الشركات الأميركية تكافح الركود بتخفيض الأسعار

تطوير منتجات رخيصة لمواجهة الأزمة الاقتصادية

تعيد المحلات تقييم أسعارها وتصنيف منتجاتها في كل موسم ولكن في العام الحالي أصبحت حذرة (أ.ف.ب)
TT

بدأ التجار في الولايات المتحدة في احتضان المستهلك الجديد الذي يهتم بالتكلفة، حيث طوروا المنتجات التي يمكنهم بيعها بأسعار أقل من دون الخروج من النشاط التجاري في فترة ما بعد الإسراف. لقد خفضت سلسلة محلات «ستاربكس» سعر القهوة المثلجة متوسطة الحجم الأسبوع الماضي إلى ما يقل عن دولارين. وأزالت محلات «أميركان إيغل» الشريط من الحزام الداخلي في أقمشتها وقللت من التكلفة. وأطلقت «بوتري بارن» أريكة «كمفرت كوليكشن» التي يبدأ سعرها بـ999.99 دولار، وهو سعر يقل عن أريكة «بازيك كوليكشن» بمبلغ 300 دولار. بل وحتى «روك آند ريبابليك»، التي يرتدي بناطيلها المتينة مشاهير مثل فيكتوريا بيكام، كشفت أخيرا عن مجموعة من البناطيل الجينز الأنيقة التي تتفق مع ميزانية المستهلك في فترة الركود بسعر 128 دولارا، بتخفيض 29 في المائة.

لقد استوعب أصحاب المحلات الدروس من موسم الإجازات المدمر، حيث فوجئوا بتكدس البضائع غير المباعة على الأرفف، مما جعلهم يخفضون الأسعار لجذب المشترين. ولكن لم تكن الاستراتيجية قابلة للاستمرار؛ حيث ضاع جزء كبير من الأرباح ونتج عن ذلك عمليات تسريح كبيرة للعمالة، وإغلاق عدد من سلاسل المحلات، من بينها «سيركيت سيتي». وأدركت المحلات أن تقديم خدماتها للمتسوقين في فترة الركود يتطلب استراتيجية طويلة المدى تتميز بأسعار منخفضة.

يقول مايكل سيلفرستين، وهو أحد كبار المشاركين في مجموعة «بوسطن الاستشارية»: «ما لدينا هو رد فعل للمحلات على ضعف إقبال المستهلك، وأنه تعلم الآن أن ينتظر».

لقد قلص المستهلك الجديد من الإنفاق وزاد من ادخاره لأجل عشرة أعوام مقبلة. وأصبحت المنازل الصغيرة مفضلة من جديد، ليقل متوسط حجم المنزل الجديد في عام 2008 لأول مرة منذ 35 عاما، وفقا للجمعية الوطنية لبناة المنازل. وتراجعت نسبة تناول العشاء الفاخر في الخارج، مما جعل المطاعم تعيد ترتيب قوائمها. (فمثلا يقدم «كليد» طبقا رئيسيا أقل ثمنا بتقديمه قطعة واحدة من الكابوريا بدلا من اثنتين في الشهر الماضي). وكشفت دراسة أجرتها مؤخرا مجموعة «بوسطن الاستشارية» أن 48 في المائة من المستهلكين قالوا إنهم استبدلوا منتجات أقل سعرا، في ارتفاع من 41 في المائة في عام 2007. وانخفض عدد المشترين الذين اشتروا منتجات أعلى سعرا بنسبة 6 في المائة.

وتعيد المحلات تقييم أسعارها وتصنيف منتجاتها في كل موسم. ولكن في العام الحالي، أصبحت حذرة على وجه خاص. فهي أقل رغبة في المخاطرة ببضائع جديدة لم تجرب بعد، وتزيد من كمية البضائع المفضلة لدى المستهلك التي تمت تجربتها وثبتت جودتها. وهم يقللون من حجم المخازن؛ وقد انخفض حجم البضائع المستوردة إلى أدنى مستوى له منذ سبعة أعوام في فبراير (شباط)، وفقا لما ذكرته مجموعة تجارية صناعية. ويؤكد كثيرون على تخفيضهم الأسعار على أزهد النماذج من بضائعهم.

وتنخفض أسعار المستهلك عاما بعد عام منذ مارس (آذار) لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، وذلك يرجع في الأساس إلى هبوط أسعار الطاقة ووسائل المواصلات. وقد زادت أسعار الملابس والغذاء أثناء تلك الفترة، ولكنها تنخفض بصورة شهرية. ويشعر بعض الاقتصاديين بالقلق من أن انخفاض الأسعار قد ينتج عنه انكماش اقتصادي. ولكن يقول هيمانت سانغوان، الاستشاري في «آي إتش إس غلوبال إنسايت»، إنه لا يعتقد أن هناك خطرا في قطاع البيع بالتجزئة. واعتبر تخفيضات الأسعار ما هي إلا استراتيجية تسويق للفوز بالمتسوقين المقاومين.

ويقول سانغوان: «من السهل للغاية، وخاصة في قطاع البيع بالتجزئة، تغيير الأسعار. وبمجرد أن تتغير طبيعة المستهلكين، سيكون رد فعل الأسعار في الاتجاه ذاته». وقد نتجت بعض التخفيضات عن التخلص من تفاصيل فاخرة كانت المحلات تدعي تميزها بها. كما انخفضت أيضا تكاليف الإنتاج، مما سمح للباعة بنقل هذا التخفيض إلى المستهلك. وتبسط المحلات من سلاسل التوريد وتنتج سلعا جديدة بمكونات أرخص وأسعار أقل. وفي بعض الحالات، تضحي المحلات بالأرباح وتأمل في تعويض الفارق في الحجم.

لقد أعادت «غريتشين هيتشنر» فساتين كوكتيل ثمنها 400 دولار كانت طلبتها من أحد المحلات من أجل شراء فساتين قصيرة متعددة الاستعمالات تباع بمبلغ 98 دولارا في محلها «جينجر» في بيثيسدا. وتخفض من مشترياتها من أجل موسم الخريف بنسبة 20 في المائة، وتحاول تقديم المزيد من الثياب بأسعار تقل عن 200 دولار.

وتقول: «توجد لديك فرصة في كل موسم مع كل نوع من الملابس. ولكن يختلف الأمر تماما في العام الحالي».

ويقول المدير التنفيذي لمحلات «ستاربكس»، هوارد شولتز، إن الشركة تخفض من أسعار قهوتها بعد غلق مئات من المحلات على مدار العام الماضي. وقد بدأ بيع قهوة «غراند» المثلجة بسعر 1.95 دولار في الأسبوع الماضي، بعد أن كان ثمنها في منطقة واشنطن 2.25 دولار. وتخفض الشركة أيضا من أسعار المشروبات الشعبية مثل «اللاتيه» من الحجم الكبير في بعض الأسواق، على الرغم من أنها أيضا ترفع أسعار المشروبات الأكبر والأكثر تعقيدا.

وقال شولتز للمحللين: «يريد المستهلكون أن يستمتعوا بكل دولار تعبوا في الحصول عليه، ونحن نفهم ذلك بالتأكيد».

وقد انخفضت الأرباح في مصنع الإكسسوارات «كوتش» بنسبة 29 في المائة لتصل إلى 115 مليون دولار، في أثناء الربع السنوي الأخير، مقارنة بالعام الماضي. وكان رد فعل الشركة هو إعادة تسعير بضائعها بتخفيضها بنسبة من 10 إلى 15 في المائة وتقديم المزيد من التصميمات بسعر أقل من 300 دولار. وفي العام المالي المقبل، تخطط الشركة أن تكلف نحو نصف البضائع الموجودة في محلاتها ما بين 200 إلى 300 دولار، مقارنة بوجود البضائع في هذا النطاق بنسبة 30 في المائة في العام الحالي. وفي الوقت ذاته، تبيع محلات «جيه كرو» حاليا نسخة من حذائها الشهير من دون كعب بسعر 98 دولارا. وكان أقل سعر لهذا النوع من الأحذية في الماضي يبلغ 118 دولار. وفي الخريف الحالي، تخطط المحلات إلى تخفيض الحد الأدنى لأسعار الجينز بمقدار 20 دولارا بعد أن كانت 92.50 دولار.

يقول ميلارد دريكسلير الرئيس التنفيذي في اجتماع عبر الهاتف مع محللين: «نحن متأكدون من أن هناك حساسية شديدة تجاه الأسعار الآن. لقد أصبحنا حذرين بالفعل حاليا».

وتقول شركة «ويليامز ـ سونوما»، التي تملك محلا لأدوات الطهو يحمل اسمها، إنها تعمل من أجل بيع منتجات أساسية بمبلغ يقل عن 100 دولار ولتخفيض أسعار الأدوات الزجاجية والسكاكين. وتقول رئيسة شركة «بوتري بارن» ساندرا ستانغل إن سلسلة محلات الأثاث «بوتري بارن» استطاعت أن تتحكم في تكاليف أريكتها الجديدة التي يبلغ سعرها 999 دولارا بتصنيع الإطار في مصنعها في غرب ولاية نورث كارولينا. وتقول ستانغل عن الأريكة: «إنها مريحة، وسهلة ورخوة، ويمكنني تحمل سعرها. إن أسعار المنتجات، وخاصة في الفترة الاقتصادية الحالية العصيبة، مهمة للغاية بالنسبة لمستهلكينا».

ويعد دفع المتسوقين إلى الإنفاق من دون اللجوء إلى التخفيض أمرا مهما جدا لحسابات المحلات. ووفقا لسيلفرستين، يمكن أن يصل هامش الربح عند بضائع «الشحنة الأولى» إلى 60 في المائة أو أكثر. وبعد التخفيضات الأولى، ينخفض هامش الربح إلى 40 في المائة. ويقلص التخفيض الثاني في الأسعار من الهامش إلى نسبة 20 في المائة. ولكن يظل من غير الواضح ما إذا كان المستهلكون يرغبون في الإنفاق. وقد انخفضت مبيعات المحلات بنسبة 10.7 في المائة في شهر مارس (آذار) عنها في الشهر ذاته من العام الماضي، وفقا لبيانات حكومية. وتقترب نسبة البطالة من 9 في المائة، وتوقفت زيادة الرواتب، وتستمر أسعار المنازل في الهبوط.

يقول دريكسلير: «أرى أن ما يحدث غير مقبول. وأتمنى لو كان لدى حل آخر. أتمنى أن يمكننا أن نرى خارطة الطريق بصورة أوضح، فالأمر لا يتوقف عند ذلك فقط».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»