السعودية: «مؤشرات» حكومية تكشف عن «تقصير» البنوك في إقراض القطاع الخاص

صناديق دولة تسجل أعلى معدلات تمويل وخبراء يتوقعون بطء وتيرة الإقراض المصرفي حتى نهاية 2009

الصناديق الحكومية تسهم في دور بارز لسد فجوة تقلص منح القروض من البنوك المحلية في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

كشفت مؤشرات حكومية سعودية عن تقصير في الدور الإقراضي للبنوك المحلية، ومحدودية مشاركتها في عمليات التمويل مع تواصل تداعيات الأزمة العالمية الاقتصادية، في وقت تستمر مشاريع الدولة والقطاع الخاص في الطلب على التمويل.

ورصدت «الشرق الأوسط» مؤشرات أفصحت عن نمو حركة الإقراض والتمويل من قبل الصناديق التابعة للحكومة، إضافة إلى تزايد عمليات ائتمان استثمارات الشركات السعودية في الخارج، وسط مطالب في الداخل برفع قدرة السعوديين على تملك المساكن.

وكشف صندوق التنمية الصناعية السعودي في التقرير السنوي للعام المالي الماضي 2008 الذي أعلن عنه قبل أيام، عن تحقيق أعلى معدل في قيم القروض المعتمدة والمبالغ التي صرفها للمقترضين منذ إنشائه في عام 1974، نتيجة ارتفاع نسبة القروض التي اعتمدها الصندوق في العام الماضي بنسبة 1.3 في المائة، مقابل عام 2007 لتصل إلى 8.8مليار ريال (2.3 مليار دولار).

وذكرت المعلومات الواردة أن عملية الإقراض تلك غطت 107 مشروعات صناعية منتشرة في مختلف أنحاء السعودية، منها 72 قرضا قدمت للمساهمة في إنشاء مشاريع صناعية جديدة، و35 قرضا قدمت للمساهمة في توسعة مشاريع صناعية قائمة، سبق لها الاستفادة من قروض الصندوق في سنوات ماضية، وحققت نجاحا أهّلها للاستفادة مرة أخرى من خدمات الصندوق. وقد بلغ مجموع استثمارات المشاريع التي أقرضها الصندوق خلال العام 2.60 مليار ريال.

وذكر لـ«الشرق الأوسط» محمد بن سالم الدبيب المدير العام المكلف لصندوق التنمية الصناعية السعودية أن البنك بالفعل بادر إلى تسريع الفرص وتعزيز دوره الإقراضي للقطاع الخاص، مشيرا في الوقت ذاته إلى وجود دور للبنوك بمشاركتها في المشاريع التي تم إقراضها بنسب 20 إلى 30 في المائة فقط.

وأضاف الدبيب أن الصندوق أسهم في تمويل عدد من المشاريع الضخمة في معظم النشاطات، من بينها البتروكيماويات والإسمنت، مفيدا أن الصندوق عزز من دوره خلال العام المنصرم، بهدف تسريع الفرص الاستثمارية المتاحة وقيامها. ولفت الدبيب إلى أن الصندوق يتعامل بشكل احترافي مع عمليات الإقراض في المشاريع المقدمة، حيث يُجري لها تقييما دقيقا بدراسة الجدوى الاقتصادية، ملمحا في الوقت ذاته إلى أن الصندوق سيشهد كثافة في عدد المشاريع الممولة للعام الجاري 2009، ولكن دون القيمة المحققة في العام الماضي. وفي تطور آخر، وافق الصندوق ذاته على تقديم تسهيلات ائتمانية على برنامج خاص بالصادرات الوطنية لتمويل عمليتي تصدير سلع وطنية غير نفطية متنوعة من إنتاج عدد من المصانع السعودية إلى جمهورية السودان، بمبلغ إجمالي قدره 190 مليون ريال لصالح كل من شركة «حائل للتنمية الزراعية»، وشركة «دال للخدمات الزراعية المحدودة» بجمهورية السودان.

ومن بين المؤشرات، ما أقرته مؤسسة النقد العربي السعودي في منتصف الشهر الجاري حينما لجأت إلى تخفيض سعر فائدة إعادة الشراء المعاكس الذي تدفعه للبنوك التجارية عن ودائعها لديها إلى ربع نقطة مئوية في ثاني عملية خفض منذ أبريل (نيسان)، هدفت إليها لتحريك السيولة داخل الاقتصاد المحلي. وتتطلع «مؤسسة النقد» إلى أن يضطر خفض سعر إعادة الشراء المعاكس، البنوك المحلية لخفض حجم الودائع لديها، وأن يؤدي ـ نتيجة لذلك ـ إلى زيادة إمكانية التوسع في الإقراض.

وأظهرت بيانات رسمية أخيرة تراجع القروض المقدمة من البنوك السعودية إلى القطاع الخاص للشهر الثالث على التوالي في مايو (أيار)، وسط مخاوف متصاعدة بشأن الملاءة المالية لبعض الشركات المملوكة عائليا، وتعرّض البنوك المحلية لقروض متعثرة. وبحسب أرقام نشرتها مؤسسة النقد العربي السعودي - البنك المركزي - في موقعها على الإنترنت، بلغت مطلوبات البنوك على القطاع الخاص - وهي مؤشر مهم لثقة البنوك ـ 8.724 مليار ريال (3.193 مليار دولار) حتى مايو (أيار) المنصرم، وهي أدنى مستوياتها منذ أغسطس (آب).

ويتزامن هذا المؤشر مع ما شهده الأسبوع الماضي من مطالب داخلية، تمثلت في توصية من مجلس الشورى السعودي برفع قيمة القرض الذي يمنحه صندوق التنمية العقاري، ليصل إلى نصف مليون ريال، بزيادة قدرها 60 في المائة، كخطوة يراها من الممكن أن تسهم في حال موافقة الحكومة عليها، بتخفيف العبء عن المواطنين الراغبين في تملك مساكن. وتتراوح قيم القروض التي يمنحها صندوق التنمية العقاري للمواطنين حاليا بين 250 و300 ألف ريال، حيث يرى مجلس الشورى أن رفع قيمة القرض العقاري للمواطنين يهدف إلى مواجهة تكاليف البناء المرتفعة. ولم يكتف المجلس في جلسة الأسبوع المنصرم بهذا، بل أقر برفع رأس مال صندوق التنمية العقارية المدفوع، ليصبح 200 مليار ريال، بزيادة قدرها 109 في المائة، وذلك بعد أن كان يدعم بـ91 مليار ريال سنويا.

وحث مجلس الشورى في توصياته كذلك على دراسة وضع آلية للتعاون بين صندوق التنمية العقارية والمؤسسات المالية التجارية، لمنح تمويل إضافي لمن يرغب من مقترضي صندوق التنمية العقارية، تحقيقا لمصلحة المقترض والصندوق والمؤسسات المالية والتجارية.

وكانت بيانات «مؤسسة النقد» قد كشفت أيضا عن تباطؤ معدل النمو السنوي للمعروض النقدي (ن3) - وهو المقياس الأوسع نطاقا للنقد المتداول في الاقتصاد - للمرة الأولى منذ يناير (كانون الثاني) المنصرم، وسجل 9.16 في المائة في مايو (أيار) انخفاضا من 3.18 في المائة في الشهر الذي سبقه.

ووفقا لأنباء تواردت أمس، فإن التخفيضات في الريبو العكسي الذي أقرته «مؤسسة النقد» لم تحفز النمو الائتماني الذي يفترض أن يضاهي مستويات السنوات القليلة الماضية، مستشهدة برؤية خبير اقتصادي لدى أحد البنوك السعودية بأن البنوك لا تقرض منذ نوفمبر (تشرين الثاني) بسبب التباطؤ في الاقتصاد، والمخاوف بشأن سلامة بعض الشركات العائلية.

يذكر أن صافي الموجودات الأجنبية لـ «مؤسسة النقد» تراجع إلى 1.1 في المائة في مايو (أيار) الماضي، عنه في أبريل (نيسان)، مواصلا انخفاضه للشهر السادس على التوالي ليصل إلى 1.483 تريليون ريال، وهو أدنى مستوى له منذ يونيو (حزيران) 2008.

وقال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور جون أسفيكاناكيس كبير الاقتصاديين في البنك السعودي البريطاني «ساب» إن البنوك المحلية في السعودية ستستمر في سياسة ضبط منح التمويل والإقراض للقطاع الخاص حتى نهاية العام الجاري.

وأقر أسفيكاناكيس بأن هناك حقيقتين قائمتين في الشأن المصرفي، الأولى هي توجه البنوك نحو عملية تقليص الميزانيات المخصصة للإقراض، نتيجة الوضع العالمي الحالي المتأزم من نتائج الركود والاقتصاد القائم، والثانية اهتزاز الوضع الائتماني محليا، المتأتي كذلك من الأزمة العالمية. وتوقع أسفيكاناكيس أن يستمر الوضع خلال النصف الثاني، ولكن بوتيرة أبطأ، مع وجود الظروف الحالية التي لا تسمح بتوجه البنوك نحو مزيد من الإقراض، مشيرا إلى أن مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» قدمت ما بوسعها لتحفيز القطاع المالي على الإقراض والتمويل، ولا يمكنها الضغط أو التدخل في السياسات الداخلية.