أوباما: منافسونا اقتصاديا في المستقبل هم الصين والهند والاتحاد الأوروبي والبرازيل وكوريا

الرئيس الأميركي في حديث تنشره «الشرق الأوسط» بالتزامن مع مجلة « نيويورك تايمز»

أوباما خلال الحوار («نيويورك تايمز»)
TT

في الرابع عشر من أبريل (نيسان) الماضي، أدلى الرئيس أوباما بخطاب في جامعة جورج تاون، وسعى إلى شرح السبب وراء بدء التعامل مع العديد من القضايا الاقتصادية مبكرا في إدارته. وقال إن البلاد تحتاج إلى كسر دائرة الفقاعة والانفجار، واستشهد بالعهد الجديد في الدعوة إلى أساس اقتصادي جديد للبلاد. وأشار إلى أن هذا الأساس يعتمد على مدارس أفضل وطاقة بديلة ورعاية صحية يمكن تحملها أكثر وتنظيم وول ستريت بدرجة أكبر. وفي ظهيرة أحد الأيام (قبل أن تقدم عائلة أوباما كلبها الجديد بو، في الحديقة الجنوبية من البيت الأبيض)، جلست مع الرئيس للتحدث عن كيف يمكن لأجندته الجديدة أن تغير الحياة اليومية في هذه البلاد. وكانت هذه هي مقابلتنا الثالثة عن الوضع الاقتصادي، وكانت المقابلتان الأوليان خلال الحملة الانتخابية العام الماضي. وعلى الرغم من أن المكان كان له، بلا ريب، صبغة رسمية بدرجة أكبر، إذ كنا داخل المكتب البيضاوي، فقد كانت المقابلة حوارية كما كان الحال خلال المقابلتين السابقتين. جلسنا في الزاوية البعيدة من غرفة المكتب وتحدثنا لمدة 50 دقيقة. لم يكن أي من مستشاريه هناك. وخلال المقابلة، أخذ أوباما يتحدث بصورة متزايدة بألفاظ شخصية. وفيما يلي نص هذه المقابلة، ولكن النص حُرر نوعا ما. وفي نهاية المقابلة، عندما سألته عما إذا كان يقرأ أي شيء جيد، فقال إنه كان قد تعب من كتب الملخصات وأنه سيبدأ في المساء قراءة رواية «الأرض المنخفضة» التي كتبها جوزيف أونيل. وفي ما يلي نص المقابلة التي تنشرها «الشرق الأوسط» بالتزامن مع مجلة «نيويورك تايمز» التي تنشرها اليوم أيضا.

* بالنظر إلى ما بعد اللحظة الراهنة والسعي إلى التفكير في كيف ستبدو الحياة الأميركية على الجانب الآخر مما يطلق عليها «الكساد الكبير».. أعتقد أن من المعقول البدء من حيث بدأت المشكلة، من قطاع التمويل. المواطنون الذين يريدون أن يفهموا كيف تفكر في التعليم والوظائف وكل أنواع القضايا الأخرى يمكن، في الواقع، أن يحصلوا على فهم جيد لطريقة تفكيرك عن طريق قراءة كتاب «أمل جرئ» أو عن طريق قراءة خطاباتك السابقة، حيث قمت بالأساس بوضع المنحى التعليمي الخاص بك. ولكن، لا يوجد فصل عن التمويل في «أمل جرئ». ولذا أتساءل هل لديك الرغبة في وصف المنحى التعليمي الخاص بك فيما يتعلق بالتمويل وما تراه مستقبلا بشأن التمويل خلال اقتصاد الغد: هل يجب أن يكون أصغر؟ هل سيكون حتما أصغر؟

ـ حسنا، قبل كل شيء، أعتقد أنه يجب التفريق بين التمويل كشريان حياة لاقتصادنا والتمويل كصناعة هامة حيث تكون لديك ميزات مقارنة، صحيح؟ وعليه ففيما يتعلق بتنمية اقتصادنا فقط، فإنه يجب أن يكون لدينا الائتمان الكافي لتمويل الأنشطة التجارية، صغيرها وكبيرها، وإتاحة المرونة أمام المستهلكين ليقوموا بمشتريات على المدى البعيد مثل السيارات والمنازل. ولذا، فإن هذا لن يتغير. وسأكون قلقا إذا ما تقلص سوق الائتمان لدينا بصورة لا تسمح بتمويل النمو على المدى البعيد. ولا يعني ذلك فقط أنه يجب بالفعل أن يكون لدينا قطاع مصرفي سليم، ولكن سيكون علينا أن نفهم ما نقوم به إزاء القطاع غير المصرفي الذي كان يقدم تقريبا نصف الائتمان. وسيكون علينا تقرير ما إذا كان نتيجة لبعض الإجراءات التي يتخذها المصرف الاحتياطي الفيدرالي والتي تتخذها وزارة الخزانة أننا نرى عودة لسوق منتجات الأوراق المالية. وأنا متفاءل من أنه في النهاية سنكون قادرين على استعادة هذا الجانب من القطاع المالي، ولكن يمكن أن تكون هناك حاجة لبعض الوقت لاستعادة الثقة والأمل. وما أعتقد أنه سيتغير وما أرى أنه كان خطأ هو وضع كانت أرباح المؤسسات في القطاع المالي جزءا ضخما من معدل الربحية الإجمالية خلال العقد الماضي. وأعتقد أن ذلك سوف يتغير. كما يرتبط جانب من ذلك بآثار التنظيم التي سوف تمنع البعض من الرفع المالي الهائل (وهو اقتراض أو استخدام لأدوات مالية ينتج عنه تضخيم أثر الأرباح أو الخسائر على المستثمر)، وتحمل المخاطر بدرجة كبيرة التي أصبحت شائعة للغاية. وحاليا، بصورة ما، أعتقد أنه من المهم أن بعضا من هذه الثروة كانت، في المقام الأول، أمرا مضللا.

* إذن لن نفقدها؟

ـ سوف نفقدها من ناحية أنه نتيجة الحصول على مكافآت تبلغ ملايين الدولارات على مدى 25 عاما، فإنهم كانوا يحبون دفع 100 دولار مقابل وجبة لحم بقري ومن ناحية أن النادل كان يحصل على بقشيش يمكن أن يجعل أستاذا في الجامعة يغار منه. وكذلك، فإن بعضا من القوى المحركة للقطاع المالي سوف تعاني من آثار متعاقبة، ولا سيما في مكان مثل مانهاتن. ولكن، في الواقع، أعتقد أنه كان هناك دوما شعور غير مستدام بشأن ما حدث في وول ستريت خلال 10 ـ 15 عاما الماضية وهو غير مختلف عن الطبيعة غير المستدامة التي كانت تحدث خلال فورة الإنترنت، حيث كان المواطنون في وادي السليكون يمكنهم كسب كميات كبيرة من الأموال على الرغم من أن ما يشتغلون به لم يكن به أي علامات على أنه سوف يحقق أرباحا. ومع ذلك، لا يعني هذا أن وادي السليكون لم يعد جزءا هاما وحيويا وضخما من اقتصادنا وستبقى وول ستريت جزءا هاما وكبيرا من اقتصادنا كما كانت خلال السبعينات والثمانينات، ولكن لن تكون نصف اقتصادنا ويعني ذلك أن المزيد من المهارات والمزيد من الموارد سوف تذهب إلى قطاعات أخرى من الاقتصاد. وفي الواقع أحس أن هذا أمر صحي، فلا نريد خريجي الكليات مبرمجين على أن يكونوا متداولي مشتقات. نريد بعضا منهم في مجال الهندسة وبعضا منهم في مجال تصميم الكومبيوتر. وعليه، أعتقد ما سوف تراه هو بعض التغيير، ولكن لا أعتقد أننا سوف نفقد الميزات الضخمة التي تأتي من الشفافية والانفتاح والاعتماد على أسواقنا. وأعتقد أن نظاما رقابيا أكثر قوة سوف يساعد على استعادة الثقة وستبقى ترى الكثير من رأس المال العالمي يرغب في أن يستقر في الولايات المتحدة.

* هل هناك وسائل ملموسة جعلت بها وول ستريت من حياة الشخص العادي أفضل بنفس الطريقة التي قام بها وادي السليكون؟

ـ حسنا، أعتقد أن جزءا من عملية صبغ التمويل بالصبغة الديمقراطية سيكون مفيدا على أرض الواقع إذا تم تنظيمه بطريقة سليمة. ولذا، فإن حقيقة أن أعددا كبيرة من المواطنين يمكنهم المشاركة في سوق الأسهم بطرق لم تكن محتملة في السابق، ومقابل تكاليف أقل كثيرا مما كانوا يعتادون عليه ليكونوا قادرين على المشاركة، أعتقد أنه أمر هام. وفي الوقت الحالي، فإن حقيقة أن لدينا هذا التنظيم الضعيف، في بعض من الأسواق وخاصة فيما يتعلق بالرهون العقارية التي يجري تداولها، تعني أن الألم اكتسب صبغة ديمقراطية أيضا. وهذه مشكلة، ولكن أعتقد أنه في المجمل، هناك وسائل عن طريقها يكون المواطنون قادرين على المشاركة في أسواق الأسهم وفي أسواقنا المالية التي يحتمل أنها جيدة. مرة أخرى، ما يتعين أن يكون لديك، على الرغم من ذلك، هو تحديث النظم الرقابية بصورة مشابهة لما قمنا به في الثلاثينات من القرن الماضي، عندما كانت هناك قواعد في حيز التطبيق أعطت للمستثمرين المزيد من التطمينات وكانوا يعرفون ما يشترونه.

* كان هناك نقاش كبير بين مستشاري فرانلكين روزفلت حول ما إذا كان يجب فصل الشركات، وليس مجرد البنوك، كان يجب فصل الشركات لتنظيمها بصورة تتسم بالفاعلية وكان هناك نقاش حول ما إذا كان ممكنا أن تكون هناك شركات قوية ضخمة كبرى، ليس مجرد ممكن ولكن أفضل، وبعد ذلك تكون هناك كيانات تنظيمية قوية. ويبدو بالنسبة لي أن هناك صورة مشابهة من هذا النقاش في الوقت الحالي. في رأيك ما هو الصحيح، أن تكون هناك كيانات تنظيمية قوية، تسعى بالفعل إلى التنظيم، تنظم هذه «الأسواق الكبرى» أم أننا نحتاج إلى نموذج حديث ومختلف كثيرا من غلاس ستيغال نقوم من خلاله بتقليلهم بصورة أساسية؟

ـ كما تعلم، نظرت في الأدلة حتى الآن التي تظهر أن الدول الأخرى التي لم تر بعضا من المشكلات في أسواقها المالية التي لدينا لا تفرق بين البنوك الاستثمارية والبنوك التجارية، على سبيل المثال. لديهم نموذج «السوق الكبيرة» ولديهم تنظيم قوي له.

* مثل كندا؟

ـ كندا مثال جيد. وقد قامت بالفعل بمهمة جيدة في الإدارة خلال فترة كانت تحفها مخاطر في الأسواق المالية. وعليه، فإن ذلك لا يعني أن استغلال شركة تأمين مثل «أيه أي جي» لصندوق تحوط، على سبيل المثال، أمر مثالي. حتى مع أفضل المنظمين، إذا بدأت يكون لديك هذا القدر الكبير من التمييز بين الوظائف والمنتجات داخل شركة واحد أو مؤسسة واحدة أو كيان واحد، فمن الممكن أن يتم نسيان بعض الأشياء. والناس لا يعلمون ما يدخلون فيه. أؤكد لك أن حامل عقد التأمين العادي لدى «أيه أي جي» لا فكرة لديه إن هذا كان يحدث. ومن هذا المنطلق أعتقد أنه يمكن القول إنه ربما في مرحلة ما يفلت زمام الأمور وتكون هناك وظائف مختلفة كثيرا، ولذا لا نريد من شركة واحدة أن تقوم بكل شيء. ولكن عندما يتعلق الأمر بشيء مثل التعامل مع البنوك الاستثمارية في مقابل التعامل مع البنوك التجارية، فإن الخبرة في دولة مثل كندا يمكن أن تظهر أن الرقابة الجيدة القوية التي تركز بدرجة أقل على الشكل القانوني للمؤسسة وبدرجة أكبر على الوظائف التي يقومون بها هو الاتجاه الأفضل.

* أدى الكساد الكبير إلى زيادة كبيرة في التخرج من المدارس العليا، وبعد أن كان الحصول على دبلوم أو اثنين من مدرسة عليا، خلال هذا العقد، شيء خاص بالنخبة أصبح ذلك عاديا وأصبح بمثابة تذكرة دخول الطبقة المتوسطة. وأتساءل في رأيك ما هي تذكرة الدخول للطبقة المتوسطة في الوقت الحالي. هل تأمل في أن يسعى الجميع للدراسة في كلية من أربع سنوات؟ أم هل يكفي الحصول على درجة مهنية أو الدراسة في كلية لمدة عامين؟ أم أن الذهاب إلى الجامعة سواء تخرجت أم لا كاف لكي تكون من الطبقة الوسطى؟

ـ حددنا هدفا في خطابي أمام الجلسة المشتركة يقول إن كل شخص يجب أن يحصل على الأقل على تدريب لمدة عام بعد المدرسة العليا. وأعتقد أنه ستكون ثمة قسوة مبالغ فيها في القول بأنه يجب على الجميع الحصول على درجة تعليمية في كلية من أربع سنوات. وأعتقد أن كل شخص يحتاج إلى تدريب كاف بعد المدرسة العليا كي يكون كفئا في مجالات تحتاج إلى خبرة فنية لأنه من الصعب تخيل الحصول على وظيفة تعطي المرء راتبا يساعده على العيش دون ذلك، أو أنه من الصعب جدا، على الأقل، تصور الحصول على وظيفة ثابتة دون ذلك. ونحتاج إلى تحسين المدارس العليا والكليات المجتمعية كي تكون قادرة على تقديم أساس مهني صحيح ليكون المرء قادرا على القيام بالمهام المعقدة في اقتصادات القرن الحادي والعشرين، وأعتقد أن هذا مفيد للأفراد كما أن سيكون هاما للاقتصاد بصورة مجملة. وأريد التأكيد على أن جزءا من التحدي هو التأكد من أن المواطنين يحصلون في المدارس العليا على ما يحتاجونه. وكما تعلم، فإني أستخدم جدتي كمثال على الكثير من الأشياء، وأعتقد أن ذلك فيه دلالة. لم تحصل جدتي يوما على درجة عملية من إحدى الكليات. وذهبت إلى مدرسة عليا. وعلى عكس جدي، فهي لم تستفد من القانون المعرفي باسم «جي.أي»، ولكن كانت تعمل على خط تجميع قنابل. وذهبت للعمل كسكرتيرة. ولكنها كانت قادرة على أن تكون نائبة رئيس في بنك، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى تعليمها في المدرسة العليا الذي كان يتسم بالدقة. وعليه فقد كانت قادرة على التواصل وتحليل المعلومات بطريقة لا يستطيعها عدد كبير من طلاب الكليات في الكثير من المناطق داخل البلاد. ويمكنها الكتابة.

* تعني اليوم؟

ـ اليوم، يمكنها كتابة خطاب أفضل من الكثير، لن أقول «الكثير» ولكن أفضل من عدد من طلابي السابقين في كلية القانون بجامعة شيكاغو. ولذا، فإن جزءا من قيمة الحصول على درجة من مدرسة عليا أو على درجة جامعية هو التأهيل، أليس كذلك؟ ويساعد هذا أصحاب العمل بطريقة سريعة على التعرف على من لديه المهارات ومن لا توجد مهارات لديه. ولكن، جزء من المشكلة التي لدينا في الوقت الحالي هو ما يعني أن تتخرج من مدرسة عليا وما يعني أن يكون المرء حاصلا على تخرج في كلية من عامين دراسيين أو في كلية من أربع سنوات دراسية، وهذا ليس دائما واضحا كما كان قبل عدة أعوام. ويعني ذلك أن لدينا، في أجندتنا لإصلاح التعليم، لدينا تركيز على زيادة معدلات التخرج وأن نجعل ما يتم تدريسه في المدارس العليا والكليات أكثر فعالية وأكثر قوة.

* كنت في فيرجينيا الغربية أخيرا أتحدث إلى بعض طلاب الكليات، وهؤلاء عبارة عن أطفال في الكلية، يسعون إلى التخرج، ومع ذلك يقولون لي إنهم غير متأكدين هل التعليم الجامعي أمر له قيمته. إنهم سوف يتخرجون في فترة ركود. ويخشون من أن وظائفهم سوف تذهب إلى الصين. تسمع هذه الأمور طوال الوقت. ماذا يمكن أن تقول، هناك أعداد كبيرة من المواطنين الذين يفكرون في ذلك كثيرا ولديهم هذه المخاوف، ماذا تقول لهم؟

ـ حسنا، انظر، أفضل أن أبدأ بأن أقول انظر إلى الإحصاءات. معدلات البطالة بين خريجي المدارس العليا أكثر بمعدل ثلاثة أمثال، على الأقل، مقارنة بمعدلات البطالة بين خريجي الجامعة. وعليه، صحيح أنه في هذا الركود سوف ترى وظائف العمال تتأثر. وصحيح أنه حتى قبل الركود كانت هناك عمليات تعهيد لوظائف العمال. ولكن إذا كانت هناك مفاضلة، فإن احتمالية الحصول على وظيفة تحصل منها على أجر جيد تزيد بدرجة كبيرة حال حصول المرء على تعليم جامعي، ما لم تكن أنت لوبرون جيمس. ولذا أظن أن الأدلة (3) تبرهن على نفسها. وفي الوقت الحالي، الصحيح هو أن التعليم بعد التخرج الذي لا يعطي لك المهارات التي يمكن قياسها بصورة ما والذي يمنحك بعض التميز يعني أنه سيكون لديك فترة أكثر صعوبة نوعا ما. وسأقول ذلك لأي شخص، إن الشباب سوف يستفيدون بصورة عامة من تعليم جيد وقوي يركز على الآداب. وهذا ما حصلت عليه. ومع ذلك، إذا كنت ستذهب إلى المدرسة لمدة عامين، فعليك التأكد من أنك مشترك في برنامج حتى يكون لديك في نهاية الرحلة وظيفة أو مهنة أو مجال يتنامى، وهذا بالتأكيد له معنى. ولكن، مرة أخرى، أعتقد أن التحدي الأكبر الذي لدينا في التعليم هو التأكد أنك تتعلم من مرحلة الحضانة أو ما بعد الحضانة وصولا العام الـ14 أو 15 أو 16 أو 20 من المدرسة المهارات التي تجعلك قادرا على المنافسة ومنتجا في الاقتصاد التقني الحديث. وهذا هو السبب الذي يجعلني لا أريد فقط رؤية المزيد من خريجي الجامعة ولكن أريد تحديدا المزيد من خريجي كليات العلوم والرياضيات، وأريد تحديدا المزيد من المواطنين في مجال الهندسة. وأعتقد أن جزءا من اقتصاد ما بعد الفقاعة الذي أتحدث عنه هو الجزء المرتبط باستعادة التوازن بين صناعة الأشياء وتقديم الخدمات، سواء كان تسويقا أو تقديم الخدمات للمواطنين بطريقة ما. هذه هي الوظائف الجيدة ولن نعود إلى اقتصاد يكون فيه للتصنيع نسبة كبيرة كما كان في الأربعينات بسبب التقدم التقني والأتمتة.

* وهناك مزايا وراء وظائف الخدمات، أليس كذلك؟ تضاؤل مخاطرة التعرض لإصابات مثلا؟ ـ التعرض لإصابات أقل وضغوط أقل. وقد قلت دوما إنه إذا حصل رفيق في وول مارت على 25 دولارا في الساعة مثل صانع السيارات، إذن ليس هناك ما يدعو للشكوى. رغم أنني لا أعتقد أن هناك ثقافة ترتبط بجعل الأشياء داخل مصنع ما تروق للأفراد، وهو أمر أتفهمه. في جميع الأوقات التي كنت أسير فيها داخل أحد المصانع أثناء الحملة الانتخابية، كنت أرى هذه المحركات الضخمة، وهي أمور كما تعلم ليست أنيقة المظهر ـ على نحو لا تراه عندما تسير بمحل لبيع التجزئة. لكن النقطة الأوسع تكمن في أنه إذا ما نظرت إلى مصادر المنافسة طويلة الأمد في مواجهتنا في إطار الاقتصاد العالمي ـ الصين والهند والاتحاد الأوروبي والبرازيل وكوريا ـ وهي دول تنتج أفضل قوة عاملة من حيث التعليم، وتشدد أنظمة التعليم بها على العلوم والرياضيات، ولدى أبنائها القدرة على ترجمة هذه الخلفيات التقنية أو الخلفيات العلمية إلى تطبيقات تكنولوجية، ولذلك، ستتمتع هذه الدول بميزة كبرى على المستوى الاقتصادي. وأعتقد أن علينا التمتع بقدر كاف من هذا المستوى كي نتمكن من الحفاظ على قوتنا الاقتصادية.

* من الواضح أن أعداد الرجال في هذه المصانع يفوق النساء بكثير. ويذكرني الأمر إلى حد ما بعهد أجدادك، رغم معرفتي بأن جدك لم يكن عاملا بمصنع. وسبق أن تحدثت عن أن جدتك كانت تكسب مالا أكثر من جدك. وبصورة ما كانت عائلتك في طليعة الأسر المبشرة بتوجه جديد. ما يزال هناك تمييز ضد المرأة، ولا تزال هناك فجوة في الأجور، لكن أجور الرجال تجمدت، بينما ارتفعت أجور النساء. أعتقد أن هناك الكثير من الرجال العاملين اليوم في جي إم وكرايسلر والشركات الأخرى يشعرون بذات الاكتئاب الذي انتاب جدك. ما رؤيتك لما سيكون عليه مستقبل الرجال؟ ـ أعتقد أن هذا سؤال مثير، لأنني سبق أن قلت كما تعلم أنه عندما تذهب إلى المصانع القائمة بمختلف أرجاء منطقة الغرب الأوسط الأميركي وتتحدث إلى الرجال العاملين هناك ـ تلحظ أنهم يتمتعون بمهارات استثنائية وشعور فريد من نوعه بالفخر حيال ما يصنعونه. وأعتقد أنه بالنسبة لهم، تكافئ خسارة هذه الصناعة فقدانهم لأسلوب كامل للحياة وليس مجرد مصدر للدخل. أعتقد أن الاقتصاد الصحي ينبغي أن يقوم على مزيج واسع النطاق من الوظائف، وينبغي أن يكون هناك مكان لمن يتمتع بالذكاء الميكانيكي الرائع والقادر على الاضطلاع بأعمال تتطلب مهارة بالغة بيديه، سواء بمجال التشييد أو التصنيع. ولا أعتقد أن هذه الوظائف يجب أن تختفي. لكن أعتقد أنها ستشكل نسبة مئوية أقل من مجمل الاقتصاد. ولذلك، فإن ما سنعمل على تحقيقه، مع الأجيال الأصغر، هو إيجاد أماكن جديدة لمثل هذا النمط من الأعمال. لكن ما تزال هناك إمكانات قائمة على هذا الصعيد. خلال حملتي الانتخابية، تحدثت عن تلك الشركة التي زرتها، مكنستري، في سياتل، حيث وجدت مجموعة من عمال اللحام والحرفيين الذين يعملون على تشييد مبان حاليا. ربما لا يقومون بذات نشاطات التصنيع التي كان يضطلع بها آباؤهم، لكن مع تمتعهم بمهارات مشابهة يقومون حاليا ببناء مستشفيات ومدارس ومبان مكتبية تتميز بترشيد أعلى بكثير في استهلاك الطاقة، الأمر الذي يعود بفائدة كبرى على الاقتصاد ككل. كان من بين الأمور التي حاولت تمريرها بقوة خلال صياغة خطة الإنقاذ، موضوع الموصلات الذكية كمشروع كبير يمكن أن يكون له بعض التأثيرات القوية على استخدام الطاقة. وكانت أكبر العقبات التي واجهناها في بناء الموصلات الذكية، إضافة إلى المشكلات القائمة، التي هي نوع من المعارك القضائية السياسية المألوفة، هي أننا لا نملك العدد الكافي من الكهربائيين المدربين لتركيب هذه الخطوط. والآن لا يمكنك القول بأنه لا يوجد مجموعة من الرجال والنساء ليسوا مهتمين بهذه الأعمال، لكننا إلى حد ما لم نقم بالموافقة بين التدريب والحاجة هناك. وتلك واحدة من الأمور التي يمكن للحكومة أن تسهم فيها لكي توجه وتدفع عملية التعليم في الطريق الذي يفي باحتياجاتنا المستقبلية وليس احتياجات الماضي فقط.

* هل ستشجع أيضا الرجال على الدخول إلى مجالات العمل التي لا يعملون فيها بصورة تقليدية؟ أعني أن التمريض مجال فيه دخل جيد وهناك نقص في أعداد أخصائيي التمريض.

ـ أنا أعني أن التمريض والتدريس كلها مجالات نحن بحاجة إلى دخول المزيد من الرجال إليها. وكنت أقول دائما إننا إذا ما استطعنا إدخال عدد أكبر من الرجال إلى مجال التدريس، خاصة في الدوائر الداخلية حيث يوجد الكثير من الشباب ممن لا آباء لهم فإن ذلك يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة.

وكما يعلم كلانا، فإن الكثير ممن يعملون في هاتين المهنتين يتلقون رواتب منخفضة لأن النساء يسيطرن عليهما بصورة كبيرة. ولذا فإن جزءا مما نقوم به هو إدراك أن النساء مسؤولات عن أسر أيضا، وإن لم يكن أكثر مسؤولية من الرجال اليوم. وبالتالي فإن إزالة الفجوة في الرواتب بين الرجال والنساء، والفجوة في الرواتب بين المجالات المختلفة تصبح ذات أهمية خاصة، وقد اتخذنا خطوات بالفعل، فعلى سبيل المثال أقررنا قانونا ليليا ليدبيتر للمحاولة في التحرك في هذا الاتجاه.

وأعتقد أنك إذا بدأت في النظر إلى أن التمريض والتدريس أعمال تدر دخلا أفضل بصورة أفضل فسوف ترى بعض الرجال في هذه المجالات، على الرغم من أنه لا تزال هناك بعض المعوقات. فإذا بدأت في استقطاب بعض الرجال إلى تلك المهن فإن الثوابت بأن هذا هو مجال عمل النساء وكل الثوابت بشأن تسيد جنس معين لوظيفة ما التي تنشأ من الاعتقاد بأنهم ليسوا مسؤولين بصورة أساسية عن إعالة الأسر، فإن تلك الأقاويل ستبدأ في التلاشي.

* هل قامت ميشيل بحمل أعباء الأسرة أكثر منك؟

ـ نعم بالطبع. ربما كان ذلك لوقت قصير، لأنني كنت أعمل في ثلاث وظائف أغلب الوقت الذي كنت فيه سيناتور في مجلس الشيوخ. وكنت لا أزال أمارس القانون والتدريس. لذا ما إن تبدأ في ترتيب الأمور إلى جانب بعضها بعضا حتى تجد أنني كنت أقوم بأكثر قليلا مما كانت تقوم به. لكن ما إن بدأت في القيام بالحملة الانتخابية للترشح لمجلس الشيوخ وكان على التخلي عن بعض هذه الوظائف بدأت هي في تولي رعاية الأسرة لبضعة أعوام.

* أود أن أتحدث عن السياسة بصورة موسعة. عندما تحدثت معك خلال الحملة الانتخابية، أوضحت أنك فكرت كثيرا بشأن المناقشات الاقتصادية مع إدارة كلينتون. وقلت إنك ترغب في الحصول على نموذج روبرت روبن وروبرت ريتش والحصول على مناقشات قوية، ومن الواضح أنك توليفة من الديمقراطيين داخل فريق السياسة الاقتصادية المعاون لك.

ـ لكني لا أملك بول كروغمان أو جوزيف ستيغلتز.

* إن ذلك ليس بشأنهم، لكنهم أوضحوا أنهم لا يعملون ضمن إدارتك. أليس كذلك؟ ولكن الدوائر الداخلية في إدارتك يسيطر عليها أفراد تربوا على يد روبين.

ـ أنت تعلم أن لارس سومرز وتيم غيتنر عملا في وزارة الخزانة مع روبين.

* بشأن بيتر أورستاغ، أعتقد... ـ أعتقد أن الأمر عادل بشأن أورستاغ، وتعلم أن كريستي رومر لم تعمل معه. وجارد برنستاين لا يعمل معه. وجارد برنستاين يجلس هنا كل صباح كواحد من الفريق الاقتصادي الخاص بي، وكذلك فإن أوستان جوليزبي لا يعمل معه. إن ما أعنيه هو في الحقيقة أنني كنت أسعى دائما إلى البحث عن براغماتيين جادين عندما يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية. ربما يكون صحيحا، أنه بالنظر إلى أن الأزمة المالية العالمية قد تزايدت، حقيقة أن تيم ولاري كانا معتادين على الأزمات المالية إضافة لأنني أعتقد أننا بحاجة إلى بعض الأشخاص القادرين ذوى الطاقات الكبيرة وسيشعرون براحة كبيرة في التعامل مع القضايا الاقتصادية الكبيرة والصعبة. بصراحة، إن تلك القائمة صغيرة إلى حد ما، لأن آخر رئيس ديمقراطي كان بيل كلينتون، وقد حكم لمدة ثمانية أعوام ونظرا للوفرة الكبيرة في عهده فقد كان بوب روبين صانع السياسة الأول بالنسبة له. لذا لن يكون من المدهش أن يخرج أي فرد لديه الخبرة في تلك الجبهات من مؤسسة تأثرت بذلك.

وعلى الرغم من أنني قصدت أنني أكن احتراما كبيرا لشخص مثل ستيغلتز. فإنني أقرأ ما يكتبه طوال الوقت، وأنا أتطلع حقيقة إلى ضم أولئك الأفراد في المحادثات الجارية. والشخص الذي يتمتع بتأثير كبير على تفكيري هو بول فولكر، الذي يعتبر بارعا، فقد تسيد وزارة الخزانة في عهد كارتر وريغان، ولا يزال متوقد الذهن وقادرا على تقديم النصائح الكبيرة وتقديم قوة مقابلة.

النقطة الأخيرة التي أود أن أضيفها ـ والتي أعتقد أنني قد ذكرتها لك ـ وما أفكر فيه الآن هو فترة ما بعد الانتخابات. فعندما بدأت أول مرة في جمع مائدة مستديرة من المستشارين الاقتصاديين كان روبرت ريتش جزءا من ذلك، وكان يجلس على الطاولة مقابل روب روبين والآخرين، وقد لاحظت أن الاختلافات التي تعود إلى عهد كلينتون قد تقلصت إلى حد بعيد.

* هل اتفقوا أكثر مما اعتادوا من قبل؟ ـ ليس تماما، لكن ما أعنيه هو حقيقة أن لاري سومرز، مرتاح الآن في تقديم الآراء في حين أن بوب ريتش كان هو المعتاد على القيام بذلك عندما كان في البيت الأبيض في عهد إدارة كلينتون. وربما لا يحب لاري أن أتحدث بشأن ذلك.

* هل لاري سومرز هو بوب ريتش الجديد؟

ـ لقد بات سهل الإقناع، لكنني أعتقد أن أحد الأمور التي نتفق عليها جميعا هو أن المعيار بالنسبة للسياسة الاقتصادية هو: هل ستسمح تلك السياسة للمواطنين الأميركيين بالحصول على وظائف جيدة وترتفع دخولهم، لكننا لا يمكننا النظر إلى الأمور بصورة إجمالية. إننا نرغب في إنعاش الاقتصاد، لكننا نرغب في التأكد من أن الرفاهية منتشرة في كل المناطق والمهن والأجناس والأعراق، وأن على السياسة الاقتصادية أن تركز على إنعاش الاقتصاد، لكن السياسة يجب أن تتأكد من أن كل فرد لديه الفرصة في هذا النظام.

كما أعتقد أيضا بأن هناك اختلافا طفيفا جدا وأن هناك دروسا يجب تعلمها من الأزمة بشأن أهمية التشريع في الأسواق المالية. وأعتقد أن هذا الانطباع بأن هناك مقاومة لذلك ـ للدروس داخل الفريق الاقتصادي ـ ليست وليدة المناقشات التي أجريها كل يوم.

ولو أن هناك ملاحظة وحيدة فهي أنني أعتقد أنه إذا ما كان هناك شبه ببوب روبين ـ أراه في لاري وأراه في تيم ـ فهو تقييم جيد للتعقيد.

* ماذا بشأن الاستعداد للاعتراف بعدم المعرفة في كثير من القضايا؟

ـ نعم بكل تأكيد. ولذا إن ما يعنيه ذلك هو أننا حينما نضع السياسة الاقتصادية فأعتقد أن هناك تواضعا معينا بشأن نتائج النشاطات التي نقوم بها سواء التي كانت عن قصد أو التي لم تكن عن قصد والتي يمكن أن تجعل المراقب الخارجي غير صبور. وما أعنيه هو أنك رأيت غيثنر يتعرض لانتقادات لاذعة لشهور، لكني أعتقد أنه حريص جدا في القول بأننا بحاجة إلى إصلاح الأمور وإذا ما تصرفنا بصورة مفاجئة فمن الممكن أن نقوم بشيء يؤدي إلى مزيد من الضرر. وتلك الصفات أعتقد أنها كانت مفيدة.

* أشرت إلى أن الرعاية الصحية هي الأولوية التشريعية رقم 1. ويبدو لي أن هذا تعميم بسيط، لكي تقول إن النظام الحي الذي يسير الآن هو أن الأفراد يذهبون إلى الطبيب والطبيب يخبرهم بنوع العلاج الذي يحتاجونه، ويحصلون على العلاج بغض النظر عن التكاليف، أو بصراحة بغض النظر عما إذا كان العلاج ناجعا أم لا وأنا أتساءل عما إذا كان بإمكانك الحديث إلى الأفراد بأن الذهاب إلى الطبيب سيكون مختلفا في المستقبل، وكيف أنهم سيشهدون رعاية صحية مختلفة على الجانب الآخر من إصلاح الرعاية الصحية.

ـ بادئ ذي بدء. أعتقد أن المستهلكين أصبحوا أكثر نشاطا في الحصول على العلاج الخاص بهم بصورة مفيدة جدا. وأعتقد أننا يجب أن نستمر في تشجيع ذلك إلى الحد الذي يمكننا من خلاله أن نوفر للمستهلكين المزيد من المعلومات عن حالتهم الصحية، وأعتقد أن ذلك يمكن أن يكون مفيدا.

ولقد قلت دائما، إنه بالرغم من أن علينا ألا نغالي في الدرجة التي سيقوم فيها المستهلكون وليس الأطباء بتوجيه العلاج لأنني تحدثت فقط من واقع خبرتي الخاصة. وأنا أعلم جيدا أن الأمر عندما يتعلق بالرعاية الصحية، فأنا أعلم كيفية سؤال أسئلة جيدة لطبيبي. لكن في النهاية هو الشخص الذي يحمل درجة في الطب. لذا إذا قال لي إنك تعاني من كذا وكذا ولزمك أن تحصل على علاجات كذا وكذا فإنني لن أجادل معه أو أسعى لكي أحصل على رأي أفضل منه.

ولذا فمن هذا المنظور، سيكون هناك عدم تماثل في المعلومات بين المريض والطبيب. وأعتقد أن على الحكومة أن تكون وسيطا نزيها في تقييم الخيارات العلاجية. وهذا بالطبع أمر صائب عندما يتطرق الأمر إلى الرعاية الصحية والمساعدة الصحية حيث يقوم دافعو الضرائب بتحمل النفقات ولدينا التزام بكثير من الأمور لضبط هذه النفقات.

* نحن نتحمل الآن الكثير من النفقات للكثير من الأمور التي لا تجعل الأفراد أصحاء.

ـ تلك الأمور لا تجعل الأفراد أصحاء، لذا فعندما تحدثت أنا وبيتر أورستاغ بشأن أهمية استغلال الدراسات الفاعلة المقارنة كوسيلة لكبح جماح النفقات، لم يكن ذلك محاولة لتقويض العلاقة بين الطبيب والمريض، لقد كانت محاولة للقول للمريض أنت تعلم أننا نظرنا إلى بعض الدراسات الموضوعية، والأفراد الذين يعلمون بشأن تلك الأمور استنتجوا أن الحبة الزرقاء التي تتكلف نصف ما تتكلفه الحبة الحمراء ستكون فاعلة، وأنك سترغب في تناول الحبة الزرقاء وإذا ما أراد أحد إعطاءك الحبة الزرقاء فإن عليك على الأقل أن تسأل بعض الأسئلة الهامة.

* ألن يكون ما قلته عسيرا بالنظر إلى الثقة التي وضعها الناس بك؟ ألن يقول الناس، انتظروا برهة طبيبي يقول لي خذ الحبة الحمراء والحكومة توفر المال عبر قولها لي تناول الحبة الزرقاء؟

ـ دعني أشرح لك الأمر بهذه الصورة: إنني أعتقد أن غالبية الأطباء يريدون الخير لمرضاهم، وإذا ما توافرت لديهم معلومات جيدة فأعتقد أنهم سيتصرفون بناء على تلك المعلومات.

هناك الآن بعض القصور في النظام، في كل شيء بداية من تاجر الأدوية ومتعاطي الأدوية إلى كيفية إعادة التمويل. وتسيطر الدولة على بعض تلك الأمور، بينما البعض الآخر قائم داخل النظام الصحي، لكن الأطباء الذين أعرفهم ـ الذين يعالجونني وأصدقائي ـ أعتقد أنهم يقومون بعملهم بمنتهى الجدية ويفكرون في الأفضل لصالح المريض. وهم يعملون في إطار بنية حافز محددة، كأي شخص آخر، وعادات خاصة كأي شخص آخر.

ولذا إذا ما اتضح أن الأطباء في فلوريدا ينفقون 25% زيادة على علاج مرضاهم عن أطباء مينيسوتا وأن الأطباء في مينيسوتا يحصلون على نتائج مكافئة ـ لذا سنتوجه إلى فلوريدا ونقول لهم هكذا يفعل الأطباء في مينيسوتا وهم يحصلون على نتائج جيدة، وما هي الأسباب التي تجعلكم تقومون بما تقومون به؟ وأعتقد أن المحادثة يمكن أن تؤتي بنتائج جيدة وتوفر قدرا كبيرا من الأموال.

أعتقد أن المسألة الأصعب بشأن الرعاية الصحية هي ما الذي يجب القيام به بشأن أمور مثل الرعاية الصحية حتى انتهاء العمر.

* نعم، فذلك هو مبلغ 20.000 دولار مقابل الأسبوع الإضافي من الحياة. ـ تماما، وقد شرحت ذلك من قبل. أعني أنني قد تحدثت عن ذلك من قبل، وربما لا يكون ذلك بصورة علنية، ولكن عندما كانت والدتي متعبة تماما أثناء الحملة الانتخابية، حيث كانت تعاني من السرطان، كان من المقرر أن يكون ذلك نهائيا. وبعد نحو أسبوعين أو ثلاثة بعد تشخيص مرضها، سقطت وانكسر حوضها. وقد تم التوصل إلى أنها ربما كانت تعاني من سكتة خفيفة، فاقم منها الوقوع. وعندما كانت في المستشفى، قال لي الطبيب إنه ربما يكون أمامها ثلاثة أو ستة أو تسعة أشهر لكي تظل على قيد الحياة. وبسبب ضعف القلب كانت هناك خطورة من إجراء عملية الحوض، لأن القلب لا يتحمل. ومن ناحية أخرى، إذا ظل وضع الحوض على ما هو عليه، فإن في ذلك خطورة على حياتها. لكنها اختارت إجراء العملية وكانت على ما يرام لما يقرب من أسبوعين بعد إجراء العملية، ولكن تدهورت حالتها فجأة. وأنا لا أدري كم كانت تكلفة العملية. وقد كنت على استعداد لدفع تكاليفها لأنها جدتي. وسواء كان المجتمع يؤيد مثل هذه القرارات من أجل حياة جدتي أو غيرها فإن إجراء مثل هذه العمليات في مثل هذه الحالات ينطوي على مخاطرة كبرى. وإذا قال أحدهم لي إنه كان بوسعها عدم إجراء العملية والإبقاء على الحوض في حالته المزرية، فربما يكون ذلك رأيا سخيفا.

* ربما يكون ذلك صعبا على من لا يملكون نقود إجراء العملية. ـ هذا ما أفكر فيه، حيث تكون هناك مشكلة أخلاقية. ولكن ذلك مكلف للغاية، أليس كذلك؟

أعني أن أصحاب الأمراض المزمنة وأولئك الذين توشك حياتهم على الانتهاء، يكلفون نحو 80 في المائة من فاتورة العلاج الإجمالية هنا.

* كيف يمكننا معالجة هذا الأمر؟ ـ حسنا، أعتقد أنه يجب أن يكون هناك حوار بين الأطباء والعلماء والأخلاقيين. ويجب أن يكون هناك حوار ديمقراطي صعب للغاية. فمن الصعب تخيل اتخاذ مثل هذه القرارات من خلال القنوات السياسية العادية. وهذا هو السبب في أنه يجب أن تكون هناك جماعة مستقلة يمكنها التوجيه. وأعتقد أن ذلك من شأنه يوفر لنا بعض الخطوط الإرشادية. وأعتقد أن ذلك هو ما سوف يظهر بعد المناقشات التي تدور حول الرعاية الصحية.

* هل تعتقد أن ذلك الانكماش الاقتصادي حدث كبير بما فيه الكفاية لجعل بلادنا ترغب في إجراء بعض الاختيارات الصعبة فيما يتعلق بالرعاية الصحية وفرض الضرائب ـ التي لن تغطي تكلفة الحكومة ـ والطاقة؟

ـ حسنا، سوف يعتمد جزء من ذلك على القيادة. ولذا، فإن علي أن أفكر جيدا في الأمر. وهذا هو ما أحاول القيام به منذ توليت السلطة، وعلينا الآن القيام بخيارات صعبة وكبيرة. وقد قال المنتقدون إننا نفعل الكثير ولا يمكننا فعل كل ذلك في الوقت نفسه، ولا يمكن للكونغرس فعل كل شيء. لكنني أعارض ذلك. فليس هناك شيء موروث في عمليتنا السياسية يجب أن يمنعنا من اتخاذ هذه القرارات الصعبة الآن، خلافا لما سبق قبل 10 أو 20 عاما. صحيح أن الوضع الاقتصادي صعب للغاية الآن، لكننا لم نمر بفترة تمتد إلى 42 شهرا من البطالة التي تصل إلى 20 أو 30 في المائة. ولذا، فإن درجة اليأس والصدمة من النظام ربما لا تكون كبيرة. ويعني ذلك أنه سوف تكون هناك مقاومة أكبر لأي من هذه الخطوات: إصلاح النظام المالي أو إصلاح نظام الرعاية الصحية أو فعل شيء حيال الطاقة. وفيما يتعلق بأي من هذه الأمور، فإن الأشياء ليست بالسوء الشديد من وجهة نظر الكثير من الأميركيين، لكننا نقول إن علينا أن نقوم بتجربة شيء جديد. وجزء من عملي يتمثل في جسر الهوة بين الوضع الراهن وما يجب علينا فعله من أجل مستقبلنا.

* هل تشعر بالقلق من أن الدورة الاقتصادية سوف تجعل الأمر أكثر صعوبة؟ أعني أن روزفلت تولى الرئاسة بعد أربع سنوات من انهيار البورصة. وأنت توليت السلطة بعد أربعة أشهر من انهيار ليمان براذرز. وربما يتساءل الناس لماذا لم تتحسن الأمور؟

ـ إننا نفكر في ذلك. وقد كنت أعلم قبل الانتخابات أنها ستكون رحلة صعبة وأن الاقتصاد قد مر بصدمة كبيرة وأنه لن يعود إلى طبيعته بهذه الطريقة. فمن بعض الجوانب، نجد الاقتصاد يتحرر على الرغم من أن المشكلة الاقتصادية كبيرة وصعبة لدرجة أنني لا أستطيع التغاضي عنها. وهي ليست شيئا أستطيع أن أقول حياله: انظر، إنني لو ضبطت الوقت تماما، فإن الاقتصاد سوف يتعافى وسوف تنخفض البطالة قبل الانتخابات الثانية. فهذه الأمور أكبر من ذلك. ولذا، فإنك تتجه إلى نوع من تنحية السياسة جانبا.

وما أثق فيه تماما هو أننا سوف نبذل أقصى ما في وسعنا. وسوف نفكر في القرارات تماما. ولدي ثقة كبيرة في أننا نزن الخيارات تماما وأننا نتخذ أفضل القرارات. ولا يعني ذلك أن كل الاختيارات سوف تكون صائبة، وأنها سوف تعمل بالطريقة التي نرغب فيها. لكنني أستيقظ في الصباح وأخلد إلى النوم في الليل وأنا أشعر أن الاتجاه الذي نوجه فيه الاقتصاد هو الاتجاه الصائب وأن القرارات التي نتخذها صائبة.

* خدمة « نيويورك تايمز»

* ملاحظات 1ـ يحظر قانون غلاس ستيغال لعام 1933 على البنوك التجارية الاندماج في البنوك الاستثمارية. وفي عام 1999، تم إلغاء القانون ولكن حتى قبل عملية الإلغاء ضمت «الأسواق المركزية» المالية الكبرى مثل سيتي غروب شركات تأمينية، واستثمارية، وبنوكا للمستهلكين في كيان واحد.

2 ـ تعتبر كندا مقرا لخمسة بنوك ضمن أكثر 50 بنكا قيمة في العالم، وذلك حسبما أفادت ذا فايننشال تايمز، إلا أنها لم تعد تضم أيا منها على مدار العام المنصرم. ويتم فرض إجراءات تنظيمية صارمة على البنوك في كندا، كما أنها عمدت إلى الاستثمار بصورة معتدلة وأكثر تحفظا مقارنة بالبنوك الأميركية والأوروبية.

3 ـ في العام الماضي، بلغت الفجوة في الأجور والرواتب بين خريجي الجامعات وأي شخص آخر رقما قياسيا مرتفعا للغاية. إذ يجني حاملو درجة البكالوريوس في المتوسط رواتب بنسبة أكبر 54% مقارنة بالآخرين ممن التحقوا بالكليات إلا أنهم لم يتخرجوا فيها على سبيل المثال.

4 ـ في كتاب «أحلام من والدي»، يصف أوباما جدالا بين جدته ـ التي يدعوها توت ـ وجده (الذي لم يتخرج مطلقا في الكلية). وأوضح أنه فيما بعد، انتاب جده «حالة من الاكتئاب والغضب». وكتب قائلا: «أصبح مثل هذا الجدال أمرا مستساغا بالنسبة لي، إذ كان يحدث جدال الجدين بصورة روتينية مرهقة، وكان ينبع من حقيقة نادرا ما كان يتم ذكرها ألا وهي أن توت كانت تجني الكثير من المال مقارنة بغرامبس». 5 ـ الشبكة الذكية: هي مصطلح موسع يشير إلى نظام شديد الكفاية والفعالية لنقل واستخدام الطاقة، سواء على المستوى القومي والمحلي.

6 ـ أمد قانون ليلي ليدبيتر ـ الموقع في 29 يناير (كانون الثاني) 2009 ـ الفترة الزمنية التي يمكن رفع دعوى قضائية تتعلق بالتمييز. ومع قرب إحالتها إلى التقاعد كمشرفة في مصنع غوديير للإطارات في ألاباما، اكتشفت ليلي ليدبيتر أن زملاءها من الذكور يجنون أموالا أكثر من التي تجنيها. إلا أن المحكمة العليا أصدرت حكما ضد دعوى التمييز التي أقامتها في عام 2007، وذلك على أساس أن المدة الزمنية التي يقرها القانون قد انقضت.

7 ـ كان كل من جوزيف ستيغليتز وبول كروغمان ـ وكلاهما حاصلان على جائزة نوبل ـ ناقدين شديدين لأوباما، إذ أوضحا أنه يتعين عليه أن يكون أكثر صرامة في فرض السيطرة على إدارة البنوك المتعثرة، وأن طريقته المحسوبة بشدة ستخفق.

8 ـ عمل بيتر أورسازاغ مع روبرت روبين في البيت الأبيض خلال عهد كلينتون، وعلى الرغم من أنهما لم يكونا بوزارة الخزانة، إلا أن الاثنين ساعدا في تأسيس جماعة بحثية تدعى هاميلتون بروجيكت. وبصورة عامة، يتم النظر إلى كريستينا رومر ـ الاقتصادية الأكاديمية، ورئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين ـ على أنها من أعضاء الحزب الديمقراطي المعتدلين. فيما يتم اعتبار جاريد بيرنستين ـ رئيس اقتصاديي نائب الرئيس ـ على أنه ليبرالي، وذلك على أساس عمله لسنوات في معهد السياسة الاقتصادية المؤيد للعمال في واشنطن. وكان أستون غولسبي ـ وهو عضو آخر في مجلس المستشارين الاقتصاديين ـ المستشار الاقتصادي الأساسي لأوباما خلال حملته الانتخابية لمجلس الشيوخ عام 2004. 9ـ تراجعت دراسات الفعالية المقارنة ـ التي يجريها حاليا الباحثون الأكاديميون، إلا أنها لا تتم بصورة نظامية في النظام الطبي ـ البيانات لتحديد ما هي العلاجات المستخدمة بصورة شائعة لا تفضي إلى حدوث تحسن في النتائج، وما هي العلاجات المؤثرة التي غالبا ما لا يتم استخدامها بصورة كافية.