أميركا: بعض المصارف ترغب في عدم تدخل إدارة أوباما في شؤونها

بعد شعورها بالأمان نتيجة الأرباح الجيدة التي حققتها

تبدي أعداد متنامية من المصارف الأميركية رفضها لمقترحات إدارة أوباما الخاصة بإصلاح النظام المالي (إ.ب.أ)
TT

في الوقت الذي تمارس واشنطن ضغوطا على المصارف كي تصلح شؤونها المالية، تقاوم المصارف هذه الضغوط. والواضح أن مصارف تملّكها شعور بالجرأة نتيجة الأرباح الجديدة التي حققتها، وتراودها الآن رغبة قوية في التخلص من قبضة السيطرة الفيدرالية. وعليه، تبدي أعداد متنامية من المصارف رفضها لمقترحات إدارة أوباما الخاصة بإصلاح النظام المالي. والآن يرفض المقرضون الذين تمكنوا من النجاة من كارثة حتمية بأعجوبة منذ شهور قليلة مضت، بمساعدة أموال دافعي الضرائب، التوجيهات التي تصدرها إليهم الحكومة.

ورغم الضغوط التي يمارسها المشرعون الفيدراليون، يعارض الكثير من المسؤولين التنفيذيين داخل الصناعة عناصر كبرى في الخطة الحكومية لإصلاح المصارف. على الجانب الآخر، يشدد مسؤولو الإدارة على كل جزء من توجههم ثلاثي الأبعاد باعتباره يحمل أهمية جوهرية بالنسبة إلى جهود تعزيز المصارف ودفع عجلة الاقتصاد من جديد، إلا أن المصارف تبدي رغبة قوية على نحو متزايد إزاء تخليص نفسها من قبضة الحكومة، ويساورها القلق حيال إمكانية أن تفرض واشنطن عليها قيودا جديدة إذا ما زادت مساحة الدور الكبير بالفعل الذي تضطلع به الحكومة في الصناعة.

في هذا السياق، أوضح فريدريك كانون، المسؤول الأول عن صياغة استراتيجيات التعامل مع الأسهم في «كيف بروييت آند وودز»، والمتخصص بمجال الأسهم المصرفية، أنه: «إذا لم نتناول هذه القضايا فقد يخلف ذلك آثارا سلبية على النمو الاقتصادي، مما سيتسبب بدوره في تفاقم مشكلات المصارف».

ومع إنجاز إدارة أوباما أيامها المائة الأولى في السلطة، تزيد المعارضة التي تبديها المصارف من تعقيد الجهود الحكومية لتسوية بعض أكثر المشكلات التي تنطوي عليها الأزمة المالية صعوبة. والملاحظ أن المعارضة تتنامى على العديد من الجبهات.

من ناحيته، يعارض «سيتي غربو» و«بانك أوف أميركا» والمصارف الكبرى الأخرى ما يطلق عليه اختبارات تحمل الضغوط التي يجريها مسؤولون فيدراليون لتحديد مدى قدرة هذه المؤسسات على تحمل فترة ركود طويلة وعميقة. وتصر المصارف على أنها تتمتع بقدرات أفضل عما توصلت إليه النتائج الأولية، رغم أنه من المحتمل أن يواجه العديد منها الحاجة إلى جمع رؤوس أموال.

يذكر أن خطة وضعتها وزارة الخزانة على تطهير المصارف الكبرى من أصولها المثيرة للمشكلات ـ وهي مشكلة عويصة على ما يبدو ـ لاقت استجابة فاترة داخل الدوائر المصرفية. وأعلنت العديد من المصارف الكبرى أنها لا تنوي المشاركة في البرنامج، كما اتسمت جهود كبرى أخرى ترمي لإحياء الاعتمادات لكل شيء، بدءا من قروض السيارات وحتى تأجير المعدات، بداية بطيئة.

من ناحيتهم، صرح مسؤولو الإدارة يوم الثلاثاء بأن جهودهم تسير حسب الخطة الموضوعة، مشيرين إلى أن ما يزيد على 100 جهة خاصة تتولى إدارة الأموال وقعت على انضمامها للبرنامج الخاص بشراء أصول متعثرة. وأشار أحد المسؤولين قائلا: «إننا لا نضغط على مجرد زر»، داعيا إلى التحلي بالصبر. وأضاف: «هذه البرامج تتسم بالتعقيد». لكن الخلافات حول اختبارات الضغوط التي تعرض لها 19 مصرفا كبيرا، والاستقبال الفاتر للمحور الثالث من الجهود الفيدرالية والذي يطلق عليه برنامج «تسهيل قروض مدعومة بسندات أرصدة»، قد تثير القلق. والواضح أن المصارف الكبرى يجري إخضاعها لمجموعة من الاختبارات للتعرف على ما إذا كانت قادرة على الصمود تحت وطأة ضغوط حال تحقق أسوأ الافتراضات الاقتصادية المحتملة على امتداد العامين القادمين. من جهتها، تطعن مصارف كبرى مثل «سيتي غروب» و«بانك أوف أميركا» و«بي إن سي فايننشال» و«ويلز فارغو» في صحة بعض النتائج الأولية، والتي توحي بأن بعض المصارف قد تحتاج إلى جمع رؤوس أموال، طبقا لأشخاص مطلعين على نتائج الاختبارات. ونظرا للأمد الطويل الذي استغرقته التفاوضات مع المصارف والتشاحنات داخل المؤسسات التنظيمية حول حجم المعلومات الواجب الكشف عنها، يخطط المسؤلون الآن لإعلان النتائج في 5 أو 6 مايو (أيار)، وهي المرة الثالثة التي يتم فيها إرجاء موعد الإعلان.

من جهته، قال إدوارد إل. ينغلينغ، رئيس «اتحاد المصرفيين الأميركيين»: «هناك قلق في أوساط المصارف حول أن اختبارات الضغوط أسفرت عن تولد شكوك، عكس الهدف المرجو منها، وأنها ستقلص أعداد حاملي الأسهم بها بناء على سيناريو يعترف المنظمون أنفسهم أنه من غير المحتمل تحققه».

وطبقا لمصادر على علم بالموقف، تدور الخلافات حول عدة افتراضات وضعها المنظمون فيما يخص إدارة الاختبارات، منها حدة الخسائر المرتبطة بالأصول مثل الرهون العقارية وقروض بطاقات الاعتماد وقروض العقارات التجارية، علاوة على إمكانات المصارف المتعلقة بجني عائدات.

وفي تحد آخر، تمارس المصارف ضغوطا على المنظمين من أجل التخفيف من حدة الجدول الزمني المحدد لهم للحصول على رؤوس أموال جديدة.

ويبدي بعض المستثمرين استعدادهم لشراء الأصول المثيرة للمشكلات من المصارف، أما الأمر التي تحيط به الشكوك على نحو أكبر فهو ما إذا كانت المصارف على استعداد للبيع. من جهتها، صرحت مؤسسات كبرى معنية بإدارة الأموال، مثل «بلاك روك» و«بانك أوف نيويورك ميلون»، بأنها تقدمت بطلبات لجمع أموال لصالح الصناديق ذات الأصول المتعثرة. وفي الوقت الذي صرح مسؤولو الإدارة بأنهم لم يتوقعوا قط مشاركة كافة المصارف، فإن المصارف الكبرى التي يعتقد أن مشاركتها تتميز بأهمية حيوية لنجاح الخطة أعلنت أنها لن تشارك. ويشعر المسؤولون التنفيذيون بالقلق من أنه مهما كانت الضمانات التي يقدمها البيت الأبيض فإن الكونغرس الغاضب قد يقدم على فرض قواعد جديدة ضد المصارف التي تشارك في البرنامج.

يذكر أن مسؤولين من «سيتي غروب» و«مورغان ستانلي» و«بي إن سي فايننشال» وعدد من جهات الإقراض الكبرى الأخرى ممن حصلوا على إعانات حكومية تقدر بمليارات الدولارات، يبدون ترددهم إزاء المشاركة، أو أعلنوا بالفعل رفضهم حتى الآن الالتزام بالمشاركة، في البرامج الحكومية حتى تتضح المزيد من التفاصيل. من ناحيته أعرب جامي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ«جيه بي مورغان تشيس» ـ التي تعتمد على قروض من «الهيئة الفيدرالية الأميركية للتأمين على الودائع» ـ عن اعتقاده بأن برنامج الاستثمار للقطاعين العام والخاص يمكن أن يخلف نتائج «طيبة للنظام»، لكنه استطرد موضحا أن مصرفه لا ينوي أن يكون بائعا أو مشتريا. وقال في وقت سابق من هذا الشهر في مؤتمر حول العائدات: «نحن بالتأكيد لن نقترض من الحكومة الفيدرالية، لأننا تعلمنا درسنا المستفاد حيال هذا الأمر».

وتبدي الكثير من المصارف ترددا إزاء بيع قروضها غير العاملة على نحو مناسب لما قد تمنى به من خسائر فادحة، مما قدر يجبرها على جمع مزيد من رؤوس المال. بينما ترغب مصارف أخرى في تجنب الوصمة المرتبطة بالانضمام إلى برنامج فيدرالي آخر.

في هذا الإطار قال جيمس إي. روهر، رئيس «بي إن سي»، خلال لقاء أجري معه مؤخرا: «لا أرغب في أن أكون أول شخص يشارك بهذا الأمر، وأن يجري النظر إلى مصرفي باعتباره واهنا».

وقال دي. بريان جوردان، الرئيس التنفيذي لـ«فيرست هوريزن»، إحدى مؤسسات الإقراض الكبرى التي تتخذ من تينيسي مقرا لها، إن احتمالات مشاركة مصرفه ضئيلة إلى حد ما، وأضاف: «نعتقد أن باستطاعتنا تحقيق قيم أكبر بكثير من ورائهم إذا ما اضطلعنا نحن بالتعامل معهم».

من ناحية أخرى أشار آرت مرتون، المسؤول لدى «إف. دي. آي. سي.»، والذي يعاون في صياغة برنامج التعامل مع القروض المتعثرة، إلى وجود بعض مستويات الاهتمام «المشجعة». ومن أجل اختبار ردود أفعال المستثمرين تخطط «إف. دي. آي. سي» لإجراء مزاد علني في يونيو (حزيران).

ورأى البعض أن برنامج «تسهيل قروض مدعومة بسندات أرصدة» غير مثير، ذلك أنه سيحفز السوق من أجل أوراق مالية مدعومة بقروض تتعلق بمستهلكين وشركات صغيرة، والتي باتت غير مثمرة العام الماضي.

وأعلن صانعو السياسات أنهم يخططون لإقراض ما يصل إلى تريليون دولار في إطار البرنامج، لكن المستثمرين حصلوا على قروض بقيمة 4.7 مليار دولار فحسب خلال الدفعة الأولى في مارس (آذار)، و1.7 مليار دولار أخرى في أبريل (نيسان)، طبقا للمعلومات الصادرة عن مصرف الاحتياط الوطني في نيويورك. إلا أن مسؤولين بالإدارة قالوا إن الخطة ستشرع في تقديم مزيد من القروض وستتوسع خلال الشهور القادمة. في تلك الأثناء دخل «سيتي غروب» في مناقشات مع وزارة الخزانة حول إصلاح نظام المكافآت بالمصرف للمضاربين والموظفين الآخرين، حسبما أفاد مصدر مقرب، في وقت ينتظر المصرف القواعد الحكومية الجديدة بشأن المكافآت. ومن بين الأفكار التي جرت مناقشتها إصدار تصاريح والسماح للموظفين بشراء حقوق سهمية بتخفيضات بالغة وإعفاء المضاربين من القواعد الجديدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»