البنك المركزي العراقي: إقراض الحكومة خرق للقانون ولا توجد سلطة تجبرنا على ذلك

إهدار الاحتياطي الأجنبي سيضعف قدرة السياسة النقدية على إنتاج فرص الاستقرار

مواطن عراقي يمسك بدنانير عراقية في وسط بغداد (أ ف ب)
TT

في الوقت الذي حذر فيه البنك المركزي من إتاحة الفرصة لاقتطاع العملة الأجنبية مباشرة من احتياطات البنك لتغطية المصاريف الحكومية المختلفة، قال المستشار الأول للبنك إن هذه الاحتياطات ضمان للنقد الذي يحمله المواطن في جيبه ولا نستطيع التصرف بها، مؤكدا السعي لتعزيز هذه الاحتياطات وعدم جعلها أموالا تذهب لإقراض صرف حكومي.

وجاء في بيان رسمي للبنك المركزي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن هذا السياق ـ أي إقراض الحكومة من الاحتياطي الأجنبي ـ سيضعف قدرة السياسة النقدية على إنتاج فرص الاستقرار التي تعد الوظيفة المركزية والغاية الأساسية في عمل البنك المركزي لتهيئة الظروف الملائمة لإعادة الإعمار عبر تلك الاحتياطات الدائمة الحركة. وأضاف أن إطلاق الدعوات لزج إيرادات البنك من العملة الأجنبية ضمن المصادر الإنفاقية للموازنة العامة، وخلط الأوراق بين الوظائف الحركية للاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي والتخصيصات الاستثمارية للموازنة يعد إضعافا لقدرة السياسة النقدية وسعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية.

وحول حقيقة الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي، أكد المستشار الأول للبنك المركزي الدكتور مظهر محمد صالح لـ«الشرق الأوسط»، أن تراكم الاحتياطي الأجنبي لدى البنك خلال السنوات الست الماضية ارتبط ارتباطا وثيقا بالمالية العامة للبلاد، وأن نمو تلك الموارد الاحتياطية الأجنبية كان نتاجا لمقايضة العملة الأجنبية لبعض عوائد النفط بالعملة المحلية المصدرة من البنك المركزي ولمصلحة الموازنة العامة كي تتمكن من تغطية نفقاتها الداخلية، كما أن هذه الاحتياطات في حركة دائمة غايتها الرئيسية إنتاج وتوليد الاستقرار الاقتصادي مما يقتضي متابعة خريطة هذه الموارد الاحتياطية الأجنبية التي تأخذ عدة مسارات. وجاء منها تمويل الاستيرادات من السلع والخدمات والتحويلات الجارية المختلفة التي تحتاجها السوق العراقية وتقارب الـ26 مليار دولار سنويا، ثانيا هي وسيلة للتدخل في سوق الصرف المحلية للحفاظ على قيمة الدينار العراقي والدفاع عن سعر صرف الدينار إزاء الدولار مما ينعكس إيجابيا على المستوى العام للأسعار وخفض قيمة مدخلات الإنتاج المستوردة، إذ تحقق بفضل هذه السياسة قوة دعم البرنامج الاقتصادي للحكومة الوطنية عن طريق تعزيز واستقرار سعر صرف الدينار وانخفاض معدل التضخم الأساسي لأقل من 4 في المائة سنويا في الوقت الحاضر، كما أن استخدام الاحتياطي المذكور لمجابهة صدمات اقتصادية خارجية مفاجئة، وأيضا توجيه تلك الاحتياطات للسيطرة على مناسيب السيولة المحلية وسحب تدفقات نقدية فائضة تمثل ضغوط الطلب المحلي ونتائجه السعرية غير المرغوبة. وتؤدي تلك الاحتياطات إلى توازن سوق النقد، لذا فإن الاحتياطي ليس من الفوائض المالية للعملة الأجنبية على غرار ما تفرزه الموازنات العامة في الفائض، وإنما هي مبالغ احتياطية أجنبية وظيفتها التحوط للسوق المالية المحلية وتحركاتها الشديدة التقلب المؤثرة في مستويات الاستقرار في الأسعار التي تقع خارج سيطرة البنك، مما يفرض على السياسة النقدية مواجهة ظروف مالية شديدة التقلب ومولدة للصدمات. وهو الأمر الذي أكدته الأحداث الأخيرة التي عاشتها سوق الصرف العراقية مؤخرا، ولولا احتياطات البنك وقوة تماسكه لتعرض الاقتصاد الوطني إلى مشكلات خطيرة يصعب حلها في الأمد القصير. وأكد صالح أن إتاحة أي فرصة لاقتطاع العملة الأجنبية مباشرة من احتياطات البنك لتغطية مصاريف حكومية مختلفة الأغراض ستضعف قدرة السياسة النقدية على إنتاج فرص الاستقرار، وعليه فإن البنك ـ في الوقت الذي يعذر فيه جمهور المواطنين من غير العارفين بحجم هذه الأرصدة وكيفية حركتها ـ لا يعذر المطلعين، ولا يمكن زجها ـ أي الأرصدة ـ ضمن المصادر الإنفاقية للموازنة العامة وخلط الأوراق بين الوظائف الحركية للاحتياطي الأجنبي للبنك والتخصيصات الاستثمارية للموازنة.

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول قانونية طلب الحكومة، أفاد المستشار الأول أن «هذا الأمر هو مسألة قانونية، فقانون البنك رقم 56 لسنة 2004، فقرة 26، يمنع الحكومة من الاقتراض المباشر وغير المباشر من البنك المركزي العراقي، والجميع يعلم أن الحكومة مواردها محدودة وصرفياتها غير محدودة، وهذه مشكلة تاريخية وليست وقتية، ولكن القانون يحرم الاقتراض، ثانيا سياسات البنك وتحصيله للاحتياطي، ليست تخصيصات بل هي نتيجة بيعنا لعوائد النفط في المزاد. وأي دولار احتياطي يقابله دينار يتحرك لدى المواطن إذ هو حق للمواطن لدى البنك، وهناك طرق ثانوية في السوق لمساعدة الحكومة، مثل إصدار السندات وإقراض عبر المصارف أو إنشاء سوق ثانوية وإدخال الحكومة في السوق وهذا لا نمانعه، ونحن طرحنا مشروعا لإقراض الحكومة ضمن عمليات السوق الثانوية وهناك تفاهم في هذا المجال».

وبشأن تصريح وزير المالية للاقتراض من البنك الدولي قال مظهر «هذا أمر آخر ومن حق الحكومة الاقتراض من البنك الدولي لتمويل مشاريع تنموية وهذا نشجعه، مشيرا إلى أن البنك ليس من حقه الإقراض بموجب القانون لأن البنك سيتعرض أمام البرلمان للمساءلة في حال أقرضنا الحكومة وعلينا احترام القانون ولا يمكن خرقه، وهو خرق لدولة المؤسسات»، وأن البنك المركزي لا يتلقى أوامره من الدولة، فلا حق لأي جهة في أن تأمره، «لأننا نعمل على استقرار الصرف وتعزيز الدينار في جميع أنحاء العراق، وهنا لا يمكننا خرق القانون».

وأكد أن احتياطي العراق بلغ في العام السابق 47 مليار دولار، لكن هذا العام انخفض، بسبب تقليل بيع الدولار، لأقل من 40 مليار دولار، وهناك تراكمات بالدينار، وهذا احتياطي خارج الدينار العراقي وهو يقوي ويعزز استقرار العراق، ولا توجد حدود للاحتياطي النقدي لأنه أمام قوة الدينار الذي قوي 40 في المائة في السنة الماضية. والسؤال: كم ستصبح قوة الدينار؟ «وهو طموح لدينا لأنه يتعلق برفاهية المواطن وتعزيز دخله والدفاع عن استقرار الدينار، وأي تذبذب نستخدم الاحتياطي لخلق استقرار جديد وتنمية وتقدم اقتصادي». من جهته أعلن وزير المالية باقر جبر الزبيدي، عن مساع لتوقيع اتفاقية ساندة جديدة مع صندوق النقد الدولي، تمهد لحصول العراق على قرض مالي يصل إلى سبعة مليارات دولار لتغطية العجز الذي قد يحصل خلال العام الحالي والمقبل، كاشفا عن قرب إجراء مباحثات في بغداد بين الحكومة والأمم المتحدة لإطفاء ديون وتعويضات العراق ودعم البلد في شتى المجالات.

وأضاف الزبيدي في تصريحات صحافية «أن وزارة المالية تسعى لرسم موازنة جديدة لمدة ثلاثة أعوام، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ العراق، لافتا إلى حصول الوزارة على تطمينات وتقديرات إيجابية تتعلق بتصدير النفط خلال السنوات الثلاث كي يتم وضعها ضمن هذه الاستراتيجيات المقبلة، تقابلها معالجة ما تبقى من الديون لدى بعض الدول مقابل منح هذه الدول فرصا استثمارية كبيرة، مبينا أن الحكومة تسعى حاليا إلى حسم مسألة دعاوى التعويضات المقامة على العراق، من خلال الإفادة من الحماية التي وفرتها الحكومة الأميركية الجديدة للأموال العراقية في الخارج».

يذكر أن الحكومة العراقية خفضت ميزانية عام 2009 ثلاث مرات نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط.