السعودية: إنشاء سوق مالية لتداول الصكوك والسندات

خبراء ماليون لـ «الشرق الأوسط»: القرار يمثل قناة آمنة للاستثمار وسوقا جديدة للتمويل والإقراض

TT

وافقت أمس الحكومة السعودية، على إنشاء أول سوق مالية متخصصة بتداول الصكوك والسندات، لتكون ثاني سوق مالية بعد سوق تداول الأسهم المحلية، في إشارة واضحة لتشجيع الشركات المدرجة للتوجه نحو إصدار الصكوك، في أكبر سوق مالية من حيث القيمة السوقية بمنطقة الشرق الأوسط. وأعلنت هيئة السوق المالية ـ السلطة التشريعية والإشرافية على السوق المالية ـ عن موافقة مجلس الهيئة أمس السبت، رسميا على إنشاء سوق مالية لتداول الصكوك والسندات في المملكة، ضمن سعيها المتواصل والمتدرج لتطوير السوق المالية المحلية. ويرى الدكتور عبد الوهاب أبو داهش، أن الإعلان عن إنشاء سوق متخصصة في الصكوك جاء متأخرا، إلا أنه يصدر الآن ـ على حد تعبيره ـ أفضل من أن يصدر متأخر أكثر، خصوصا أن شركات بدأت تصدر سندات وصكوكا بالريال السعودي. ولفت أبو داهش، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنه أصبح من المهم وجود سوق مالية للصكوك والسندات، موضحا أن عملية تنظيم السوق المالية خلال السنوات القليلة الماضية، ربما أدى إلى هذا التأخير، الذي يمكن أن يكون قد ساهم في خوض بعض الشركات تجربة إصدار السندات والصكوك. وبين أبو داهش، أن أهمية وجود سوق الصكوك تنبع من وجود قنوات جديدة لاقتراض الشركات من الجمهور، عبر إصدار الصكوك والسندات، وتشجعها على عملية التمويل وأنشطة التوسع، باعتبارها سوقا إقراضية جديدة يمكن أن تساند البنوك في عملية التمويل، إضافة إلى مساعدة شركات كالتمويل العقاري، لتستطيع أن تصدر قروضا مدعومة بالأصول، كالمنازل أو السيارات المباعة مقابل عوائد على تلك الصكوك.

ولفت أبو داهش، إلى أن السوق الجديدة ستوفر للمستثمر الفرد قناة استثمارية آمنة بخلاف الأسهم، مبينا أن عملية الاستيعاب لكيفية عمل الصكوك وحساب الاستفادة منها قد تأخذ وقتا.

ويفيد الخبير المصرفي، أن السوق ستشجع الشركات التي تحاول منذ زمن ألا تعتمد على القروض البنكية من خلال الاستفادة من إصدار سندات الدين، وتتعطش أن تفتح لها آفاقا جديدة، لكنه توقع تزايد الاشتراطات على الشركات المساهمة الراغبة في عملية الإصدار، حيث ستحتاج إلى تصنيف ائتماني، وأن يكون لديها هيكلة إدارية ومالية وإفصاح وشفافية عالية. وكانت الشركات السعودية، قد توجهت خلال السنوات القليلة الماضية نحو إصدار الصكوك محليا وخارجيا، كان من بينها ما ذهب إلى الإصدار بالريال السعودي كالبنك السعودي الهولندي، وشركة دار الأركان، بينما كان قصب السبق لإصدار الصكوك لشركة «سابك» فشركة «كهرباء السعودية».

وذكرت هيئة سوق المال، أن السوق الجديدة ستقدم خدمات مختلفة في هذا المجال، مثل إدراج الصكوك والسندات وإرسال الأوامر وتنفيذ الصفقات والتقاص والتسوية ونشر بيانات الأسعار والحفظ والتسجيل، موضحة أن جميع الخدمات ستقدم آليا مما يمكن المستثمرين من تداول الصكوك والسندات عن طريق شركات الوساطة المرخص لها. وقالت هيئة السوق المالية، إن شركة السوق المالية السعودية (تداول) قامت بتطوير سوق السندات والصكوك، مضيفة أنها ستوفر التفاصيل المتعلقة بها وخصائصها وموعد بدء العمل فيها.

من ناحية أخرى، شككت مصادر متخصصة في الأنظمة والقوانين، أن تكون السوق المعلن عنها مستقلة أكثر من أن تكون نظاما إلكترونيا فقط، يقوم بمهام تنفيذ الأوامر ونشر البيانات والحفظ والتسجيل وإظهار الأسعار، مشيرا إلى أن تفاصيل لوائح وأنظمة هيئة السوق المالية تكشف أنه لا توجد سوى سوق مالية تتمثل في «تداول».

وذكرت المصادر (تحتفظ الصحيفة باسمها) أن تسمية «سوق» غير دقيقة، مع منع النظام الذي أوضح صراحة بأنه لا يوجد سوى سوق واحدة هي «تداول»، المسموح بها نظاما مفيدا أن أي سوق أخرى لا بد أن تصدر بأمر ملكي من مجلس الوزراء. وقالت المصادر في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إن السوق المالية المسموح بها لتقديم خدمة تداول الأوراق المالية، تأتي في سياقها إصدار الصكوك والسندات، التي تعرفها اللوائح بأنها أوراق مالية، وعليه لا يرشح أن تكون سوقا مالية أكثر من أنها نظام إلكتروني معتمد فقط. من جهة أخرى، يرى فضل البو عينين، الخبير المالي السعودي، أن السوق ستشكل إضافة إيجابية خاصة في مرحلة ما بعد الأزمة الاقتصادية، مرجعا السبب إلى وضوح الحاجة الملحة لوجود سوق صكوك وسندات، لتكون خيارا أمام قطاعات الإنتاج لتوفير التمويل المناسب، كما أنها تحقق الأهداف الاستثمارية لأصحاب الرساميل الضخمة، الذين يبحثون عن أدوات استثمارية متدنية المخاطر، يمكن أن تساعد في تشكيل المحافظ الاستثمارية.

وقال البو عينين، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن الفائدة ستتحقق بوجهين «الاستثمار» و«التمويل»، مفيدا أن الأسواق العالمية تعتمد على أسواق السندات كمصدر للمصادر التمويلية الرئيسة، بينما في المملكة اعتمدت الثقافة التمويلية على ثلاثة مصادر: المصدر الخاص لملاك الشركة، والثاني قطاع المصارف، والثالث الصناديق الحكومية.

وزاد: «لكن لا وجود لسوق السندات، التي يمكن من خلالها توفير الكم الأكبر من الائتمان لقطاع الإنتاج، هذا لا ينفي وجود نماذج ناجحة في إصدار السندات، إلا أنها لم تصل إلى مرحلة التمدد والانتشار في السوق».

وأبان البو عينين، أن هناك شريحة عريضة من الشركات التي لا تستطيع الحصول على تمويل من البنوك أو الصناديق الحكومية، مقابل من يرغب في شراء سندات أو صكوك إذا ما طرحت بشكل نظامي مقنن، وهو ما يعزز توقع أن توفر السوق الجديدة مصادر تمويلية جديدة لم تكن متاحة لها من قبل، موضحا أن هناك أيضا شركات ضخمة تحتاج إلى قروض مجمعة، تتجاوز في حجمها قدرة القطاع المصرفي على التمويل. ويرى الخبير المالي البو عينين، أن من إيجابيات السوق الجديدة قدرتها على أن تكون صمام أمان وتحكم في السيولة الداخلية، متى ما كانت منظمة وفق المعايير العالمية، حيث ستستطيع من خلالها ضبط السيولة في السوق المحلية، موضحا أن الأزمة المالية عجلت بإنشاء سوق الصكوك.

وأضاف البوعينين، أن هناك بطئا في تنفيذ سوق الصكوك والسندات، لكن بعد الأزمة الاقتصادية العالمية وشح الائتمان عجل في إنشاء هذه السوق، لتكون جزءا من الحل فيما يتعلق بالائتمان الداخلي، لتدعم حاجة سوق المال لوجود سوق الصكوك والسندات، وإن عجلت الأزمة بتنفيذها.