الخليج يستقبل كبار المحامين «أطباء التوليد» للصفقات المالية في الغرب

الأزمة تمتد إلى كبار المحامين الجالسين على قمة العالم.. وألف منهم يفقدون وظائفهم

TT

إبان سنوات الانتعاش، التي حققت فيها البنوك والبورصات والشركات المالية أرباحا طائلة، كان المحامون والقانونيون بمثابة «أطباء التوليد» الذين تتم على أيديهم ولادة أي صفقة في حي المال. وكانت مكاتب المحاماة تعمل ليل نهار لإكمال العقود التي يأتي المصرفيون في الصباح لتوقيعها والاحتفال مع المحامين بتقاسم الغنائم. لذا فعندما جاءت عاصفة الأزمة الاقتصادية الحالية لم يكن المصرفيون وحدهم الذين خسروا وظائفهم وأوضاعهم المميزة بل عانى المحامون بنفس المستوى دون أن ينتبه إليهم أحد.

وبعد أن كانت مهنة المحاماة من أكثر المهن استقرارا ماديا ووظيفيا في الغرب (ربما أكثر من المصرفيين أنفسهم) وجد المحامون أنفسهم يبحثون عن عمل في بلدان بعيدة عن أوطانهم، وعلى الأخص في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وفي هذا الصدد نقلت صحيفة «الفايننانشيال تايمز» البريطانية عن مكاتب محاماة في الشرق الأوسط دهشتها من عدد المحامين من ذوي الوزن الثقيل الآتين من بريطانيا والولايات المتحدة باحثين عن عمل في دول الخليج أو ساعين إلى فتح فروع لهم في المنطقة.

والمعروف أن مكاتب المحاماة البريطانية والأميركية هي التي تسيطر على مهنة القانون في العالم، خصوصا فيما يتعلق بقوانين الشركات والصفقات التجارية والتعاملات المالية. وعلى سبيل المثال فإن أكبر مكتب محاماة في العالم «كليفورد شانس» Clifford Chance الأميركي أغلق في الشهر الماضي فرعين من مكاتبه في لندن ونقلهما إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. وأشارت الصحيفة إلى أن دبي، التي كانت أكثر دول الخليج تأثرا سلبيا بأزمة الائتمان الدولية، تحولت إلى مجرد مركز في المنطقة تنطلق منه مكاتب المحاماة إلى الدول المجاورة التي لا يعتمد اقتصادها على الخدمات المالية (مثل دبي) بل على عائدات النفط، مثل جارتها إمارة أبو ظبي وبالطبع المملكة العربية السعودية. غير أن كثيرا من مكاتب المحاماة في الخليج تعتقد أن هناك فائضا في السوق وأن بعض هذه المكاتب ستضطر إلى الإغلاق.

ويوضح موقع مجلة American Lawyer الإلكتروني على شبكة الإنترنت أن أكبر 10 شركات قانونية في الولايات المتحدة اضطرت إلى تخفيض عدد شركائها بنسبة لا تقل عن 10%، أي أن أكثر من 1000 من كبار المحامين فقدوا وظائفهم في الأشهر الأخيرة، مشيرة إلى أن بعض هؤلاء كان يتقاضى أكثر من 1.5 مليون دولار سنويا. وأضافت أن هؤلاء المحامين الكبار كانوا يظنون أنهم «يجلسون على قمة العالم المالي والقانوني مدى الحياة، لكنهم الآن وجدوا أنفسهم يخرجون خرائطهم الجغرافية ليتعرفوا على البلدان التي يسعون للانتقال إليها».

ومن أكبر الضحايا في عالم المحاماة والمال أسماء كبيرة مثل «هيلير أهرمان» Heller Ehrman و«بروفيت وود» Proffitt & Wood، وهما مكتبا محاماة أميركيان يعود تاريخهما إلى أكثر من 160 عاما، لكنهما اضطرا إلى الإغلاق تماما وليس فقط تخفيض العمالة.

أما في لندن، التي تحتضن غالبية الشركات القانونية الدولية والتي لعبت دورا أساسيا في جعل لندن عاصمة مالية مهمة، فإن شركات مثل «لينكلاترز» Linklaters و«ألين أند أوفري» Allen & Overy يواجهان إعادة هيكلة كاملة مع تخفيض عدد الشركاء وعدد العمالة وخفض المرتبات ووقف تدريب صغار المحامين. كما خفض مكتب «فريشفيلدز بروكهوز» Freshfields Bruckhaus عدد الشركاء بنسبة 20% خلال العامين الماضيين.

والشركاء في مكتب المحاماة يعتبرون بمثابة حملة الأسهم إذ يتقاسمون أرباح المكتب في نهاية السنة المالية، بينما المحامون غير الشركاء يتقاضون رواتب شهرية ولا يحصلون على حصة من الربح. وعلى سبيل المثال، فقد حصل الشريك الواحد في مكتب «لينكلاترز» للمحاماة في لندن على ربح قدره 2.2 مليون دولار في عام 2008، مرتفعا من 1.2 مليون دولار في عام 2004، أي ضاعف أرباحه خلال 4 سنوات فقط.

وقد حصل أكبر المحامين في هذا المكتب على أرباح في العام الماضي قيمتها 5.4 مليون دولار، مما يجعها تضاهي حوافز مديري كبرى الشركات المالية في حي المال. كما أن الشركاء في مكتب «فريشفيلدز بروكهوز» حققوا زيادة في أرباحهم في العام الماضي بنسبة 40% مقارنة بالعام الذي قبله.

ومن مفارقات القدر أن هذه الأرباح وزعت على المحامين قبل أقل من عام، لكن الكثيرين منهم اليوم يبحثون عن عمل في الخليج وفي أفريقيا. ويرى كثير من المحامين أن الأزمة الاقتصادية الحالية علمتهم ألا يربطوا مصير مهنتهم بمصير الأسواق المالية المتقلبة.