الاختيار بين دعم أسواق الائتمان اليوم أو محاربة التضخم غدا

مهمة صعبة أخرى أمام مصرف الاحتياط الفيدرالي الأميركي

TT

وكأنه لم يكف أن يواجه مصرف الاحتياط الفيدرالي (المصرف المركزي) أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية، وشبه انهيار في النظام المالي، ومخاوف من ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 10 في المائة حتى يظهر مبعث جديد للقلق داخل المصرف هو: النجاح.

وتشير بيانات اقتصادية ظهرت مؤخرا، إلى أنه على الرغم من التراجع المستمر للاقتصاد، فإن وتيرة التراجع خفتت حدتها، وهو ما يعزز المخاوف من أن جهود مصرف الاحتياط الفيدرالي للنأي بالاقتصاد بعيدا عن الوصول إلى حالة شبيهة بالكساد الذي تعرضت له البلاد في 1930 سوف تدفع بالبلاد إلى تضخم أشبه بالتضخم الذي عانت منه في السبعينات. وتتركز هذه المخاوف حول جهود المصرف غير المسبوقة لإنعاش الاقتصاد بضخ أموال جديدة بلغت أكثر من مليار دولار أميركي. ويعد اختيار الوقت الأمثل لسحب مثل هذه الأموال مشكلة تقليدية تواجهها البنوك المركزية. ويمثل اختيار الوقت الملائم لسحبها مأزقا حقيقيا خاصة في الوقت الراهن لأن مصرف الاحتياط أصبح مشاركا بدرجة كبيرة في دعم النظام المالي. وفي الوقت الذي يفكر فيه قادة المصرف في خطوتهم التالية، يقول المحللون إنه على المصرف الاختيار بين دعم أسواق الائتمان اليوم أو محاربة التضخم غدا. وعادة ما يستغرق الأمر ستة أشهر على الأقل قبل أن تتحول التغيرات الكبيرة في سياسة المصرف الاحتياطي الفيدرالي إلى ممارسات اقتصادية فعلية.

ومن ثم، فإذا كان المصرف الاحتياطي يرغب في أن يمنع التضخم من الخروج من المعدل المثالي الذي يبلغ حوالي 2 في المائة فإنه على الأرجح يجب أن يتخذ إجراءاته أثناء الزيادة في معدل البطالة وقبل أن يخرج القطاع المالي تماما من عثرته.

وقد استغل رئيس المصرف الاحتياطي بين برنانكي لقاءاته الأخيرة بما فيها ظهوره أمام اللجنة الاقتصادية المشتركة في الكونغرس لكي يقدم بعض التطمينات. فيقول برنانكي إن المصرف الاحتياطي «كان مركزا كأشعة الليزر»، وكان ذلك في معرض رده على سؤال مخادع حول كيف ومتى سينسحب المصرف من أسواق الائتمان. وقال، موجها كلامه للبرلمانيين: «نحن نعمل باجتهاد، ومن المهم بالنسبة لنا أن نوفر الكثير من الدعم في الوقت الحالي. فالاقتصاد بحاجة لذلك الدعم». «نحن نتفهم ضرورة إنهاء ذلك في الوقت الملائم حتى لا نتعرض لأزمة تضخم في المقابل».

وذلك يعني ارتفاع الأسعار لدرجة تؤدي إلى تدهور قيمة النقد وهي تجربة ما زالت حاضرة في أذهان الناس. فخلال الصيف الماضي، أدى ارتفاع أسعار الغاز إلى انخفاض الدخل الحقيقي المتاح عند حسابه سنويا يبلغ 8.5 في المائة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول)، وفقا لبيانات وزارة التجارة. كما أن ارتفاع أسعار الطاقة كان أحد العوامل الأساسية التي تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل زيادة الطلب عن المعروض وتدوير الكثير من النقد في الأسواق. ويقول مسؤولون بالمصرف الاحتياطي إن احتمالات تعرضنا للتضخم ضئيلة للغاية لأن معظم النقد الذي ضخه المجلس لم يتم تدويره في السوق بل إنه موجود في احتياطات البنوك. ولكن لأن تلك الاحتياطات ضخمة للغاية فإن بعض خبراء الاقتصاد يرون خطرا محتملا، فإذا تحرك المصرف ببطء مبالغ فيه عقب تعافي الاقتصاد، يمكن أن تخرج هذه الأموال بسرعة. وكنتيجة لذلك فإن البعض يرى أن معدل الركود بدأ في التراجع، مما يعني أن الوقت أصبح ملائما للانسحاب وإنهاء برامج الإقراض العاجل التابعة للمصرف. ويقول جون تايلور، خبير الاقتصاد بجامعة ستانفورد: «هناك أشياء يمكنهم عملها الآن». «فيجب أن ينظروا إلى الأشياء التي يرون أنها لا تعمل بالكفاءة المطلوبة ويبدءون في سحبها». ويتعرض المصرف للعديد من الانتقادات لحفاظه على معدلات الفائدة منخفضة لمدة طويلة في أعقاب ركود عام 2001 مما ساهم في زيادة الفقاعة العقارية التي سرعان ما انفجرت آخذة الاقتصاد معها.

ويقول سيمون جونسون، الخبير الاقتصادي بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا: «ينظر الناس لتلك الفترة الآن ويقولون إنهم كانوا يبالغون؛ كان يجب عليهم رفع معدلات الفائدة في وقت مبكر عن ذلك» ويضيف: «هذا نوع من التكرار. يمكن أن تحدث أخطاء في كلتا الحالتين». وتعتقد قيادات مصرف الاحتياط أنهم لديهم المزيد من الوقت قبل أن يضطروا لتغيير سياستهم. ففي تقديراتهم الأخيرة، توقع خبراء الاقتصاد بالمصرف حدوث تعاف ضعيف وهو ما يقلل احتمالات التعرض للتضخم. ومن المتوقع أن يرتفع معدل البطالة إلى أكثر من 9 في المائة وأن يظل فوق نسبة 7 في المائة خلال العامين القادمين وهو ما يحجم نمو الأجور. وانخفضت كذلك أسعار الطاقة والسلع نظرا لانخفاض معدلات الإنتاج. وكنتيجة لذلك فإن مسؤولين بالمصرف والعديد من خبراء الاقتصاد الآخرين يعتقدون أن معظم الأموال التي ضخها المصرف ستبقى في صورة احتياطي مصرفي. ويؤكد قادة الاحتياطي الفيدرالي ثقتهم في قدرتهم على تقليص تلك الاحتياطات بسرعة. وبموجب القانون، فإن العديد من برامج إقراض الطوارئ التي وضعها الاحتياطي الفيدرالي يجب أن تتوقف فور تعافي الاقتصاد فهي مصممة لهذا الغرض.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»