إعادة هيكلة «جنرال موتورز» سيؤدي إلى إنتاجها مزيدا من السيارات خارج أميركا

فيما تضخ إدارة أوباما مليارات الدولارات فيها أملا في إنعاش الاقتصاد الداخلي

مقر «جنرال موتورز» المركزي في مدينة ديترويت الأميركية (رويترز)
TT

تقوم الحكومة الأميركية بضخ مليارات الدولارات في شركة «جنرال موتورز» أملا في إنعاش الاقتصاد الداخلي، ولكن عندما تنهي الشركة المصنعة للسيارات خطة إعادة الهيكلة سيشغل عدد كبير من وظائف الشركة الجديدة عمال خارج الولايات المتحدة.

وبحسب المخطط التمهيدي الذي اشتركت فيه الشركة بصورة سرية مع مشرعين من واشنطن، سيتضاعف عدد السيارات التي تبيعها «جنرال موتورز» في الولايات المتحدة وتصنعها في كل من المكسيك والصين وكوريا الجنوبية.

ومن المتوقع أن ترتفع سيارات «جنرال موتورز» المباعة محليا والمصنعة في الخارج في تلك الدول ذات العمالة الرخيصة من 15% إلى 23% خلال السنوات الخمس القادمة، جاء ذلك في عرض من 12 صفحة قدم إلى المشرعين ردا على أسئلتهم بشأن الإنتاج في الخارج. ونتيجة ذلك، توشك إدارة أوباما على الدخول في المناقشات الساخنة حول توسيع الصناعات الأميركية بالخارج، والتي تكون بصورة طبيعية بين الاتحادات والشركات الخاصة.

ومن المؤكد أن أمام فريق العمل التابع للرئيس المسؤول عن صناعة السيارات التي تسيطر فعليا على الشركة خيارا صعبا: إما أن تطلب «جنرال موتورز» الإبقاء على بعض العمالة في البلاد، وهو ما يرفع تكاليف العمالة في الشركة التي تعاني من مصاعب مالية بالفعل، أو المجازفة بغضب على الساحة السياسية عبر السماح لمصنعي السيارات بتوسعة عملياتهم في مناطق ذات عمالة منخفضة. وقال روبرت ريتش، وزير العمل الأسبق، الذي يعمل حاليا كأستاذ في جامعة كاليفورنيا بيركلي: «جنرال موتورز شركة عالمية، وهذا هو الحال مع «إيه آي جي» والبنوك الكبرى في وول ستريت. وهو ما يعني أن إنقاذها لا يتطلب بالضرورة تحقيق فائدة لمصلحة الولايات المتحدة أو العاملين الأميركيين».

وأضاف: «الأهم من ذلك هو أنها تثير تساؤلات جوهرية حول هدف إنقاذ تلك الشركات الكبرى، وإذا ما كانت جنرال موتورز ستقوم بالمزيد من عمليات التصنيع الخارجية، فلماذا إذا ننقذها؟» وكانت الإدارة قد أثارت اعتراضات مماثلة برعاية الاندماج بين «كرايسلر» وشركة صناعة السيارات الإيطالية «فيات». لكنها حصلت على وعد من «فيات» بصناعة سيارات صغيرة في الولايات المتحدة.

وتنذر الشكاوى بشأن عمليات «جنرال موتورز» بحدوث مناقشات على نطاق أوسع ونزاع سياسي يقوده اتحاد عمال صناعة السيارات.

وقال ألان روزر، المدير التشريعي لاتحاد عمال صناعة السيارات: «الحد الأدنى الذي يمكن أن تدفعه جنرال موتورز هو دولارين في الساعة، وهو ما يعد تراجعا كبيرا، وإذا ما حصلت جنرال موتورز على مساعدة حكومية، فإن عليها الحفاظ على بصماتها التصنيعية في الولايات المتحدة، بدلا من الذهاب إلى الصين والمكسيك وكوريا الجنوبية».

وتقول مصادر مطلعة في صناعة السيارات إن تكلفة العمالة في تلك الدول منخفضة للغاية، ففي الوقت الذي يحصل فيه عامل صناعة السيارات على أجر إضافة إلى الحوافز يبلغ في المجمل 54 دولارا في الساعة، يحصل نظيرة في كوريا الجنوبية على 22 دولارا ويحصل العامل في المكسيك على أقل من ذلك، حيث يجني 10 دولارات في الساعة، في حين يحصل بعض العمال الصينيين على 3 دولارات في الساعة. واجتمع فريتز هندرسون، المدير التنفيذي لشركة «جنرال موتورز»، مع بعض المشرّعين في محاولة لتهدئة مخاوفهم بشأن العمليات الخارجية. وأكد على أن الشركة التي تغلق مصانعها في البلاد تلغي مشاريع أخرى في المكسيك وروسيا والهند. كما أكد للأعضاء على أن هذه الأرقام ليست نهائية، وأن المفاوضات مع اتحاد عمال السيارات لا تزال مستمرة.

وقال المتحدث باسم الخزينة: «نحن نعمل عن قرب مع جنرال موتورز واتحاد عمال صناعة السيارات وكل حملة الحصص في الشركة لتنقيح وتطوير خطة جي إم».

كانت شركة «جنرال موتورز» قد حصلت على قروض من الحكومة الأميركية بقيمة 15.4 مليار دولار، لكن من المتوقع استثمار المزيد من المليارات، وبموجب الخطة الجديدة ستكون الحكومة المالكة لأغلبية الأسهم في الشركة.

وتوقعت الشركة أن ترتفع مبيعاتها في الولايات المتحدة، من 2.4 مليون إلى 3.1 مليون في الفترة من 2010 إلى 2014 عندما يتراجع الكساد. وسيظهر غالبية ذلك النمو ـ نحو ثلثيه ـ في الولايات المتحدة، لكن الثلث الباقي سيأتي من الدول الأخرى، والتي ستكون على الأرجح المكسيك وكوريا الجنوبية.

وتعكس تلك الحصص كيفية بناء «جنرال موتورز» للسيارات التي تبيعها في الولايات المتحدة اليوم، يأتي ثلثاها من الولايات المتحدة والثلث المتبقي من الدول الأخرى.

وبموجب الأرقام التي قدمها هندرسون للأعضاء، فإن نسبة السيارات التي تصنعها «جنرال موتورز» في الولايات المتحدة ستنخفض من 67% في 2009 إلى 61% عام 2012، غير أن الشركة أشارت إلى أنه بحلول عام 2014 ستعود النسبة إلى 66%.

وقال هندرسون في المقابلة التي أجريت معه الأسبوع الماضي: «بموجب خطة الإنقاذ، فإن النسبة الأميركية ستظل كما هي إلى حد بعيد».

لكن الاتحاد وبعض المشرعين اعترضوا على أن خطة إنقاذ الشركة التي مولتها الحكومة يجب ألا تستغل في توسيع العمليات الخارجية للشركة، ويعتقدون، علاوة على ذلك، بأن التخفيضات المنتظر إجراؤها في الإنتاج الكندي ـ بنسبة 23% ـ سيكون لها تأثير مباشر على الوظائف في الولايات المتحدة، لأن صناعة السيارات في الولايات المتحدة وكندا مترابطتان.

وقال السناتور شيرود براون، العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، الذي كان واحدا من بين الذين اجتمعوا مع هندرسون: «إذا ما أغلقت مصانع في هذه الدولة، فإن أموال الضرائب يجب ألا تذهب لبناء مصانع في دولة أخرى».

لكن يقول مسؤولو الشركة ومحللون إن مع تنحية قضية تكاليف العمالة جانبا، من المنطقي صناعة بعض السيارات في الدول الأخرى، حتى وإن كانت ستباع في السوق الأميركية.

فسيارة «شيفروليه سبارك» على سبيل المثال، تعتبر سيارة صغيرة تبيعها «جنرال موتورز» في كوريا الجنوبية وأماكن أخرى في آسيا، وتخطط الشركة خلال السنوات القادمة لإرسال بعض تلك السيارات ـ المصنعة في تشانغ ون ـ إلى الأسواق الأميركية.

ونظرا لأن نسبة 5% فقط من سوق هذه السيارات ستكون في الولايات المتحدة، فإن عملية التصنيع ستظل في كوريا الجنوبية. ويحذر المحللون الذين يدرسون شركات صناعة السيارات وعملياتها الدولة من السماح للعواطف السياسية بإعاقة كفاءة «جنرال موتورز». وقال مايكل روبينت، نائب رئيس «سي إس إم وورلد وايد» المسؤول عن توقعات سوق السيارات: «إذا ما بدأنا اتخاذ قرارات سياسية بصناعة السيارات، فستكون هناك مشكلة كبيرة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»