تضارب الآراء والمؤشرات حول قرب انتهاء الأزمة المالية وعودة الانتعاش للاقتصاد العالمي

ارتفاع أسعار المساكن البريطانية للمرة الثانية في 3 أشهر >تباطؤ نمو اقتصاد الهند إلى 6.7%.. وبقاء اقتصاد السويد في الركود * دلائل على انتعاش الطلب في أميركا واليابان >محافظ «المركزي الإيطالي»: لا توجد دلائل واضحة على انتهاء الأزمة

TT

تضاربت الآراء وتباينت أمس حول ما إذا كان الاقتصاد العالمي يشهد بوادر انتعاش وأن الأزمة المالية توشك على الانتهاء، ففيما برزت دلائل انتعاش للطلب في أميركا واليابان وارتفعت أسعار المساكن البريطانية للمرة الثانية في ثلاثة أشهر مثلا، فإن مناطق أخرى تأكد التباطؤ الاقتصادي العالمي فيها، مثل الهند والسويد، وأصر خبراء من بينهم ماريو دراغي عضو مجلس البنك المركزي الأوروبي ومحافظ البنك المركزي الإيطالي أنه ليس هناك دلائل محددة بعد على أن الأزمة المالية العالمية توشك على الانتهاء على الرغم من أن مخاطر استمرار انكماش الأسعار تبدو ضئيلة الآن. وأضاف دراغي لمجلس «المركزي الإيطالي» أنه ستكون هناك ضغوط كبيرة لرفع أسعار الفائدة على مستوى العالم في العامين المقبلين بسبب الحاجة لطرح كميات ضخمة من الأوراق المالية الحكومية في السوق وهو ما قد يبطئ الانتعاش.

وقد توقع بنك إيطاليا (المركزي) تدهور إجمالي الناتج الداخلي في شبه الجزيرة «نحو 5%» هذه السنة، كما أعلن حاكم البنك ماريو دراغي، أي أعلى من نسبة التدهور التي كانت تتوقعها الحكومة التي تراهن الآن على تراجع بنسبة 4.2%. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن دراغي قوله أثناء الجمعية السنوية للبنك: «ستؤدي الأزمة في إيطاليا بحسب أحدث التوقعات إلى تدهور إجمالي الناتج الداخلي نحو 5% هذه السنة بعد تراجعه 1% في 2008. إن انهيار الطلب الخارجي تسبب بتقلص كبير في الإنتاج الصناعي والاستثمارات». وفي توقعاتها الأخيرة التي نشرت في بداية مايو (أيار)، أعلنت حكومة سيلفيو برلسكوني أنها تتوقع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 4.2% في 2009 قبل تحسن طفيف من 0.3% في 2010 من جهة أخرى، كشفت بيانات حديثة صدرت أمس في ستوكهولم أن الناتج المحلي الإجمالي للسويد واصل تراجعه في الربع الأول من هذا العام بما يعكس استمرار تداعيات التباطؤ العالمي على البلاد.

وقال مكتب الإحصاء السويدي إن التراجع بلغت نسبته 6.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتضمنت البيانات تراجع إنفاق الأسر والتأثيرات السلبية الناتجة عن صناعة السيارات المتعثرة بفعل تراجع المبيعات.

وقال المكتب إن الصادرات السويدية تراجعت بنسبة 16% بينما انخفضت الواردات بنسبة 14.8% وهبط الإنتاج الصناعي بنسبة 9%.

وقدر المكتب أن الناتج المحلي الإجمالي تراجع في الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 4.9% مقارنة بالفترة نفسها قبل عام.

وكان محللون في بنكي «إس إي بي» و«نوردي» الكبيرين يتوقعون أن يبلغ التراجع 7% في الربع الأول من العام، مشيرين إلى أن التباطؤ العالمي منذ عام لم يصل إلى كامل قوته.

وقالت أنيكا وينيث كبيرة المحللين في بنك «نوردي» للإذاعة السويدية إن هناك مؤشرات على حدوث استقرار وقد يبدأ النمو الاقتصادي في الارتفاع خلال الربع الثاني من عام 2009.

يذكر أن تراجع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام هو الأسوأ منذ عام 1993 عندما بدأ مكتب الإحصاء في رصد بياناته. من ناحية أخرى كشفت بيانات حكومية صادرة أمس أن الاقتصاد الهندي نما بنحو 6.7% خلال العام المالي المنتهي في 31 مارس (آذار) الماضي، مقارنة بنسبة نمو 9% في العام المالي السابق عليه، وذلك بسبب الأزمة المالية العالمية.

وجاء في بيانات المنظمة الإحصائية المركزية أن معدل النمو الاقتصادي السنوي انتعش بفضل النمو غير المتوقع خلال الربع الأخير والذي بلغ 5.8%.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، تجاوزت بيانات النمو تلك التوقعات المتشائمة للمحللين الذي تحدثوا عن معدل نمو 5% في الربع الأخير من العام، ونمو يتراوح بين 6 إلى 6.5% للعام المالي بأكمله.

وقال خبراء الاقتصاد إن ناتج قطاع التصنيع في ثالث أكبر اقتصاد في آسيا تراجع بنسبة 1.4% في الربع الأخير من العام جراء التباطؤ العالمي الذي أثر سلبا على معدل النمو عموما.

ووفقا لشبكة «إن دي تي في» الإذاعية، فإن قوى الدفع الرئيسية التي حصل عليها الاقتصاد خلال تلك الفترة كانت بينها حزمة الحوافز المالية وخفض أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياط المركزي الهندي.

ويتوقع أن تساعد تلك البيانات الحديثة على تحديد مهام الحكومة المنتخبة حديثا لرئيس الوزراء مانموهان سينغ التي وردت تقارير بأنها ستركز على مجال الاقتصاد.

وبعد أن بدأ سينغ فترته الثانية في منصب رئيس الوزراء الأسبوع الماضي، أعد خطة عمل مدتها مائة يوم لحكومته، مؤكدا أن إنعاش الاقتصاد وتحفيز النمو يتصدران الخطة.

وفي المقابل، تظهر دلائل على انتعاش طفيف في الطلب في الولايات المتحدة واليابان بعد أكبر تراجع في عشرات السنين ما دفع الشركات لزيادة الإنتاج والمستثمرين لشراء الأسهم. وبحسب «رويترز»، بدأت البيانات الاقتصادية في التحسن ببطء مدعومة جزئيا بخطط تحفيز طرحتها الحكومات بتريليونات الدولارات على الرغم من استمرار الشكوك بشأن قدرة الانتعاش على الاستمرار. فمعدلات البطالة ترتفع على مستوى العالم، والعجز يتضخم، وعدد الشركات التي تواجه الإفلاس يتصاعد، وما زالت شركة «جنرال موتورز» على الطريق لإشهار إفلاسها حسب الفصل رقم 11 من القانون الأميركي لحمايتها من الدائنين خلال أيام على الرغم من محاولات أول من أمس لإقناع حملة السندات بقبول خطة لتغيير هيكل الملكية. ومن شأن هذه الخطة أن تسفر عن تسهيل إشهار إفلاس أكبر شركة أميركية لصناعة السيارات. لكن ظهرت بعض الدلائل على أن الاقتصاد العالمي بلغ ذروة هبوطه وسيبدأ في الانتعاش. فقد ارتفع إنتاج المصانع اليابانية في أبريل (نيسان) الماضي، ويتوقع المصنعون المزيد من المكاسب حسب بيانات صدرت أمس، في حين ارتفعت طلبيات السلع المعمرة الأميركية في أبريل (نيسان) بأعلى معدل في 16 شهرا. وارتفع الإنتاج الصناعي في اليابان بنسبة 5.2 في المائة وهي الأكبر منذ عام 1953، وجاء أعلى بكثير من المتوقع، ما يشير إلى أن طلبا حقيقيا وليست زيادة المخزونات كان وراء الارتفاع. ومع ذلك أظهرت بيانات أخرى تراجع إنفاق الأسر وارتفاع معدل البطالة إلى 5.5 في المائة وهو أعلى مستوى هذا العام.

ووافق البرلمان الياباني أمس على ميزانية إضافية قيمتها نحو 13.93 تريليون ين (144.41 مليار دولار) للعام المالي 2009، الذي بدأ في الأول من أبريل (نيسان) الماضي.

وقالت إذاعة «ان.اتش.كيه» اليابانية أمس إن شركة «توشيبا كورب» تعتزم زيادة إنتاجها من رقائق الكمبيوتر إلى المستوى الذي كان عليه قبل خفضه في يناير (كانون الثاني) الماضي. وأضافت الإذاعة أن تراجع المخزونات وانتعاش الطلب في الخارج على الرقائق المستخدمة في الهواتف المحمولة هو ما دفع الشركة لاتخاذ هذا القرار. وارتفع سهم «توشيبا» وأغلب الأسهم الآسيوية في أعقاب صعود الأسهم الأميركية بنحو واحد في المائة الليلة قبل الماضية. ودفع ارتفاع الطلب على الإنتاج الصناعي أسعار السلع للصعود بشكل عام في الأسابيع القليلة الماضية، لكن ظلت بعض المؤشرات الأخرى ضعيفة. فمبيعات المنازل الجديدة في الولايات المتحدة ارتفعت بأقل من المتوقع في أبريل (نيسان) وتم تعديل بيانات مارس (آذار) بالخفض. ومما يلقي الضوء على عمق الأزمة في القطاع، والتي دفعت الاقتصاد العالمي للهبوط أنه حتى 31 مارس (آذار) كانت أسرة من بين كل ثماني أسر أميركية لديها رهون عقارية قد تأخرت عن السداد أو تجري ضدها إجراءات مصادرة. وقال جاي برينكمان، كبير الاقتصاديين في اتحاد بنوك الرهون العقارية في الولايات المتحدة: «سوق الإسكان تعتمد على وضع البطالة. ونحن لا نتوقع تحسن البطالة حتى منتصف هذا العام، لذلك فمن الطبيعي ألا تنتعش سوق الإسكان حتى تنتعش سوق العمل». من جهة أخرى، قال مكتب الإحصاء المركزي في بولندا أمس إن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد شهد نموا بنسبة 0.8% في الربع الأول من العام الحالي.

ومن شأن هذه البيانات المؤقتة أن تجعل بولندا واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي تحقق أي معدل للنمو، بل والدولة الوحيدة التي تسجل زيادة في النمو، بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في شرق القارة. وذكرت وكالة الأنباء البولندية أن تلك الزيادة أقل قليلا من معدل النمو المتوقع عند 1%. من جانب آخر، قالت شركة «نيشون وايد» للبناء أمس إن أسعار المساكن البريطانية ارتفعت للمرة الثانية في ثلاثة أشهر في مايو (أيار) الحالي، ما أبطأ معدل التراجع السنوي إلى أدنى مستوياته منذ أغسطس (آب) الماضي.

وأضافت «نيشون وايد» أن سعر المساكن ارتفع في المتوسط بنسبة 1.2 في المائة في مايو (أيار) وهو ثاني ارتفاع منذ مارس (آذار) عندما زادت أسعار المساكن لأول مرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2007. وتباطأ معدل التراجع السنوي في أسعار المساكن من 15 في المائة إلى 11 في المائة، وهو أدنى مستوياته في 11 شهرا. وأرجعت شركة الرهون العقارية التحسن في الأسعار إلى الافتقار لعقارات جديدة تدخل السوق، لكنها حذرت من أن ارتفاع البطالة والقيود على الإقراض تعني أن الأسعار قد تعود للانخفاض. وقال مارتن جاهبور كبير الاقتصاديين بالشركة إنه خلال التراجع في أوائل تسعينات القرن الماضي مرت أشهر طويلة حتى بدأت الأسعار في الارتفاع ثم عادت للهبوط من جديد. وأضاف: «في التراجع الراهن فإن تضافر الارتفاع الكبير في أعداد العاطلين مع نقص الائتمان يشير إلى أن ذروة انخفاض الأسعار لم تظهر في الأفق بعد».