ركود سوق العقارات يساعد في إخلاء العشوائيات بالمغرب

إنشاء 130 ألف وحدة سكنية اجتماعية بتكلفة 1.4 مليار دولار

TT

أعطى انهيار سوق العقارات العالمي زخما جديدا لخطط المغرب لهدم أحيائه الفقيرة، حيث أدت عقود من إهمال الدولة إلى انتشار اليأس والتطرف الديني.

وأوضحت وكالة «رويترز» للأنباء أنه في ظل انخفاض الطلب على المنازل والمنشآت السياحية الفاخرة في أعقاب الأزمة المالية العالمية، تحقق المؤسسات العقارية المغربية أقصى استفادة من خطة تدعمها الدولة لتسكين أربعة ملايين من سكان العشوائيات في شقق جديدة. وتعرض على المطورين العقاريين أراضي بأسعار مخفضة إذا باعوا بعض الطوابق في مبانيهم السكنية لأسر تقطن العشوائيات بأسعار أقل من أسعار السوق. وتحصل الأسر على منح لمساعدتهم في السداد. وقال توفيق حجيرة وزير الإسكان في يناير (كانون الثاني) إنه تم إخلاء 30 بلدة من العشوائيات منذ عام 2004، وتم هدم 50 ألف كوخ العام الماضي. وهو يهدف إلى هدم أعداد مماثلة في 2009.

ويقول زاهيدي العربي، عضو رابطة تطوعية للتنمية في ضاحية سيدي مؤمن بالدار البيضاء، إن نحو نصف سكان أسوأ أحيائها الفقيرة «توما» و«دوار السكويلة»، أعيد تسكينهم. وقال زاهيدي إن سيدي مؤمن تغيرت تماما على الرغم من أنه لا يزال هناك نقص حاد في الخدمات. وأضاف أن الفقر والبطالة لا تزال مشكلتين خطيرتين، لكن الأفضل أن يكون المرء عاطلا في شقة جديدة عن أن يكون عاطلا في حي فقير.

وكان الملك محمد السادس قد أعلن إنشاء 130 ألف وحدة سكنية اجتماعية بتكلفة 1.38 مليار دولار بحلول عام 2012.

وتقول شركة «لافارج» أكبر شركة لمواد البناء في المغرب إن الطلب على الأسمنت الذي تنتجه سيزيد على الأرجح هذا العام بفضل مشاريع الإسكان الاجتماعية. وتم تدشين هذه الخطة بعد أن فجر 14 شابا من العشوائيات قنابل في وسط الدار البيضاء في مايو (أيار) عام 2003 ما أسفر عن مقتل 45، بينهم منفذو التفجيرات.

وسبب هذا حالة من الصدمة في البلاد الفخورة باستقرارها الاجتماعي، وأظهر النفوذ المتزايد للأئمة الإسلاميين المتشددين في الأحياء التي أهملتها الدولة.

وكان معظم المهاجمين من سيدي مؤمن، التي توجد بها آلاف الأكواخ من الطوب اللبن ذات الأسقف المعدنية المثبتة بأحجار. وتتسبب فيضانات الشتاء في انطلاق الجرذان عبر حجرات المعيشة، أما في الصيف فتتسلط أشعة الشمس على الأسطح الحديدية المعوجة لتحول المنازل إلى أفران. وافتتحت عدة مساجد غير رسمية في سيدي مؤمن في التسعينات لبعضها أئمة كونوا لجان أمن أهلية للقيام بدوريات في العشوائيات ومعاقبة مرتكبي الجرائم وأصحاب السلوك غير الأخلاقي. وأغلقت المساجد أو هدمت بعد هجمات عام 2003 حين شددت الدولة السيطرة على الوعظ الديني، وفجر مزيد من الشبان المتشددين أنفسهم عام 2007 مما أسفر عن مقتل ضابط شرطة. وبالنسبة للكثير من المغاربة لا تزال سيدي مؤمن مرادفة للتشدد. وقالت سعيدة فكري، إحدى سكان العشوائيات السابقين: «حين تمر حافلة مكتوب عليها أنها متجهة إلى سيدي مؤمن يصيح المارة أحيانا بصوت يحاكي صوت الانفجار».

ويقول شبان من العشوائيات إن الشرطة ما زالت تتجنب أحياءهم، وما زال هناك نقص في الخدمات الأساسية. وبينما كان سكان العشوائيات يعتقدون ذات يوم أن الوعود بمنحهم منازل بديلة مزحة سخيفة، يسود في الوقت الحالي تفاؤل حذر.

واشتركت سعيدة فكري مع ساكن آخر من سكان العشوائيات في شراء طابقين من مبنى سكني بمنطقة على مشارف الدار البيضاء. وسددا 70 ألف درهم (ثمانية آلاف دولار) ردت منها الدولة 30 ألفا. وقالت إن وصمة العار التي التصقت بالعشوائيات في سيدي مؤمن جعلت من المستحيل على عائلتها تحسين مستوى معيشتها. وتقدم شقيقها وهو ضابط شرطة بطلب للحصول على تأشيرة للسفر للخارج، لكنه لم يحصل عليها، وهي تعتقد أن هذا بسبب العنوان المدون في بطاقته الشخصية. وأضافت: «لن يتمكن أبنائي من الحصول على وظيفة بعنوان مثل هذا».

وصاغ المستعمرون الفرنسيون تعبير «حي الأكواخ» في المغرب قبل نحو قرن مضى، حين أقام عمال البناء في الدار البيضاء أكواخا كسكن مؤقت.

والعشوائيات متواجدة في أي مكان في البلدات الشمالية بالمغرب قرب الطرق ومحطات السكك الحديدية وساحات انتظار السيارات بالمتاجر الكبيرة في ظل الفيلات الفاخرة وعلى الواجهة البحرية المطلة على المحيط الأطلسي في العاصمة الرباط.

وفشلت برامج سابقة للقضاء عليها، إذ استمر المسؤولون في غض الطرف عن البناء من دون تراخيص مقابل رِشَى.

ونمت أحياء بأكملها من دون تخطيط ملائم بما في ذلك حي الهراويين في الدار البيضاء الذي أطلق عليه اسم «الشيشان» لمظهره الفوضوي المدمر.

وألقت الشرطة القبض على 118 شخصا هذا العام في حملة ضد الفساد واستغلال النفوذ والبناء من دون ترخيص في الهراويين. واليوم يحجم كثير من سكان العشوائيات عن الرحيل خوفا من أن تكون الشقق الجديدة صغيرة بحيث لا تتسع لأسرهم كبيرة الحجم أو يطالبون بتعويضات عن الأراضي التي يخلونها.

ويتهيب بعض من ولدوا ونشأوا هناك من المباني السكنية المجهولة بالنسبة لهم، حيث يجب بناء الصداقات وشبكات الدعم اللازمة لمواجهة الفقر من الصفر.

وقال عزيز دهاهبي (25 عاما): «لا أقول إن المكان هنا يسوده الهدوء والحب.. لكن إذا مرض أحد ما، يحصل على كل التضامن والدعم اللذين يحتاجهما من جيرانه. هذا ليس شيئا يمكن أن نجده في مكان آخر».