مجموعة الثماني: الاقتصادات تستقر لكن التعافي من الأزمة يبقى غير مؤكد

غايتنر: من السابق لأوانه إنهاء إجراءات التحفيز الاقتصادي > غالي: مجموعة الـ8 فشلت في تغيير ميزان القوة بصندوق النقد

صورة جماعية لوزراء مالية مجموعة الثماني ومعهم ضيوفهم من الاتحادين الأوروبي والأفريقي وصندوق النقد والبنك الدولي (إ.ب.أ)
TT

قالت مجموعة الثماني لدول العالم الغنية، أمس، إن اقتصاداتها تظهر علامات على الاستقرار لكن التعافي من أزمة الائتمان يبقى مزعزعا. وقال بيان أصدره وزراء مالية مجموعة الدول الثماني «هناك علامات على الاستقرار في اقتصاداتنا بما في ذلك تعافي أسواق الأسهم وانخفاض فروق أسعار الفائدة وتحسن ثقة الشركات والمستهلكين». وأضاف الوزراء في البيان الذي صدر بعد اجتماع استمر يومين في جنوب إيطاليا «لكن الوضع يبقى غير مؤكد وما زالت هناك مخاطر كبيرة على الاستقرار الاقتصادي والمالي». وأكد وزراء ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وروسيا واليابان أنهم بدأوا في دراسة سبل لإنهاء إجراءات الإنقاذ الاقتصادي حال التيقن من الانتعاش. وطلبوا من صندوق النقد الدولي تحليل «استراتيجيات للخروج» من برامج التحفيز القوية. وتريد مجموعة الثماني طمأنة أسواق السندات المتوترة التي ترتفع فيها العوائد بشكل حاد لأنها تخشى أن الإنفاق الحكومي الضخم والانخفاض الحاد لأسعار الفائدة المصرفية قد يذكيان التضخم ويلحقان أضرارا شديدة بالميزانيات الحكومية. لكن الوزراء أوضحوا ـ وهم يشيرون إلى أن البطالة ربما تستمر في الارتفاع حتى بعد تعافي الإنتاج ـ أن من غير المرجح أن تشدد الدول سياساتها قريبا. وقالوا «يتعين أن نبقى في يقظة لضمان استعادة ثقة المستهلكين والمستثمرين بالكامل وأن يلقى النمو دعما من أسواق مالية مستقرة تستند إلى أسس قوية»، متعهدين باتخاذ مزيد من الإجراءات التحفيزية عند الحاجة. وفي علامة على استمرار الانقسامات بين أعضاء مجموعة الثماني حول كيفية معالجة الأزمة لم يتضمن البيان أي إشارة صريحة إلى «اختبارات الضغوط» لتحديد القوة المالية للبنوك واكتفى بالقول إن الدول ستتخذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة البنوك الكبرى. وتحث الولايات المتحدة وكندا أوروبا على زيادة جهودها لاختبار بنوكها وإعلان النتائج لكن بعض الدول الأوروبية تقاوم نشر النتائج.

من جهة أخرى قال وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر، أمس السبت، إن من السابق لأوانه البدء في إنهاء إجراءات التحفيز لأكبر الاقتصادات في العالم، لكن ينبغي على الحكومات أن تبدأ في وضع خطط لتعزيز أوضاعها المالية في المستقبل. وبحسب «رويترز» أضاف غايتنر في بيان بعد انتهاء اجتماع وزراء مالية الدول الثماني الغنية في ليتشي بجنوب إيطاليا «يجب أن يبقى النمو محط التركيز الرئيسي للسياسة بين الاقتصادات في مجموعة الثماني والاقتصادات في مجموعة العشرين». وقال إن الحكومات بحاجة إلى مواصلة تعزيز التحسينات التي حدثت أخيرا في الطلب العالمي وإرساء الأساس «لانتعاش معمر». «من السابق لأوانه التحول إلى سياسة تقييدية... لكن الانتعاش الاقتصادي والمالي سيكون أقوى وأكثر استمرارية إذا أوضحنا كيف نعود إلى أوضاع مالية قوية عندما تنتهي العاصفة بشكل كامل» وقال غايتنر إنه لذلك السبب فإن الولايات المتحدة ملتزمة بخفض العجز في ميزانيتها بشكل سريع إلى مستوى يمكن تحمله ابتداء من 2011 وستعمل على تقليل تكاليف الرعاية الصحية على المدى الطويل والتي تزيد العجز. وأضاف قائلا «برامجنا لإصلاح أسواق الائتمان والنظام المالي مصممة بحيث تكون مؤقتة ويمكن الرجوع عنها بسرعة». وقال غايتنر إن الاقتصاد العالمي يمر بفترة انتقالية مع تباطؤ معدل تراجع الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الكبرى، في حين يتسارع النمو في بعض الاقتصادات الصاعدة مثل الصين وتظهر التجارة العالمية علامات على الحيوية. وأضاف قائلا «قوة العاصفة الاقتصادية تنحسر. هناك علامات مشجعة على انتشار الاستقرار في كثير من الاقتصادات».

وقال وزير المالية البريطاني اليستير دارلينغ أإن اقتصاد بريطانيا في طريقه للعودة إلى النمو بحلول نهاية العام الحالي لكن الضعف في دول أخرى وزيادة أسعار النفط سببان لتوخي الحذر. وأضاف دارلينغ أن الإجراءات القوية للتحفيز الاقتصادي، التي اتخذتها بريطانيا ودول أخرى منذ العام الماضي، تؤتي أثرها، لكن انتشار هذا الأثر في الاقتصاد سيستغرق بعض الوقت. وقال دارلينغ في مقابلة مع «رويترز» أمس السبت «ما زلت واثقا أن ما قلته في الميزانية صامد.. أننا سنبدأ في رؤية عودة إلى النمو أواخر هذا العام». «الكثير سيعتمد على أن تحقق الدول الأخرى تقدما في تطهير ميزانياتها وعلى التقلبات في أسعار السلع الأساسية.. النفط على سبيل المثال.

لهذا أعتقد أن هناك أسبابا تدعو إلى توخي الحذر». وأشارت مجموعة من الدراسات الميدانية في الأيام القليلة الماضية إلى أن الاقتصاد البريطاني ربما اجتاز أسوأ مرحلة في الركود. وقال المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية الأسبوع الماضي إن الركود في بريطانيا انتهى في أبريل (نيسان) ويتكهن كثير من الخبراء الاقتصاديين بأن الاقتصاد ربما استأنف النمو في الربع الثاني من العام.

من جهة أخرى قال رئيس لجنة التوجيه بصندوق النقد الدولي أمس إنه يجب على الدول الغنية في العالم أن تظهر إدراكا للحاجة الملحة و«الرؤية السياسية» لإعطاء مزيد من التأثير للدول الصاعدة في صندوق النقد الدولي. وفي مقابلة في أثناء اجتماع وزراء مالية مجموعة الدول الثماني في جنوب إيطاليا قال وزير المالية المصري يوسف بطرس غالي إنه قلق من أن الإحساس بالحاجة الملحة لإدخال إصلاحات على صندوق النقد الدولي يتلاشى، في الوقت الذي يظهر فيه الاقتصاد العالمي مؤشرات على التحسن. وقال بطرس غالي الذي يرأس لجنة التوجيه بصندوق النقد الدولي لـ«رويترز»: «مع استقرار الأزمة فإن الحاجة الملحة إلى التغيير تتلاشى... لا أريد أن أرى أننا تجاوزنا هذه الأزمة دون أن نستثمرها في إحداث تغيير أساسي لكي نمنعها (الأزمة) من أن تبدأ مرة أخرى». وأضاف قائلا: «نحن نحتاج إلى رؤية سياسية.. بنفس الطريقة التي حدث بها تحرك مهم في الأزمة الاقتصادية فقط عندما اجتمع الزعماء في لندن.. سيكون هناك تحرك مهم فقط عندما يجتمع الزعماء معا لبحث إصلاح الحصص في صندوق النقد الدولي». وقال إن إعطاء مزيد من الأصوات لدول مثل الصين وروسيا ـ التي قالت إنها مستعدة للمساهمة بمزيد من الأموال في صندوق النقد الدولي ـ كان «جزءا من الإصلاح». وعبر بطرس غالي عن تأييده لاقتراح من الصين لإنشاء عملة عالمية جديدة تحل محل الدولار كعملة الاحتياطي الرئيسية في العالم، وإن كان أكد على أن هذا مشروع طويل الأجل أمامه الكثير من العقبات المحتملة. وقال: «الفكرة جذابة لكنها مشروع كبير سيستغرق وقتا طويلا. لكي يصبح عندك عملة احتياطي بديلة فإنك تحتاج إلى أن توجدها وتحتاج إلى من يصدرها وتحتاج إلى سوق لها». وأضاف أن وحدة الصرف الداخلية لصندوق النقد الدولي ـ حقوق السحب الخاصة ـ هي عملة محاسبية ولن تكون وحدة مناسبة للمشروع مثلما اقترحت الصين وروسيا. وقال بطرس غالي إن من السابق لأوانه الاهتمام كثيرا بسحب الحوافز المالية والنقدية التي تتدفق على اقتصادات العالم للتصدي للركود، وأضاف قائلا: «دعونا نركز على ما هو قائم هنا والآن.. إننا في المرحلة الأخيرة من إخماد الحريق.. دعونا نطفئه ونتأكد من أنه لا توجد جمرات ينبعث منها الدخان هنا وهناك، ثم بعد ذلك نركز على سحب الحوافز». وقال إن الدول الأفريقية ما زالت تحتاج إلى تحفيز اقتصاداتها، ولهذا فإنها تحتاج إلى مزيد من المساعدة من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وأضاف قائلا: «مسؤوليتنا هي إقناع المؤسسات بأن هذه الدول تحتاج إلى دعم ميزان المدفوعات بشروط ميسرة، وهي لا تحصل على ما يكفي، وأولئك الذين يحصلون على الدعم لا يحصلون عليه بالسرعة الكافية». ومتحدثا عن بلده قال بطرس غالي إنه يتوقع أن يتسارع النمو في الربع الثاني من العام إلى معدل سنوي يتراوح بين 4.3 في المائة و4.5 في المائة، بعد أن نما بنسبة 4.3 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. وقال إنه توجد مؤشرات إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر استقر بعد أن تراجع بشدة في وقت سابق في الركود العالمي، لكنه لم يعُد بعد إلى النمو. وأضاف أن العجز في ميزانية مصر سيرتفع إلى 8.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2009-2010 من 6.8 في المائة في 2008-2009.