مستثمر أسهم سعودي بدبي: أصبحنا نقنع بالفلس بعد أن كنا نتكبر على الدراهم

حفظ الله العبدلي: خرجت من البورصة وعدت والأسعار في الأرض واشتريت فانخفضت أكثر

حفظ الله العبدلي («الشرق الأوسط»)
TT

لا حل وسطا في البورصة، فإما أن تكون كبيرا تتحكم بالصغار أو صغيرا تراقب الكبار، ولكن ما الذي يفعله الكبار والصغار معا إذا كان المتحكم أزمة مالية عالمية لم يشهد لها العالم مثيلا، بإجماع كل مراقب ومختص، لم تذر أحدا، ولعل بورصة دبي، التي سجلت أحجام تداول هائلة قبل عام فقط لم نعد نراها اليوم، هي حالة خاصة، وخاصة جدا، لما يشهده عالم المال كله، حيث تبدو صالة التداول في بورصة دبي هادئة لمن لم يعتد عليها إلا مزدحمة تغص بالمتعاملين. يصفها أحد قدامى المتعاملين بأنها فارغة إذا ما قورنت بما كانت عليه قبل عام عندما كنت لا تجد فيها موطئ قدم لمجرد الحركة.

ويقول حفظ الله العبدلي، وهو سعودي مقيم في دبي: هذه الصالة التي نقف فيها الآن تشهد على مئات الخاسرين في تجارة الأسهم بفعل الأزمة المالية العالمية، لكنها تشهد على المئات أيضا ممن قطفوا ثمار الطفرة في أسعار الأسهم، فقبل أن يتوقع أحد أن تعصف هذه الأزمة بأوراق المال، مر على هذه البورصة الطالب والأستاذ والراغب في أن يجرب، وكل أنماط الناس، وجميعهم جنوا أرباحا بفضل طفرة السوق التي نحلم بها الآن.

يستأذن حفظ الله من مجموعة أشخاص نقف معهم ويفضل أن يتابع الحديث على انفراد ليصف لي الحال «عندما بدأت الأزمة المالية تشتد علينا، بعت كل ما لديّ من أسهم، ولم أترك شيئا لأني كنت أتوقع أن تتراجع الأسهم إلى المستويات التي هي عليه الآن. خفت كثيرا في البداية، وخصوصا أننا بدأنا نشاهد شركات عريقة وكيانات كبيرة تنهار وبورصات تنهار أمام أعيننا. خفنا على أنفسنا، نحن أبناء هذه المنطقة النامية التي لا يزيد عمر أقدم بورصة فيها على 15 عاما، ناهيك عن حجم المبالغة في تأثير الأزمة على مستقبل منطقتنا. وصاحب المال بطبيعة الحال جبان «كان أمرا مزعجا دفعني للجلوس في البيت لمدة شهرين دون عمل، كنت أستشير، ألاحظ، أقرأ، وأتابع حجم الهم الذي يحيط بكل من له علاقة بعالم المال» ولكن ما الذي تفعله السمكة خارج الماء؟.. يقول حفظ الله «بعد شهرين قررت أن أعود إلى البورصة»، ولن يتوقع أحد أن الرجل الذي دفع حفظ الله إلى العودة إلى التداول في بورصة دبي، كان أوباما، «فعندما فاز باراك أوباما بالانتخابات الأميركية قررت العودة إلى التداول في السوق وخصوصا عندما شاعت أجواء من التفاؤل بمستقبل العالم الاقتصادي، على اعتبار أن الرجل يحمل مشروعا اقتصاديا، وتعلم أن العالم قرية صغيرة وكل ذلك سيؤثر على منطقتنا».

ويتابع حفظ الله «عندما عدت إلى البورصة كانت الأسهم في الأرض، فقررت الشراء، وعندما اشتريت عادت فانخفضت أكثر، لكني لم أتضايق هذه المرة». يقول حفظ الله «لقد غيرتنا الأزمة كثيرا، فأنا شخصيا تغيرت كثيرا، وجزا الله الشدائد كل خير، فخلال هذه الأزمة عرفت عدوي من صديقي، واكتشفت أمورا كثيرة وأحجمت عن أخرى، كان أهمها أن لا تكون طماعا وأن لا تضع كل البيض في سلة واحدة». وهنا يتحدث حفظ الله عن الجانب المادي لينتقل بعد تنهيدة إلى جانب أخلاقي «تغير تعاملي مع الناس وطريقة كلامي معهم.. أنا اشعر بالراحة أكثر من أي وقت مضى»، ويلخص ذلك في الراحة النفسية التي يعيشها الآن بفعل القناعة «فقد كنت أنام وأنا أفكر بالهم الفلاني والسهم العلاني، أما الآن فأنام مرتاحا. أصبحت أقنع بالفلس بعد أن كنت لا أقنع بالدرهم، لذلك كانت خسارتي أكبر، لكن حكمة الرجل المفضلة «لا تطمع ونم بجانب بيزاتك (أموالك)».

ويصر حفظ الله، الذي يتردد على المكان بانتظام منذ خمس سنوات، على أن مدخوله في الأزمة أفضل من مدخوله قبلها. فاليوم يبدأ حفظ الله نهاره بمراقبة الأسهم الصاعدة ويتابع الأخبار المحيطة بها ويشتري مباشرة ومن ثم يبيع غير آبه ـ على ما يقول ـ بحجم الربح «أصبحت أقتنع بالفلس بعد أن كنت لا أقتنع بالدراهم» ويحقق ربحا يوميا يتراوح بين 3 إلى 4 آلاف درهم يوميا، مما يعتبره دخلا جيدا يجب الاقتناع به يجعله يقنع بما قسم له، قائلا «أذهب إلى البيت مرتاح البال وأنعم بنوم هادئ دون كدر أو ترقب... إنها أكبر نعمة» ويضيف أنه وصل إلى خلاصة أن البورصة هي مكان للربح وليس لتكوين ثروة في يوم وليلة «والأرزاق على الله».

يدعوني حفظ الله إلى أداء صلاة الظهر ويعبر عن تفاؤله بأن تحمل الأيام المقبلة العافية لأسواق المال الخليجية «أرى ذلك أمامي» ويؤمن بما يصفه دورة الحياة المالية التي لا بد أن تعيد أسعار الأسهم، ن لم يكن إلى وضعها زمن الطفرة، فإلى وضعها الطبيعي.

في الركن المخصص للصلاة يزدحم المكان بالمصلين الذين تركوا كل شيء لأداء صلاتهم، يلتفت إليّ حفظ الله ليقول: حتى أولئك الناس تغيروا أيضا.