البرلمانات والأسهم

TT

تناقش البرلمانات العربية ـ على قلتها ـ المواضيع ذات المساس بحياة المواطن، ويطرح البرلمانيون أيا كانت مسمياتهم سواء عضو برلمان أو مجلس أمة أو مجلس شعب أو مجلس شورى، المواضيع على مجالسهم بحسن نية أو بسوء نية ويكون حسن النية حينما يطرح البرلماني الموضوع بحيادية وصدق وبهدف حفظ حقوق أطراف أصحاب العلاقة ودون التحيز إلى طرف ضد آخر ولسن قانون متوازن يحفظ حقوق جميع الأطراف. ويطرح البرلمانيون المواضيع بسوء نية إذا تم الطرح لمصالح شخصية أو بدفع وإغراء من أطراف خارجية وأصحاب مصالح بهدف سن قوانين أو خلق رأي عامّ يخدم هذه المصالح التي تكون بشعة أحيانا أو إذا استهدف العضو البرلماني خلق جماهيرية له عبر ما يُطرح، ومن أهم المواضيع التي تخلق جماهيرية «الأسهم» والتجربة كانت واضحة لنا في مجلس الأمة الكويتي السابق، فقد كان البرلمانيون كلما أرادوا استنفار الرأي العام واستجلاب عواطف الشارع حركوا موضوع الأسهم لكسب مثل هذا التأييد وأحيانا بطروحات غير اقتصادية ولكنها تلبي احتياجات الناس مثل المطالبة بتعويضهم عن خسائرهم في السوق أو غيرها من الشعارات غير ممكنة التحقيق ولكنها في النهاية تكسب الشارع.

ويستهدف البرلمانيون إذا كانوا منتخبين تحريك موضوع الأسهم للشارع ليعيد انتخابهم، أما المعينون فهم يلوّحون بموضوع الأسهم إذا كانوا في مدة ولايتهم الأخيرة بهدف البقاء في ذاكرة شعوبهم.

مجلس الشورى السعودي واحد من هذه المجالس، وقد طرح عضو مجلس الشورى الدكتور عبد الرحمن العناد وبحسن نية موضوع طرح أسهم الشركات للاكتتابات العامة مما امتص السيولة حيث ذكر أن قيمة الطرح بلغت 160 مليار ريال. والدكتور عبد الرحمن العناد وأنا نتفق على أهمية الطرح ولكننا قد نختلف مع الجهات الرسمية في مسألة التوقيت، فمن المعروف أن سوق الأسهم أداة جزئية تخدم الاقتصاد الكلي لا العكس، وتأسيس الشركات قد يكون مطلبا من مطالب الاقتصاد الكلي، فعلى سبيل المثال لا يمكن تخيل اقتصاد بلا شركات تأمين وهو ما تم طرحه حيث كانت معظم الشركات المطروحة هي شركات تأمين أيضا. هيئة سوق المال تتمسك بحجة ترى أنها قوية وهي أن الشركات حينما تستكمل مسوغات الاكتتاب فهي ـ أي الهيئة ـ لا تملك سوى الموافقة على ذلك، ونحن لا نختلف مع الهيئة كثيرا ولكننا نود من الهيئة أن تجدول هذا الطرح، وقد تحتجّ هيئة سوق المال بأنها لا تملك منع الشركة من الطرح إذا اكتملت المسوغات، ونحن أيضا ضد المنع ولكننا نتمنى أن تقوم الهيئة بسَنّ قانون يُجيز لها عدم الطرح متى اكتملت المسوغات مدة 12 شهرا، وهي مدة ليست بالطويلة على الشركات بحيث تتم الجدولة خلال هذه المدة بمعنى أن تحاط السوق علما قبل 90 يوما بأن هناك عشر شركات ستُطرح للاكتتاب العام أو حتى مائة شركة حتى تستعد السوق لمثل هذا الطرح.

الأمر الآخر أن الدكتور عبد الرحمن العناد حصر الشركات التي تم طرحها في وقت هبوط السوق، وأنا متأكد أن مئات الشركات تتأهب للطرح عبر التحول إلى شركات مساهمة مقفلة أو الاكتتاب الخاص أو استخدام ما يسمح به النظام، ولكن هذه الشركات تتحين صعود السوق مما يجعل قابلية السوق لعلاوة الإصدار المرتفعة التي تتم عبر بناء الأوامر لا التقييم أمرا واردا، فأتمنى على الدكتور العناد أن يطرح على المجلس هذا الأمر إذ أنني أتوقع مع تحسن السوق أن يقوم عدد من أصحاب الشركات بطرح أسهم شركاتهم بغرض التجارة الشخصية لا غرض البحث عن القيمة المضافة للاقتصاد.

* كاتب اقتصادي [email protected]