الحكومة الأميركية تسعى إلى تحقيق التوازن في الشركات الخاصة التي تملك حصصا فيها

بين دوريها كمستثمر ومراقب لها في آن واحد

الحكومة الأميركية تواجه تحدي الموازنة بين دورها كمستثمر وفي الوقت نفسه كمراقب في الشركات الخاصة التي تملك حصصا فيها
TT

يستطيع مالك شركة تصنيع السيارات أن يحدد عدد السيارات التي سوف يصنعها، وعدد السيارات التي سوف يكون لونها أحمر، وعدد السيارات التي سوف يرسلها إلى توكيلات ماريلاند. ومع ذلك، تصر إدارة أوباما، التي تخطط لشراء 70 في المائة من «جنرال موتورز»، على أنها لا تريد أن تكون هذا النوع من الملاك. ويقول مسؤولون بارزون، إنهم يركزون فقط على دعم الإصلاحات الهامة في «جنرال موتورز» وغيرها من الشركات، التي تخطط الحكومة إلى أن تسيطر على حصص ملكية كبيرة داخلها. ولا يريدون أن يشاركوا في عمليات اتخاذ القرار اليومية. ولكن، ليس من السهل الحفاظ على عدم التدخل، ففي سعيها لتحقيق أهدافها، أصبحت الإدارة شريكا في القرارات، مثل عدد السيارات التي يجب على «جنرال موتورز» و«كرايسلر» تصنيعها، وكمية الأموال التي يجب على ممول السيارات «جي إم آيه سي» تقديمها في صورة قروض، ووحدات المشاريع التي يجب على «سيتي غروب» بيعها. وتفضل الحكومة بصورة متزايدة أن تعين مديرين تابعين لها في مجالس الإدارة داخل الشركات، والحصول على نفوذ يمكن أن يستمر لمدة أربعة أعوام. ويشار إلى أن الحكومة الفيدرالية لم يكن لها مثل هذا النفوذ الواسع، على العدد الكبير من شركات تابعة للقطاع الخاص منذ الحرب العالمية الثانية، فإدارة أوباما، التي حصلت على حصص أغلبية داخل «أميركان انترناشيونال غروب» و«فاني ماي» و«فريدي ماك»، في طريقها للحصول على حصص كبيرة داخل أربع شركات أخرى: «جنرال موتورز» و«كرايسلر» و«سيتي غروب» و«جي إم آيه سي».

وفي الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بتعزيز دورها، يقول مسؤولون، إنهم يحاولون الوصول إلى توازن صحيح بين دورهم في إصلاح الوضع داخل هذه الشركات، والمشاكل المرتبطة بالملكية العامة فيها. وترى العديد من التنظيمات، ومن بينها الاتحادات والمجموعات التي تدعو للمحافظة على البيئة، والنشطاء من حملة الأسهم، أن هناك فرصا للحصول على تنازلات من الشركات التي تدين بالفضل حاليا لدافعي الضرائب. وقد دخلت الحكومة في خلافات سياسية بشأن حجم علاوات التنفيذيين ورواتبهم، وتوظيف العمالة الأجنبية والإجراءات الصحيحة لمنع عمليات الحبس العقاري بالنسبة للمنازل. وفي هذه الأثناء، تحذر المؤسسات التجارية وتنظيمات داخل الصناعة، من أن عدم احترام الحكومة للعقود والمستثمرين سوف يهز الثقة داخل الأسواق على مدى عدة أعوام. ويقول مسؤول تنفيذي بارز داخل إحدى الشركات التي تخطط الحكومة للحصول على حصة داخلها: «سيصبح أي شيء يقومون به هنا جزءا من التاريخ بمرور الوقت. أنت لا تلعب من أجل العامين المقبلين، ولكن من أجل المائة عام القادمة».

ويقول مسؤولون بارزون، إن الاستثمارات ضرورية، لأن الشركات تحتاج إلى أموال ولا يمكنها رد قروض جديدة. ويقولون إن الحكومة تركز على تمهيد الطريق للشركات كي تعود إلى نشاطها، وبعد ذلك تسمح للملاك من القطاع الخاص أن يكملوا العمل. وقال لورانس سومرز، المستشار الاقتصادي الأبرز للرئيس أوباما، خلال مقابلة أجريت معه: «المبادئ العرضية هي: اخرج في أسرع وقت ممكن، وقم بما هو مطلوب لضمان أن هناك خطة تجارية قابلة للتطبيق يتم تنفيذها بكفاءة، وابق بعيدا عن الأعمال اليومية». ويقول سومرز ومسؤولون آخرون، إن المشاركة العامة تدمر الشركات، وبدرجة كبيرة عن طريق تكوين شكوك سياسية. وعلى سبيل المثال، لا يمكن للإدارة أن تسيطر على الطلبات من الكونغرس، التي تخضع لرغبات الناخبين. وهذا يخيف العملاء ويجمد التخطيط على المدى البعيد، ويجعل من الصعب المنافسة مع منافسين، حسب ما يقوله خبراء. ويمكن أن يكون ثمة تناقض بين الصالح العام وزيادة الأرباح. ولتجنب هذه القضايا، حاولت الحكومة في البداية دعم الشركات عن طريق تقديم قروض. وحصلت «سيتي غروب»، على سبيل المثال، على 45 مليار دولار لمساعدتها على امتصاص خسائر القروض. وحصلت «جنرال موتورز» على 13.4 مليار دولار لصياغة خطة إعادة هيكلتها. ولكن، فشلت القروض في تحقيق استقرار داخل الشركات الأكثر تعثرا، وأجبرت الحكومة على استثمار أموالا داخل الشركات، ولا يوجد التزام على الشركات بإعادتها؟ وتخطط الحكومة لشراء 8 في المائة من «كرايسلر»، وثلث «سيتي غروب»، و35 في المائة من «جي إم آيه سي»، وحوالي 70 في المائة من «جنرال موتورز». كما أنها تمتلك بالفعل 80 في المائة من «أميركان انترناشيونال غروب» و«فاني ماي» و«فريدي ماك». وتصف إدارة أوباما نفسها بأنها «مستثمر مضطر» قال أوباما في مارس (آذار): «لا أريد أن أبدد فكرة أننا نستمتع بالتدخل في القطاع الخاص».

وقد كان هذا النفور جليا، في الوقت الذي كانت تقوم فيه الإدارة بدفع الشركات للقيام بأشياء سوف ينتقدها الساسة، مثل إغلاق الوحدات التجارية وتسريح العمالة والتخلص من العملاء الأضعف. وفي هذه الحالات على وجه التحديد، حاولت الحكومة التمييز بين تعليماتها الواسعة والقرارات الخاصة بالشركة. وعندما أعلنت «كرايسلر» خلال الشهر الحالي أنها سوف تعلق صلاتها مع قرابة 800 وكيل في مختلف أنحاء البلاد، أصدرت وزارة الخزانة تصريحا يؤكد على أن الشركة هي من قام بصياغة التفاصيل. وقالت الخزانة: «لم يقم فريق العمل بأي دور في عملية البت في أي من الوكلاء، وعدد الوكلاء الذين كانوا جزءا من إعلان كرايسلر اليوم».

ويأتي الاتجاه القوي للإدارة داخل الشركات مدفوعا بصورة جزئية من الدروس، التي تعلمتها الإدارة من عملية الاستحواذ على «أميركان انترناشيونال غروب». في سبتمبر (أيلول)، أعلنت إدارة بوش، أنها سوف تعين مسؤولا تنفيذيا رئيسا جديدا، وسوف تسمح له بإدارة الشركة. ولكن، عجزت «أميركان انترناشيونال غروب» عن التحرك سريعا بخصوص التغيرات الضرورية، مثل بيع الوحدات البارزة. وزادت الحكومة من تدخلها في الشركة، وبدأ العملاء في الابتعاد بصورة متزايدة، مما دفع إلى المزيد من المساعدات الفيدرالية. وتحركت الحكومة للسيطرة على مجلس إدارة «أميركان انترناشيونال غروب». وعين المصرف الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي) ثلاثة أمناء، قاموا بترشيح خمسة مديرين إلى مجلس الإدارة، الذي يحتوي على تسعة أعضاء. ومن المقرر أن تقوم الحكومة في «جنرال موتورز» بعد إعادة هيكلتها بالتأثير على معظم ترشيحات مجلس الإدارة، حسب ما قاله أشخاص على إطلاع بالأمر. وفي «كرايسلر»، سوف تقوم الإدارة بتسمية أربعة من تسعة مديرين، فيما سوف تختار الحكومة الكندية مديرا خامسا. وداخل البنوك، ومن بينها «سيتي غروب»، للدفع بنجاح لاختيار أعضاء جدد في مجلس الإدارة لديهم خبرة في الصناعة المالية. ومع ذلك، هناك فرق واسع بين تورط الحكومة بدرجة أكبر مع الشركات المصنعة للسيارات، ونهجها الذي تحفه قيود أكبر مع البنوك. ويحكم عملية إعادة هيكلة شركات السيارات ستيفين راتنر، وهو مستثمر سابق لديه تاريخ كبير في إصلاح الشركات. وينصح فريق العمل التابع للإدارة الشركات بأن تقلل من عمليات وأن تخفض من توقعاتها بشأن المبيعات، ومن مطالبات الدائنين. وتلعب الإدارة دورا بارزا في حث مستثمري وموظفي «كرايسلر» على تقديم التضحيات المطلوبة، للسماح للشركة بإعادة هيكلة نفسها، في إطار عملية إشهار الإفلاس، كما أنها تضغط على «جنرال موتورز» لكي تسير في الطريق نفسه. وقامت الإدارة بالإطاحة بالرئيس التنفيذي في «جنرال موتورز» ريتشارد واغونر، وهندسة عملية دمج «كرايسلر» في «فيات». ويقول بعض المحللين، إن الحكومة تحتاج لبذل جهد أكبر، ويقول سوزان هلبر، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة كيس ويسترن رزيرف المتخصص في قطاع السيارات: «إذا كان يحدوهم الخوف الشديد من التدخل، فإن هذه النتائج الضعيفة سوف تستمر أو تصبح أسوأ. ولكن، يحذر هلبر، وآخرون من أن الحكومة تذعن في النهاية للمديرين الذين يعرفون كيف يمكن صناعة سيارات جيدة مرغوب فيها. وعلى النقيض، فإن التعامل مع البنوك يشرف عليه سومرز، وهو اقتصادي يرى أن الشركات يجب أن تدير شؤون نفسها. وتخطط الإدارة للاعتماد على منظمين مصرفيين، يقومون بالفعل بالإشراف على «سيتي غروب» و«جي إم آيه سي» لإعادتهما إلى نشاطهما. ويشرف بالأساس على «سيتي غروب» المصرف الاحتياطي الفيدرالي ومكتب تدقيق حسابات العملة. ويتبع الاثنين موظفون في مقرات «سيتي غروب» في نيويورك. ويعقد المنظمون اجتماعات مع المسؤول المالي الرئيسي بالشركة، والمسؤول عن المخاطر. وبناء على تشجيع من المنظمين، عينت «سيتي غروب» رئيسا جديدا في يناير (كانون الثاني) وأضافت أربعة مسؤولين تنفيذيين ماليين سابقين في مجلس الإدارة في مارس (آذار). ويدعو المنظمون الشركة لبيع وحدات تجارية ولزيادة رأس المال الإضافي. وخلصت اختبارات الضغط الحكومية إلى أن «سيتي غروب» تحتاج إلى زيادة 5.5 مليار دولار إلى وسادتها من الأسهم العادية. ولكن، يحذر بعض الخبراء من أن هناك منظمين غير مجهزين للتعبير عن مصالح الحكومة كمساهم. ويقول كارن شاو بيترو، الشريك الإداري في «فيدرال فينانشال أنالتكس»: «إنه ليس معدا للقيام بذلك، وهو مثال آخر على أن وزارة الخزانة تبحث عن الحل الأقل سوءا».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط».