القراءة الخاطئة للسوق قادت عملاق السيارات الأميركية «جنرال موتورز» إلى الإفلاس

قالت إن أصولها 82 مليار دولار وديونها 172 مليارا والخزانة الأميركية ستمولها بـ50 مليارا لإعادة هيكلتها

الرئيس التنفيذي لشركة «جنرال موتورز» فريتز هندرسون يتحدث في مؤتمر صحافي في نيويورك عقب تقدم الشركة بطلب إشهار الإفلاس لحمايتها من الدائنين (رويترز)
TT

قبل ثمانية أشهر فقط، وقف ريك واغونر، الذي كان يشغل حينئذ منصب الرئيس التنفيذي لعملاق صناعة السيارات الأميركي «جنرال موتورز»، أمام مئات من موظفي الشركة ليحتفي بالذكرى المائة لإنشاء الشركة. وقال محدثا الحشد: «شركتنا مستعدة لتولى الصدارة لمائة عام أخرى».

وبدلا من تولي الصدارة، اقتفت «جنرال موتورز» أثر شركات أخرى متعثرة وذهبت إلى محكمة إشهار الإفلاس أمس لتحدث موجة من الصدمات في قطاعات الصناعة الأميركية إذ أعلنت أمس أنها ستغلق 14 من مراكزها الصناعية بحلول 2012، وهي عملية كانت مقررة لكنها ستطبق أسرع مما كان متوقعا قبل ثلاثة أشهر.

وشهرت «جنرال موتورز» إفلاسها في نيويورك أمس وذلك في ثالث أضخم قضية ترفع بموجب الفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس في تاريخ الولايات المتحدة، لحماية نفسها من الدائنين.

وكان هذا التحرك متوقعا على نطاق واسع بعدما قال مسؤولون بإدارة الرئيس باراك أوباما يوم الأحد إن شركة صناعة السيارات ستتخذ إجراء قبل فتح أسواق المال.

وقالت الشركة في طلب الإفلاس أمس إن أصولها تبلغ 82 مليار دولار وديونها 172.8 مليار دولار وإن أكبر دائنيها هو صندوق ويلنغمتون الذي يمثل مجموعة من حملة السندات بقيمة 22.8 مليار دولار واتحاد عمال السيارات 20.6 مليار دولار، وبناء على قيمة أصولها التي بلغت 82 مليار دولار بنهاية مارس (آذار) يحتل إفلاس «جنرال موتورز» المرتبة الثالثة بعد «ليمان براذرز وورلد كوم» من حيث الحجم.

وقالت «جنرال موتورز» في إشعار أُرفق بطلب إشهار إفلاسها، إن مجلس إدارتها صوت يوم الأحد بالموافقة على طلب الحماية القضائية.

وأوضحت وكالة «رويترز» للأنباء أن وزارة الخزانة الأميركية ستقدم تمويلا قدره 50 مليار دولار لشراء حصة نسبتها 60 في المائة في الشركة بعد إعادة الهيكلة.

وتأمل الحكومة الأميركية في إعادة شركة «جنرال موتورز» على وجه السرعة إلى المسار الصحيح، وتسعى لتحقيق ذلك خلال 60 ـ 90 يوما من تاريخ إشهار الإفلاس.

وستستحوذ الدولة الأميركية على 60 في المائة من شركة «جنرال موتورز» بينما ستستحوذ كندا على 12 في المائة بموجب خطة لإنقاذ الشركة وإصلاحها.

وارتفعت فرص الإبقاء على شركة «جنرال موتورز» وإنقاذها من الانهيار بعد أن نجح ممثلو الشركة والحكومة الأميركية والدائنين في التوصل في اللحظات الأخيرة من مفاوضاتهم خلال اليومين الماضيين إلى اتفاق مع أغلبية الدائنين.

ويقضي الاتفاق بحصول الدائنين على 10 في المائة من الشركة بعد إصلاحها مقابل تخليهم عن أموالهم المستحقة على الشركة والتي تقدر بنحو 27 مليار دولار.

ومن الممكن أن ترتفع هذه الحصة فيما بعد إلى 25 في المائة، وستحصل نقابة العاملين بقطاع السيارات على 17.5 في المائة من الشركة الجديدة مقابل أسهمها في الشركة القديمة.

وسارعت شركة «أوبل» المملوكة لـ«جنرال موتورز» إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية ضد انجرافها في دوامة إفلاس الشركة الأم وذلك من خلال إيجاد مستثمرين لشراء الشركة.

وتقف شركة «جنرال موتورز» على مفترق طرق بعد إعلان إفلاسها، وذلك بعد نحو مائة عام من تأسيسها وبعد أن تربعت لمدة طويلة على قمة صناعة السيارات في العالم قبل أن تُضطرّ إلى إخلاء هذا المركز لمنافستها الأولى «تويوتا» اليابانية. وتواجه «جنرال موتورز» التي ما زالت الكبرى في قطاع السيارات الأميركي أحد احتمالين لا ثالث لهما، فإما أن تلجأ إلى بداية جديدة وقوية، وإما أن تنهار.

وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية أن «جنرال موتورز» أصبحت ثاني ضحية للأزمة المالية والاقتصادية العالمية في قطاع السيارات الأميركي خلال ثلاثين يوما بعد منافستها «كرايسلر» التي سبقت «جنرال موتورز» بإشهار الإفلاس وطلب الحماية من الدائنين. أما شركة فورد التي تحتل المركز الثاني بعد «جنرال موتورز» في ترتيب كبرى شركات السيارات الأميركية فتناضل من أجل البقاء دون الاعتماد على مساعدات حكومية وذلك رغم الخسائر الفادحة التي مُنيت بها جراء الأزمة التي تقدر بمليارات الدولارات.

ويأتي إشهار إفلاس «جنرال موتورز» بعد تاريخ طويل لهذه الشركة ساعدت فيه على نقل مئات الآلاف من العمال الأميركيين إلى الطبقة الوسطى. وغيرت ديترويت ليكون شبيها بوادي السيليكون في ذروة نشاطه، وهو الذي يعد رمزا للموهبة الابتكارية الأميركية. وصنعت الشركة سيارات شهيرة، مثل «كاديلاك»، التي أصبحت مرادفا للرفاهية.

ونقل تقرير لـ«نيويورك تايمز» عن جيم وانغرز، وهو مسؤول تنفيذي متقاعد كان يعمل في «جنرال موتورز» وكان جزءا من الفريق الذي أسس السيارة «بونتياك جي تي أو» ومؤلف «أيام العظمة» عن أيام تألق «بونتياك» خلال الستينيات: «ما كان يمكنني تصديق أن يأتي يوم وتمضي الأشياء بهذه الطريقة. كنا ناجحين جدا».

وأُسست «جنرال موتور» في عام 1908، وسادت في قطاع صناعة السيارات على مدى أكثر من نصف قرن، مع سلسلة واسعة من السيارات، لتعكس تعهد الشركة بتقديم «سيارة تناسب مختلف المستويات المالية ومختلف الأغراض».

ودخلت عبارة «النافع لـ(جنرال موتورز) سيكون ذا نفع لعموم البلاد» إلى المعجم، على الرغم من أنها كانت استشهادا خاطئا من تشارلس ويلسون، رئيس «جنرال موتورز» في بداية الخمسينيات.

ولكن بعد ذلك بدأت «جنرال موتورز» عملية طويلة وبطيئة أضعفت فيها نفسها، حيث أصبحت نقاط القوى، مثل الهيكلة الحازمة التي ضمنت الانضباط في البداية، نقاط ضعف، كما أنها فقدت قدرتها على قراءة سوق السيارات الأميركية التي ساعدت على بنائها، وفي الوقت نفسه تمكنت فيها الشركات اليابانية المصنعة للسيارات من جذب حتى أكثر المشترين ولاء لها. ومن المتوقع أن تتجاوز تبعات الإفلاس نطاق ديترويت، لتصل إلى المدن الصناعية في أجزاء أخرى من ميتشغان وغيرها من الولايات مثل إنديانا وتينيسي ولويزيانا، وأكثر من ذلك، سيكون لها أثر في فيفث أفنيو داخل نيويورك حيث شيدت مقرها المالي، وإبكوت في «وولت ديزني وورلد» في فلوريدا، حيث ترعى «جنرال موتورز» «تست تراك بافيليون»، وهو معرض لأحدث السيارات التي تنتجها.

وتنتج مصانع «جنرال موتورز» سيارات عائلية وشاحنات وسيارات فخمة عالية الأداء، وكانت مصانع «جنرال موتورز» رمزا للرفاهية بالنسبة إلى المدن التي كان من حظها أن تستضيفها. ووضعت «جنرال موتورز» سبرينغ هيل، بولاية تينيسي، على الخريطة عندما اختارت المدينة لمصنع ساتورن التابع لها في عام 1985، وكان ذلك سببا في ظهور منازل وفنادق ومطاعم داخل القرية. وكان المسؤولون داخل المدن في مختلف أنحاء أميركا، وفي سبرينغ هيل، ينتظرون بقلق أمس مكالمات تليفونية ليعلموا ما إذا كانت مصانعهم ضمن المصانع الأربعة عشر التي ستعلن «جنرال موتورز» إغلاقها في إطار الجولة الأخيرة من عمليات تقليص النشاط. ولكن، حتى بعد ذلك ما زالت «جنرال موتورز» تستطيع أن تزعم أنها الشركة الأكبر المصنعة للسيارات داخل الولايات المتحدة.

وبالنسبة إلى «جنرال موتورز»، فإن هذه الحقيقة البسيطة استُخدمت لمدة طويلة كميزة تستطيع بها الشركة إنهاء النقاشات.

وإذا كان المنتقدون على حق بدرجة كبيرة بخصوص جميع الأخطاء المرتبطة بـ«جنرال موتورز»، فلماذا اشترى الكثير من الناس سياراتها؟

لقد كان للشركة بالفعل أعداد كبيرة من المشترين الأوفياء، ولكن الشركة خسرت معظمهم في سلسلة من الإجراءات الاستراتيجية والثقافية الخاطئة التي بدأت في الستينات من القرن الماضي. وقامت بمحاولات كان يعوزها الكفاءة في الثمانينات بهدف تقليل التكلفة عن طريق استخدام أسس سياراتها في ماركات مختلفة، الأمر الذي أضر بتميزها.

ورضخت «جنرال موتورز» لمطالب نقابية عام 1990، وأنشأت برنامجا كانت تعطي في إطاره رواتب للعمال حتى عندما تكون المصانع خارج نطاق العمل، الأمر الذي أجبرها على إنتاج سيارات وشاحنات لم تكن تستطيع بيعها دون محفزات كبرى.

وناقش الفريق المسؤول عن شؤون التمويل داخلها مع المسؤولين عن تطوير المنتجات وعن التسويق الذي روجوا من خلاله لإنفاق كبير على السيارات والشاحنات الجديدة. ولجأت «جنرال موتورز» إلى ممارسة ما أطلق عليه «أنتج واترك»، عن طريق إنفاق المليارات لإتاحة سيارات في السوق، ولكن بعد ذلك توقف دعمها باستخدام إعلانات مستمرة لأنها كانت مضطرة إلى رعاية عدد كبير للغاية من العلامات.

ومع تراجع حصتها السوقية، لم يكن في استطاعة «جنرال موتورز» أن تولي موديلات السيارات والعلامات التجارية المتعددة الاهتمام الفردي الذي ساعد «هوندا» على جذب العملاء إلى السيارة «أكورد» وساعد «تويوتا» على جذبهم إلى «كامري». وقلّ اهتمام «جنرال موتورز» بالسيارات التي احتاجت إلى وقت كي تعثر على جمهور، كما حدث عندما أنتجت الشركة السيارة «إي في 1» الكهربائية، وبعد ذلك تركتها في 1999 بعد مرور ثلاثة أعوام فقط.

وفي الوقت الحالي يجري تقليم تشكيلة العلامات التابعة لـ«جنرال موتورز»، مع تخلص الشركة من أقسام مثل «بونتياك».

ويقول وانغرز لـ«نيويورك تايمز»: «لم يول أي شخص احتراما لهذا الشيء الذي يطلق عليه (صورة الشركة) لأنه لم يكن في الخطة التجارية، وكان الأمر كله حول (متى يمضى هذا لتحقيق أرباحا؟)».

وبمرور الأعوام، أصبح المسؤولون التنفيذيون بـ«جنرال موتورز» متمرسين على فن شرح مشكلاتهم، وكانوا يلقون باللائمة على أي شخص دونهم.

وتضم هذه القائمة اتحاد عمال قطاع السيارات بسبب طلب تغطية رعاية صحية ومعاشات (على الرغم من أن «جنرال موتورز» وافقت على تقديمهما)، ومنظمي الحكومة بسبب فرض قواعد قالت «جنرال موتورز» إنها أعاقت قدرتها التنافسية، والحكومة اليابانية لأنها ساعدت الشركات المصنعة للسيارات التابعة على الدخول إلى السوق الأميركية، ووسائل الإعلام لأنها لم تعط التقدير المناسب لسيارات «جنرال موتورز» والخطوات الواسعة التي كانت الشركة تقطعها في تحسين هذه السيارات.

وعندما سُئل الرئيس التنفيذي الراحل لـ«جنرال موتورز» روجر سميث في عام 1995 عن السبب الذي يقف وراء عدم تحركه بصورة أسرع لإعادة تنظيم الشركة، قال: «أما كان سيكون رائعا لو استطعنا تغيير الوضع؟».

وخلال الأسبوع الماضي قال نائب رئيس «جنرال موتورز» المتقاعد حديثا روبرت لوتز إن الشركة المصنعة للسيارات اختبرت «أذى كبيرا، الكثير منه لم يكن سبب ما قمنا به».

ولم يتم دعم الشعارات بإجراءات تنفيذية، فعلى سبيل المثال ارتدى المسؤولون التنفيذيون دبوسا كان يحمل الرقم «29» في إشارة إلى الحصة السوقية التي تعهد الشركة باستعادتها (معظم الشركات تركز على الأرباح). وخلال أبريل (نيسان) من العام الحالي كانت حصة الشركة تبلغ نسبة 19 في المائة، ويعد ذلك تراجعا كبيرا عن أكبر نسبة حققتها الشركة في عام 1954. وبدأ العملاء في لوم «جنرال موتورز» على السيارات التي تتوفر فيها معايير الأداء التقليدية، وأعطاها العملاء فرصة ثانية وثالثة، ولكن بدأ الكثيرون في النهاية التحول إلى ماركات أخرى، الأمر الذي سيجعل من الصعب على «جنرال موتورز» استعادتهم.

وكان واغنر قادرا على الاستمرار في وظيفته أكثر مما كان يتوقع الناس، مع تراجع أسهم «جنرال موتورز» بصورة مطردة من نحو 70 دولارا عندما تولى مهام منصبه في بداية العقد. وأغلق السهم على 75 سنتا يوم الجمعة.

وقامت إدارة أوباما بالإطاحة بواغونر، وتقوم الإدارة حاليا بالتجهيز للإجراءات للدفع بالشركة إلى محكمة إشهار إفلاس. وسيقوم قاضٍ ببدء الإجراءات لبناء «جنرال موتورز» جديدة، ولكنها أصغر، وهي الشركة التي يمكن أن يكون لها حظ أفضل في قرن ثان. وسيكون على الشركة المصنعة للسيارات التي سيطرت على الساحة في سوق السيارات الأميركية لمدة طويلة أن تستعيد هذا الموقع مرة أخرى.