق المملكة بشكل عام تعتبر عالية وخاصة في المدن الرئيسية. وأضاف الصانع في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الحركة التجارية الواسعة التي لا تزال غير متأثرة بشكل ملموس في السعودية رغم الأزمة المالية العالمية دفعت إلى بقاء مستويات الحجوزات على معدلاتها السابقة.

ولفت الصانع إلى أن معدل إشغال الفنادق المتاحة حالياً في أدنى المستويات للفندق الواحد تقدر بين 60 إلى 70 في المائة، مفصحاً بأن المعروض لا يغطي المطلوب في سوق التغطية الفندقية المطلوبة للمدن الرئيسة.

وأكد الصانع أن إشغال الفنادق في المملكة يختلف جذرياً عن الوضع في بعض دول الخليج العربي التي اتضح علناً تأثرها، لذا لا تزال تعاني نتيجة عملية التصحيح وتصاعد أسعار الليلة الفندقية الواحدة خلال السنوات المنصرمة.

ويرى الصانع، الذي يدير سلسلة من الفنادق في مناطق مختلفة من السعودية، أن ما يحصل في منطقة الخليج يمثل نوعاً من التصحيح ولا يمكن اعتباره خسائر فعلية، لافتاً إلى أن هناك طلباً على بعض الفنادق والمنتجات تقدر نسبة إشغالها هناك بين 90 إلى 100 في المائة خلال الشهر المنصرم.

من ناحيته، قال لـ«الشرق الأوسط» فيصل المطلق، الذي يدير سلسلة فنادق المطلق، إن فنادق مدينة الرياض الـ 70 تحمل سمات ومعايير الإيواء الفندقي بين 3 إلى 5 نجوم تشهد نسبة طلب عالية ليس خلال هذه المرحلة بل تمتد منذ السنتين المنصرمتين.

ولفت المطلق إلى أن المشاريع الحكومية، لاسيما المشروعات العملاقة، دفعت إلى شغل حيّز كبير من حجوزات الغرف الفندقية مع حضور مجموعات الوفود وكذلك الاستعانة بالخبرات والشركات والمؤسسات وممثلي المصانع والمنشآت، مما أدى إلى زيادة عملية الإشغال الفندقي. وأضاف المطلق أن تفعيل الهيئة العامة للسياحة لنشاطات ترفيهية حيوية خلال فترات من العام دعم من ضغوطات الحجوزات الفندقية داخل السعودية لاسيما خلال مواسم الصيف، حيث نظمت قيام المهرجانات والاحتفالات والتجمعات الترفيهية في فترات موزعة خلال موسم الصيف.

وأبان المطلق أن الوضع القائم فيما يخص تشغيل الفنادق يختلف كلياً عن الوضع في بعض دول الخليج، حيث اتضح تأثير الأزمة المالية العالمية عليها جلياً بعكس المملكة التي دائماً ما تشهد الإيواء الفندقي بهدف اقتصادي وتجاري واستثماري.

وفي شأن متصل، كشف المطلق أن هناك توسعاً كبيراً في عملية الاستثمار في بناء وإنشاء الفنادق العملاقة، موضحاً أن مدينة الرياض وحدها مرشحة لتشغيل أكثر من 12 فندقاً من فئة الـ 5 نجوم خلال السنوات القليلة المقبلة.

وكانت شركات استثمارية عالمية أعلنت عن خسائر في نتائجها المالية للربع الأول من العام الجاري نتيجة انخفاض الأداء التشغيلي في الفنادق وكذلك شركات إدارة الفنادق العالمية.

من جانبه، أكد الدكتور محمد قاري المدير التنفيذي لهيئة السياحة والآثار بالطائف زيادة حركة الإسكان في الفنادق في الطائف خلال المواسم الفارطة وعدم تأثرها، كون الاعتماد الكبير يكون على قطاع السياحة الداخلية، مشيراً إلى الحاجة الملحة لغرف فندقيه أكثر، نافياً توقف أي من المشاريع القائمة.

إلى ذلك، قدر الدكتور سعد القرشي نائب رئيس لجنة الحج بالغرفة التجارية بجدة ومكة المكرمة، نسبة الإشغال في الفنادق في الفترة الماضية بنحو 60 في المائة خلال الأوقات العادية، بينما تصل إلى 110 في المائة في المواسم مثل رمضان والحج مما يدفع للحاجة إلى نحو 5 آلاف غرفة فندقية في مكة ونحو 10 آلاف في جدة، لافتاً إلى أن حجم الإنفاق الإجمالي لهذا القطاع في البلاد يقدر بنحو 3.7 مليار ريال (مليار دولار). وحول تأثر المشاريع الفندقية بالأزمة العالمية، قال القرشي إن مكة بها نحو 50 ألف غرفة فندقية تحت الإنشاء ضمن المشاريع التطويرية الضخمة الجديدة مثل مشروع جبل عمر، مشدداً على أن تلك المشاريع لم تقف ومستمرة في العمل. واتفقت المصادر على أن مدن المملكة تعاني نقصاً في عدد الغرف والنسب الاستيعابية للسكن، وعزت ذلك لكثرة الطلب وانتعاش الحركة السياحية في الداخل وزيادة الأنشطة والفعاليات المتنوعة بها، خاصة في المواسم، وأكدت على تزايد الطلب حالياً على الاستثمار في المجال الفندقي في مختلف مناطق المملكة لمواجهة هذا النقص. وكان المهندس أحمد بن محمد العيسى مدير عام الإدارة العامة للتراخيص والجودة في الهيئة العامة للسياحة والآثار قد أشار لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق إلى أن بعض المناطق في المملكة تعاني من نقص في عدد الغرف والنسب الاستيعابية للسكن نظراً لكثرة الطلب وانتعاش الحركة السياحية في الداخل وزيادة الأنشطة والفعاليات المتنوعة بها خاصة في المواسم. وقال: «نأمل في القريب زيادة عدد المنشآت في القطاع، حيث تعمل الهيئة على تشجيع الاستثمار بالتعاون مع الجهات المعنية»، مضيفاً «قد يرى الجميع الإقبال المتزايد حالياً على الاستثمار في المجال الفندقي، حيث يوجد عدد كبير من المنشآت الفندقية تحت التنفيذ في مختلف مناطق المملكة، وهناك استثمارات جديدة ضخمة نراقب دخولها في الوقت الحالي لهذا القطاع، مما سيكون له أثر واضح في عدد المنشآت الفندقية ونوعية الخدمات المقدمة خلال الأعوام المقبلة». وفي منطقة تبوك ـ شمال غربي السعودية ـ والواجهة الشمالية السعودية ومدينة الورود، بدأت أخيراً خطوة غير مسبوقة باستقبال الوفود السياحية العالمية مباشرة باعتبارها إحدى أهم المناطق السياحية في السعودية نظير وجود عدد كبير من المواقع التراثية المهمة التي لها علاقة كبيرة بالتاريخ الإسلامي.

ويكشف عبد الله الرزيق المدير التنفيذي لجهاز السياحة بمنطقة تبوك أن المنطقة لا توجد بها أي فنادق من الدرجة الممتازة بينما يبلغ عدد غرف الدرجة الأولى 79 غرفة و681 للدرجة الثانية و288 للدرجة الثالثة فيما يبلغ عدد الغرف غير المصنفة 64 غرفة وعدد الفنادق 29 فندقاً وذلك حسب إحصائية وزارة التجارة والصناعة لعام 2007. وبالعودة لإبراهيم الراشد رئيس لجنة السياحة بغرفة جدة، أكد أن حركة الطيران لم تؤثر على إشغال الفنادق، موضحاً في السياق ذاته الحاجة الملحة لرحلات إضافية رغم تأكيده، مع الدكتور القرشي، على أن التأثير قد يكون متصلا بحركة الطيران الخارجي إلا أن قطاع الإسكان عموماً مرتبط بالسياحة الداخلية. ونفى عبد العزيز الحازمي مساعد المدير العام التنفيذي للتسويق في الخطوط السعودية حدوث أي انخفاض في عدد الرحلات للخطوط السعودية وهو ما قاد إلى التأثير على القطاع السياحي بشكل عام والقطاع الفندقي بشكل خاص، مؤكداً الزيادة المستمرة للرحلات الداخلية خصوصاً في المواسم ووفقاً للإقبال الشديد.

وفيما يختص بزيادة الرحلات للجهات المقتصرة على الطيران الاقتصادي قال الحازمي «فيما يخص الخطوط السعودية تتم الزيادة وفق الجدولة وما يخص الخطوط المشتركة مع الطيران الاقتصادي في حالة الحاجة يتم زيادة الرحلات، أما ما يخص الخطوط الإلزامية فلا نستطيع التدخل في شأنها».

وأشارت إحصائية رسمية صادرة من مركز المعلومات والأبحاث السياحية (ماس) التابع لهيئة السياحة، إلى تركز معظم الفنادق بنسبة 64 في المائة في منطقة مكة المكرمة، تليها المدينة المنورة بنسبة 8 في المائة، والرياض بنسبة 7 في المائة وتمثل فنادق الدرجة الثانية 42 في المائة من مجموع فنادق المملكة ثم فنادق الدرجة الثالثة بنسبة 30 في المائة، تليها فنادق الدرجة الأولى بنسبة 20 في المائة وفنادق الدرجة الممتازة بنسبة 6 في المائة. وحققت الفنادق ذات الدرجة الثالثة معدل إشغال أعلى من فنادق الدرجة الأولى، فقد بلغ معدل إشغال الغرف في فنادق الدرجة الثالثة 53 في المائة مقارنة بالدرجة الممتازة 15 في المائة، وحققت الفنادق التي تحتوي من 40 إلى 79 غرفة على أعلى معدل إشغال للغرف بنسبة 54 في المائة، في حين حققت الفنادق ذات 80 إلى 149 غرفة أعلى معدل إشغال للغرف.

وبينت الإحصائية الرسمية أن الغالبية العظمى من غرف الفنادق في المملكة تتركز في فنادق مكة المكرمة بنسبه 70 في المائة، بواقع 87.5 ألف غرفة من إجمالي 142.6 ألف غرفة، وفي المدينة 16.4 ألف غرفة بنسبة 13 في المائة، مقدرة إيرادات قطاع الفنادق بما يزيد على 5.45 مليار ريال في العام 82 في المائة منها إيرادات الغرف.

إلى ذلك، أوضح خالد النصار رئيس اللجنة السياحية في الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية أن المنطقة الشرقية تحتل المرتبة الثالثة من حيث عدد الفنادق بعد كل من مكة والرياض، مفصحة أن اللجنة تعمل، من خلال عملية التطوير في مجالات السياحة، على رفع النسبة إلى 60 في المائة كمتوسط إشغال.

من ناحيته، أوضح المهندس عبداللطيف البنيان، المدير التنفيذي لجهاز التنمية السياحية في المنطقة الشرقية، أن هناك نموا مطرداً في سياحة المنطقة شملت الفنادق، لافتاً إلى أن عدد الفنادق في الشرقية بلغ 82 فندقاً على مختلف المستويات من ثلاث إلى خمس نجوم، بينما يوجد أكثر من 6 آلاف غرفة.

وكشف البنيان أن السنوات الثلاث المنصرمة كشفت عن ارتفاع نسبة الإشغال في الفنادق إلى أكثر من 50 في المائة، لافتاً إلى أن هذا الارتفاع يعكس حجم نمو الفنادق بالمنطقة.

وأضاف البنيان أن أغلب الرحلات السياحية في المنطقة هي رحلات محلية تأتي من مختلف مناطق السعودية وكذلك بعض الدول الخليجية في حين أن الأجانب الذين يقيمون في الفنادق يمثلون نحو 45 في المائة من إشغالها من خلال الرحلات السياحية وهو ما ينطبق كذلك على مختلف المناطق في السعودية من خلال الرحلات المحلية.

وذكر البنيان أن السوق السعودية المتعلقة بالسياحة تمثل الشق الأعظم من عدد الرحلات خصوصاً من الأجانب، حيث يمثلون النصف من الرحلات السياحية في حين أن غالبية الوافدين الذين يأتون للسعودية يأتون من دول الشرق الأوسط ويرتكزون كذلك في الكويت ومصر والإمارات. وقال البنيان خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بطئاً في نمو الحركة السياحية لدول الشرق الأوسط، وهو ما انعكس على حركة الوضع العام السياحي ومنها الفنادق، مفيداً أن السياحة من أجل الأعمال والمؤتمرات تمثل 23 في المائة من داخل السعودية بينما لا تتجاوز الزيارة من أجل الترفيه 20 في المائة.