تحول اقتصادي عربي «هادئ» من الغرب إلى الصين

خبير وصفه بإعادة «اكتشاف عربي لطريق الحرير»

TT

دون صخب كبير، بدأت مصفاة نفط تملك «أرامكو» السعودية حصة 25 في المائة فيها معالجة الخام في شرق الصين قبل أسبوعين. ويشهد بدء تشغيل مصفاة «فوجيان» التي تملك شركة النفط الحكومية الصينية «سينوبك» حصة النصف فيها على تصاعد التجارة والاستثمارات بين الصين والعالم العربي. وقفزت قيمة الصادرات الصينية للدول الأعضاء في الجامعة العربية، وعددها 22 دولة، إلى 62.3 مليار دولار العام الماضي من 7.2 مليار في عام 2001، ذلك العام الذي انضمت فيه الصين إلى منظمة التجارة العالمية. وبلغت نسبتها من إجمالي الصادرات الصينية 4.4 في المائة، ارتفاعا من 2.7 في المائة. ونمت واردات الصين من العالم العربي في الفترة نفسها إلى 70.3 مليار دولار من 7.5 مليار دولار، وتضاعفت نسبتها من إجمالي الواردات إلى 6.2 في المائة، حسب بيانات رسمية صينية. وفي حين اجتذب تعطش الصين إلى الموارد الطبيعية في أستراليا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية اهتمام الأسواق ووسائل الإعلام، حظي صعود تعاون الشرق الأوسط مع الصين باهتمام أقل. هذا، على الأقل، ما يراه بن سيمفندورفر الاقتصادي في رويال بنك أوف سكوتلاند في هونج كونج، الذي سعى لتحقيق التوازن المفقود بكتابه «طريق الحرير الجديد. كيف تحول العالم العربي الصاعد بعيدا عن الغرب لإعادة اكتشاف الصين». وبالنسبة لسيمفندورفر الذي يتحدث العربية والصينية، فإن العام يشهد قوتين تاريخيتين تستعيدان معا مكانتهما الاقتصادية والثقافية في العالم. وكتب يقول «تبدو الروايات عادة غير مترابطة، لكنها في واقع الأمر جزء من إعادة توازن أوسع نطاقا في العالم، يتمثل في صعود الشرق بعد قرون من الهيمنة الغربية». ويقول تشو تشانجوين الباحث في مركز دراسات صيني تابع لوزارة التجارة «إن هيكلا تجاريا تكميليا هو ما أثار هذا الازدهار، فالصين تحتاج إلى النفط من الشرق الأوسط، وهو مشتر كبير للملابس والسلع الاستهلاكية الصينية». وقال تشو «إن أحاديث عن اتفاق للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي تلقي الضوء على آفاق تطوير العلاقات، لكن من المهم الإبقاء على نوع من التناسب». وأضاف «طلب السوق في الولايات المتحدة وأوروبا ضخم، وسينتعش بعد انقضاء الأزمة المالية. لذلك، فمن السابق لأوانه قول أي شيء، مثل إن الشرق الأوسط سيحل محل الولايات المتحدة وأوروبا». ويقر سيمفندورفر بأن التجارة ستهبط وتعلو مع أسعار النفط، حيث يمثل النفط نحو 40 في المائة من حجم التجارة المتبادلة. واستوردت الصين أكثر من خمس احتياجاتها من النفط في العام الماضي من السعودية وعمان والكويت والإمارات واليمن، وهذه الدول ضمن أكبر عشرة موردين للصين. وحتى إذا جرى تداول النفط بسعر 30 دولارا للبرميل فقط، يعتقد سيمفندورفر أن العلاقات العربية الصينية ستستمر في الازدهار بسبب ثلاثة عوامل مهمة.. أولها انجذاب العالم العربي للنموذج الاقتصادي الصيني بتركيزه على النمو السريع والاستقرار السياسي، إذ لن تسمع مطالبات من بكين بتغيير النظام السياسي. وثانيها، مكانة صناديق الاستثمار السيادية العربية التي تنوع استثماراتها بعيدا عن الولايات المتحدة منذ هجمات سبتمبر (أيلول) عام 2001 على نيويورك وواشنطن.

وأخيرا، انتعاش «ممر إسلامي»، وهو مجموعة مسارات تجارية تاريخية تمتد من أفريقيا عبر الشرق الأوسط إلى اسيا. ويقول سيمفندورفر «إن هذا الممر الذي يحيط بمسلمي العالم يمثل مكانا مريحا للمستثمرين العرب». وقد انهارت التجارة عبر طريق الحرير القديم في القرن السابع عشر مع أفول نجم الصين، وحولت القوى البحرية الأوروبية الجديدة أغلب تجارتها الآسيوية إلى طريق رأس الرجاء الصالح، مما وجه ضربة قاضية للاقتصادات العربية. وفي دمشق، إحدى محطات طريق الحرير القديم، تمتلئ الأسواق بالأحذية الصينية وسلع أخرى، وبدأت السيارات الصينية الرخيصة في اختراق السوق السورية، لكن ما زال من الصعب على سائح عادي يقوم بزيارة قصيرة لرصد دلائل على أن الصين تستلهم انتعاشا اقتصاديا، لكن سيمفندورفر كتب يقول «إن شركة هير صانعة الأجهزة المنزلية استحوذت على 20 في المائة من السوق السورية للغسالات وأجهزة الميكروويف والأفران.

وتبني شركات الإنشاءات الصينية منشآت لتوليد الكهرباء من المياه، ومشروعات بنية أساسية أخرى في البلاد»، غير أنه يقر بأن التغيرات ما زالت من الصعب ملاحظتها. ويقول «الأفراد، وليس الحكومات، هم من يمثلون الدماء الجديدة لطريق الحرير الجديد». ويظهر ذلك بجلاء في يوي، وهي بلدة في شرق الصين، تجتذب أسواقها للبيع بالجملة التجار من مختلف أرجاء العالم، بحثا عن سلع استهلاكية رخيصة. وارتفع عدد الزوار العرب للبلدة إلى نحو 200 ألف سنويا، نظرا لتشديد العديد من الدول - باستثناء الصين - لإجراءات الحصول على تأشيرات دخول للعرب منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

ويقول تشو شانشان مسؤول المبيعات في شركة «دوف كاندلز» التي تبيع الشموع المعطرة، ومشغولات يدوية أخرى «لم نعد نرى الكثير من الأوروبيين. هذه الأيام أغلب عملائنا من الشرق الأوسط». وتراجعت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الربع الأول من العام، لكن الشحنات إلى السعودية لم تنخفض بأكثر من واحد في المائة، في حين ارتفعت الشحنات إلى الأردن بنسبة 32 في المائة. ورغم تفاؤله، يورد سيمفندورفر بعض الإشارات التحذيرية، فيقول «إن أجزاء أخرى من آسيا تتمتع بروابط إسلامية أقوى مع العالم العربي، بالمقارنة بالصين». ويضيف «إن بكين يجب أن تضمن ألا تؤدي سياستها لتشجيع الشركات المحلية على العمل بالخارج إلى إغراق الأسواق العربية بواردات رخيصة؛ مما يدمر فرص العمل هناك». ويخلص إلى أن العلاقات تزدهر، لكن ما زال يتعين أن تختبر بجدية. وكتب سيمفندورفر يقول «ما زال من السابق لأوانه تحديد النتائج».