مؤتمر الاستثمار في العراق.. رسالة بأن البلد جاهز للعمل

الاجتماع رصد اقتراحات باستثمار 10 مليارات دولار وعزز الثقة بالبنية التشريعية للعمل في البلاد

نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح (يسار) يوقع اتفاقية التعاون المشترك مع وزير الأعمال البريطاني اللورد بيتر ماندلسون في لندن أمس. (تصوير: حاتم عويضة)
TT

كانت الرسالة من مؤتمر الاستثمار في العراق الذي عقد في لندن أمس واحدة من جميع المسؤولين العراقيين: العراق جاهز للعمل والاستثمارات الخارجية. وشدد نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح على هذه النقطة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «المؤتمر عبارة عن رسالة بأن العراق جاهز للعمل والاستثمار، هذه نقطة تحول». وألقى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الكلمة الرئيسية في المؤتمر، قائلاً: «اعرض اسم شعب العراق وحكومته شراكات مع الأصدقاء في الشركات الدولية وبيوت المال والمنظمات وكل من يرغب بالاستفادة من السوق الواعدة». وأضاف المالكي أن العراق يشهد استقرار أمنيا نسبيا يجعل الالتفات إلى الاقتصاد أمرا أساسيا، موضحا «لا يمكننا المحافظة على السلام في العراق من دون تحقيق تقدم اقتصادي». وأكد أن «الأمن والتنمية الاقتصادية يجب أن يحظيا بنفس القدر من الاهتمام».

وعرض نائب رئيس الوزراء العراقي وضع الاقتصاد العراقي أمام المشاركين في المؤتمر من شركات بريطانية ودولية منها «شيل» و«بريتيش ايرلاينز» و«رولز رويس». وتوقع صالح في خطابه أن ينخفض التضخم العراقي إلى عشرة في المائة في عام 2009 من 12 في المائة في العام الماضي. وقال صالح للمستثمرين في مؤتمر عن الاستثمار في العراق إن النمو بلغ تسعة في المائة في عام 2008. وأضاف صالح أن أعضاء نادي باريس شطبوا 80 في المائة من ديون العراق لهم وأنه يأمل أن تتبع دول أخرى خطاهم. وتابع: «الحكومة تعمل على إقناع دول أخرى باتخاذ خطوات مماثلة».

ويتطلع العراق لزيادة الاستثمار الأجنبي في حين تستعد القوات الأميركية والبريطانية للانسحاب من البلد الذي يسعى لتحديث البنية الأساسية المتهالكة وإعادة الإعمار بعد سنوات الحرب. ولفت صالح أن المرحلة الحالية هي مرحلة البناء والإعمار، قائلاً: «العراق الآن يمول إعادة الإعمار بالكامل تقريبا». ولكن الوضع المالي للبلاد ضعف بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط عن ذروتها التي اقتربت من 150 دولارا للبرميل العام الماضي إلى نحو 50 دولارا حالياً. وقال الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ لـ«الشرق الأوسط»: «المؤتمر عبارة عن رسالة واضحة تعكس رغبة الحكومة العراقية في دعم القطاع الخاص». ولفت الدباغ إلى أن العراق «بلد الاستثمار القادم»، موضحاً أن الأزمة المالية الحالية قلصت الاستثمارات في دول عدة في المنقطة إلا أن العراق مازال سوقاً ناشئاً يقدم فرصا جديدة وحيوية للمستثمرين. وأفادت وزارة التنمية الدولية البريطانية، التي استضافت المؤتمر، بأن مقترحات بإبرام عقود استثمارية تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار تم بحثها في مؤتمر أمس. وقال وزير التنمية الدولية البريطاني دوغلاس الكساندر: «هناك تحسينات هائلة في العراق اليوم ومازالت مستمرة والشعب العراقي ينظر إلى المستقبل بشعور بالتفاؤل، ولكن البلد بحاجة إلى المزيد من الاستثمار الدولي في البلاد لخلق فرص العمل والنمو الاقتصادي، الذي سيكون جوهرياً في وضع العراق على طريق الازدهار البعيد الأمد». وشدد على أن «الفرص الاستثمارية المثيرة ليست فقط بالنفط بل في قطاعات أخرى مثل البنى التحتية والتصنيع والاتصالات والخدمات». وكان الهدف من المؤتمر وضع الثقة بين المستثمرين للتوجه إلى العراق، وفق أسس تشريعية وبدعم حكومي. وقال رئيس تنمية الأعمال في شركة «بي بي» النفطية اندرو ماكاوسلان: «المؤتمر له هدف واضح، وطاقة حيوية من المشتركين بأن هناك تغييراً في العراق». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «وجود الحكومة هناك له أهمية لأنه يعطي الحديث عن دعم القطاع الخاص ثقلاً، وجود رئيس الوزراء ونائبه وقولهما بأنهما حريصان على الاستثمار أمر مهم ويعطي الثقة، أنها مسألة ثقة واتخاذ قرار تحمل مخاطر الاستثمار في العراق». ورداً على سؤال حول إذا كانت «بي بي» مستعدة لتحمل هذه المخاطر، أجاب بحزم: «نعم، نحن جاهزون، لا يوجد لدينا وجود على الأرض في العراق الآن ولكن نعمل على ذلك، وقد دخلنا جولة تقديم العروض التي بدأتها وزارة النفط العراقية ونحن عازمون على العمل في العراق». وأضاف: «إنه وقت مثير حقاً»، موضحاً أن العقبة الرئيسية أمام الشركات الأجنبية هي: «التأكد من وجود البنية التحتية التشريعية لحماية الشركات». وهذا ما كان المسؤولون العراقيون ورئيس الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق سامي الاعرجي يشددون على وجوده في قانون الاستثمار لعام 2006. وتم توزيع نسخ من نص القانون للمشاركين في مؤتمر لندن أمس لتعريف المستثمرين المرتقبين بالقوانين العراقية. وأقر عدد من المشاركين في المؤتمر، الذي زاد عددهم على 250 شخصية من القطاعين العام والخاص، بوجود تحديات كبيرة في وجه الاستثمار. وقال المالكي في كلمته إن «من أكبر التحديات التي نواجهها التركة الاقتصادية الثقيلة من نظام مركزي شمولي كان القطاع العام فيه مهمشاً»، مشدداً على أن حكومته تعمل على «الانتقال المدروس من الاقتصاد المركزي إلى اقتصاد وسوق حر مما يحقق الرفاهية والازدهار لشعبنا». وفي ما يخص الوضع الأمني والتفجيرات التي شهدها العراق في الأيام السابقة، قال الدباغ: «نعترف بأن هناك تحديات أمنية ولكن الوضع الأمني بدرجة مقبولة الآن لجذب الاستثمارات، هامش الفرص مقابل المخاطر مقبول». واعتبر المدير التنفيذي لشركة «بي بلان» شيركو عابد، الذي تقوم بلاده بوضع المنظومة الالكترونية لـ«مصرف الرافدين» أن أحد أهم التحديات أمام العمل في العراق «البيروقراطية وعدم تنفيذ بعض الاتفاقيات، وعليه يجب أن توضع اللجان المختصة للتعجيل في هذا العمل». وأشار رئيس الوزراء العراقي في كلمته الرئيسية إلى الفساد في بلاده، متعهداً بمحاربته. ولفت الدباغ إلى أن «الحكومة العراقية قطعت شوطاً جيداً في مكافحة الفساد في مستوياته العالية ولكن مازال هذا الأمر يشكل تحدياً». وأضاف: «على المستثمرين أن يتحدثوا مع المسؤولين عن ابتزازهم من حلقات الفساد الكبيرة». ولفت محيار كاظم الساعدي، وهو مستشار في شركة «ادخلوا العراق» التي تشجع على الاستثمار في البلاد إلى أن «غالبية الشركات تريد أن تستثمر في العراق وتريد حلولاً سريعة، فترى المشاركة في مؤتمر مثل هذا فرصة ذهبية للتواصل مع الجهات المهمة، ولكن لا أمر يعوض عن زيارة العراق وتثبيت الأقدام فيه». وأضاف: «الأميركيون ينتهزون الفرص ويزورون العراق، على البريطانيين وغيرهم دخول السوق بطريقة واسعة وجدية». ووقع نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح اتفاقا للتعاون الاقتصادي والتقني مع وزير الأعمال البريطاني اللورد بيتر ماندلسون على هامش المؤتمر. وستتشكل لجنة من ممثلين من الوزارات المعنية من البلدين لدعم التعاون الاقتصادي والتقني بين البلدين على اثره. وشدد المسؤولون عن المؤتمر على أن هدفه لم يكن توقيع العقود، بل فتح آفاق تعاون وشراكات بين الشركات العراقية والشركات الدولية، بالإضافة إلى عرض فرص الاستثمار في البلاد.