السرية.. تضيف الدهشة والإثارة على منتجات «آبل» الجديدة

تعامل الشركة مع الأخبار الخاصة بصحة مديرها التنفيذي ليس له نظير

« آبل» باعت مليون جهاز من منتجها الجديد آي فون 3 جي إس خلال عطلة نهاية الأسبوع (رويترز)
TT

تعد شركة آبل واحدة من أكثر الشركات العالمية استقرارا، لكن هناك اتجاها واحدا رفضته الشركة: ألا وهو التحدث إلى العالم عبر المدونات وحجب كل المعلومات الخاصة بعملياتها الداخلية.

قد توجد بعض الشركات أكثر سرية بالفعل من آبل بل ومنها ما يوقع عقوبة على أولئك الذين يجترئون على انتهاك قواعد الشركة بشأن الحفاظ على المعلومات. فقد تعرض بعض الموظفين للفصل من أعمالهم لتسريبهم معلومات إلى أشخاص من خارج الشركة وقد عرفت الشركة بنشرها معلومات مضللة عن خطط منتجها بين موظفيها.

وقال مارك هامبلين، الذي عمل على تكنولوجيا الشاشات التي تعمل باللمس بجهاز آي فون والذي ترك الشركة العام الماضي: «إنهم يصيبون الأفراد بالبارانويا الشديدة فيما يتعلق بالسرية. إنني لم أر أمرا كهذا في شركة أخرى».

لكن حتى بموجب معايير آبل، فإن تعاملها مع الأخبار الخاصة بصحة مديرها التنفيذي والمؤسس المشارك لها ستيفن بي غوبز، الذي عانى من سرطان في البنكرياس وأجريت له الآن عملية نقل كبد خلال إجازته، يعد أمرا لا نظير له.

فقد أجريت لغوبز عملية زرع كبد منذ حوالي شهرين، وذلك طبقا للأفراد الذين اطلعوا على الأمر من قبل أعضاء مجلس إدارة حاليين وسابقين. وعلى الرغم من الأهمية الكبرى للحالة الصحية لغوبز لدى وسائل الإعلام والمستثمرين، رفض ممثلو آبل الحديث بشأن الموضوع قائلين إن من المتوقع عودة غوبز إلى الشركة في نهاية يونيو (حزيران).

وقد ظهر غوبز بالفعل في ساحات الشركة يوم الاثنين، وذلك بحسب ما قاله شخص قال إنه رآه هناك، لكن ممثلي الشركة لم يتحدثوا عما إذا كان سيعود بصورة دائمة أم لا. حتى أن كبار المسؤولين بالشركة يخشون الحديث بشأن غوبز. فعندما طلب من أحد المسؤولين، ممن يعتبرون أكثر انفتاحا، تقديم معلومات دقيقة عن حالة غوبز بعدما ذاعت الأنباء عن إجرائه عملية زرع كبد رد بالقول: «لا أستطيع القيام بذلك، إنها معلومات حساسة للغاية».

ليست السرية في شركة آبل مجرد استراتيجية اتصالات سائدة، ولكنها متأصلة في ثقافة الشركة حيث يجب على الموظفين العاملين في مشاريع حساسة المرور بعدد كبير من الأبواب الأمنية والكشف عن هوياتهم مرات عديدة، ثم يدخلون أخيرا شفرة رقمية للوصول إلى مكاتبهم وذلك بحسب ما قاله أحد الموظفين العاملين في تلك المناطق.

وأضاف الموظف إن أماكن العمل مراقبة بكاميرات أمنية. ويجب على العاملين في غرف اختبار المنتج بالغة الحساسية تغطية الأجهزة بأغطية سوداء عند العمل عليها، وتضاء مصابيح التحذير الحمراء في حال كشف الغطاء عن أي من الأجهزة، لذا يعرف الجميع أن عليهم المبالغة في الحذر.

نتيجة لذلك، غالبا ما يفاجأ موظفي شركة آبل بالمنتجات الجديدة كغيرهم. فيقول إدوارد إيغرمان الذي أمضى أربعة أعوام في الشركة كمهندس أنظمة ويدير الآن شركة استشارات تكنولوجية خاصة: «كنت موجودا لدى تدشين الشركة لجهاز آي بود، لكن أحدا ممن عملت معهم لم ير الجهاز قبل طرحه». تعرض إيغرمان للفصل عندما تورط في حادثة قام فيها أحد العمال المشاركين بتسريب عرض لبعض البرامج الجديدة لعملاء الخدمة. وأشار إيغرمان إلى أن آبل تحاول بانتظام البحث عن مسربي المعلومات.

وقال أحد الموظفين السابقين الذي وقع عقدا بعدم مناقشة الشؤون الداخلية إن فيليب سيشلر، النائب الأول للرئيس للتسويق عقد اجتماعات داخلية حول المنتجات الجديدة وقدم معلومات غير صحيحة حول سعر المنتج وملامحه، ثم حاولت آبل بعد ذلك تعقب مصادر الأنباء التي احتوت على بيانات غير صحيحة.

ومنذ خمسة أعوام مضت دخلت الشركة بنظامها من السرية إلى أروقة المحاكم. فقد قاضت عددا من المدونين الذين يغطون أخبار الشركة قائلة إنهم انتهكوا قوانين سرية التجارة وليسوا خاضعين التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يضمن حرية الرأي. وأصدرت محكمة استئناف كاليفورنيا حكمها لصالح المدونين واضطرت الشركة لدفع 700.000 دولار كأتعاب قانونية. كما قاضت آبل مدونا آخر يدعى ثينك سكرت ولكن كجزء من التسوية، أغلقت المدونة. وقال ريغيز ماكينا، خبير التسويق في وادي السيلكون الذي قدم استشارات للشركة بشأن استراتيجيتها الإعلامية في بداية نشاطها: إن ثقافة السرية تعود جذورها إلى إطلاق أول جهاز ماكنتوش الذي علم به منافسوها مثل مايكروسوفت وسوني قبل الكشف عنه. وقال ماكينا: «لقد بدأنا بالفعل في محاولة الإبقاء على عامل الدهشة في إطلاق منتجاتها والذي يمكن أن يكون له قوة كبيرة».

ويأتي قرار آبل بالقصور الشديد في تقليل الاتصال بوسائل الإعلام وحملة الأسهم والعامة على نقيض العديد من الشركات الأخرى التي تتبني منابر إعلامية مثل المدونات و«تويتر» وتحاول بصورة عامة أن تكون أكثر انفتاحا مع حملة الأسهم وأكثر استجابة للعملاء.

وقال غيني مانستر، المحلل في بيبر غافراي الذي قام بتغطية أنشطة آبل خلال السنوات الخمس الماضية: «إنهم لا يتجاوبون، فهي كصندوق مغلق». وقال مانستر إنه يتندر مع زملائه الآخرين الذين يغطون الشركة حول أسلوب الشركة في تقديم معلومات مضللة، لكي تبعد عنهم الإحساس بالعمل على منتج جديد أو أخبار أخرى ترغب في الاحتفاظ بسريتها. وقال قبل أربع سنوات أخبرني المدير التنفيذي لآبل بصورة مباشرة إن الشركة لا تنوي تطوير جهاز آي بود رخيص بشاشة، وبعد ذلك بوقت قليل طرحت الشركة جهاز آي بود شافل.

والتساؤل الذي يطرح نفسه أمام خبراء إدارة الشركة والمشرعين الفيدراليين، هو ما إذا كان أسلوب غوبز قد أدى إلى انتهاك القوانين التي تغطي ما يجب على الشركات الكشف عنه للجمهور حول صحة رئيسها التنفيذي. وينقسم الخبراء حول هذه النقطة الرئيسة، فيعتقد البعض منهم أن آبل ليست بحاجة إلى الكشف عن عملية زرع كبد غوبز لأنه في إجازة ونقل مسؤولية إدارة الأعمال اليومية للشركة إلى كبير الموظفين تيموثي كوك.

لكن يبدو أن خبراء الإدارة يتفقون على نقطة واحدة وهي أن السرية التي تضيف الدهشة والإثارة على الإعلان عن منتج آبل لا تخدم الشركة بصورة جيدة في النواحي الأخرى.

وقد انخفض سعر أسهم أبل بواقع 2.11 دولار ليصل إلى 137.37 يوم الاثنين وسط مبيعات سوق أكبر، لذا كان على الشركة أن تكشف عن شيء ما، فقالت إنها باعت مليون جهاز من منتجها الجديد آي فون 3 جي إس خلال عطلة نهاية الأسبوع وهو ما فاق توقعات المحللين.

*خدمة «نيويورك تايمز»