ورشة تعاميم لـ«المركزي» اللبناني تنقذ القطاع المصرفي والمالي من الصدمات

عملية إعادة التقييم ساهمت إلى حد كبير في نجاة المصارف من التأثيرات الخارجية

TT

اتفق خبراء المال والاقتصاد في لبنان وخارجه على أن القطاع المصرفي والمالي اللبناني، بشقيه الداخلي والخارجي، بقي في منأى عن الصدمات التي تسببت بها الأزمة المالية العالمية، وإن كان الاقتصاد اللبناني لن يبقى بعيدا عن انعكاسات الأزمة في المدى المتوسط.

ولكن نأي القطاع المصرفي والمالي عن الصدمات كان له ما يبرره. تتمثل المبررات بالتعاميم المتتالية التي أصدرها مصرف لبنان المركزي، لا سيما في عام 2008، استدراكا لأي مشكلة يمكن أن تقع على غرار المشكلات التي كانت تذر بقرنها بين الوقت والآخر على المستوى العالمي، لا سيما الأميركي والأوروبي. كما تتمثل تلك المبررات في حرص لجنة الرقابة على المصارف على تطبيق هذه التعاميم تطبيقا يراعي مصالح المودعين وإدارات المصارف ومصلحة الاقتصاد الوطني.

ومع توسع أزمة الائتمان العالمية في أوائل عام 2008، وتعزيز إدارات المصارف اللبنانية توظيفاتها الخارجية عن طريق الإقراض للقطاع الخاص غير المقيم، والإيداعات لدى المصارف غير المقيمة، ومواكبة القطاع الخاص المقيم في أعماله خارج لبنان، ومع تصاعد تسويق الصناديق والمنتجات عالية المخاطر في لبنان، انصرف «المركزي» اللبناني إلى إعادة تقييم التشريعات والتعاميم من أجل سد الثغرات والحؤول دون انخراط القطاع المصرفي والمالي اللبناني في ما يسميه حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الأدوات المسمومة.

وأسفرت عملية إعادة التقييم عن سلسلة جديدة من التعاميم ساهمت إلى حد كبير في نجاة المصارف من التأثيرات الخارجية باستثناء حالات محدودة ومحددة. ولعل أبرز تلك التعاميم ما نص على منع المصارف والمؤسسات المالية من تملك أسهم أو حصص شراكة «تترتب إزاءها مسؤوليات غير محدودة». وثمة تعميم آخر أخضع مساهمات المصارف ومشاركاتها في أي قطاع مالي أجنبي (مصرف، مؤسسة مالية، مؤسسة وساطة مالية، هيئة استثمار جماعي، شركة تأمين..) لموافقة مصرف لبنان المركزي، أكانت هذه المساهمات أو المشاركات مباشرة أو غير مباشرة. ومن التعاميم المؤثرة أيضا ما يقضي بوجوب حصول المصارف الإسلامية على موافقة مصرف لبنان عند اعتمادها هيكليات أو منتجات تؤدي إلى خلق استثمارات إسلامية غير تلك الملحوظة في الأنظمة الصادرة عن مصرف لبنان. يضاف إلى ذلك تعميم يقضي بوجوب تنظيم البيانات المالية (الشهرية والسنوية) للوحدات الخارجية التابعة للمصارف وللمؤسسات المالية، وآخر يقضي بإجازة التعامل بـ«منتجات مالية مركبة.. شرط أن يكون تسليم السندات عينا وليس نقدا لتفادي أي خسائر قد تتحملها المصارف أو المؤسسات المالية من جراء هذه العمليات، وشرط عدم تجاوز القيمة الاسمية لهذه الأدوات المالية المركبة 10 في المائة من الأموال الخاصة للمصرف أو للمؤسسة المالية المعنية، وبعد نيل موافقة مصرف لبنان المركزي».

وحظر «المركزي» في تعميم آخر، «إقراض السندات اللبنانية المحفوظة لدى المؤسسات العالمية»، كما حظر إصدار وترويج أدوات ومنتجات مالية، خاصة تلك الناتجة عن عمليات تسنيد قبل الحصول على موافقة مصرف لبنان.

ومع بروز ظاهرة المضاربات العقارية في لبنان خلال عام 2008، وبعد التصحيح المنطقي لأسعار هذا القطاع بما يناهز 40 في المائة «كان يمكن لاستمرار هذه الموجة أن يؤدي إلى تكون فقاعة تنفجر لاحقا»، بحسب التقرير السنوي الصادر عن جمعية المصارف. لذا جرى التوافق بين السلطات النقدية وجمعية المصارف على عدم تغذية هذه الموجة من خلال التأكيد على التعاميم القائمة ورفدها بتعاميم أخرى توخت تنظيم التسليفات العقارية غير السكنية لجهة وجوب تمويل المستثمر أو المضارب من أمواله الخاصة نسبة محددة عند 40 في المائة من أي مشروع عقاري ممول من المصارف.

ولم تغفل السلطات النقدية والرقابية المحلية متابعة تطبيق اتفاقية «بازل 2» من أجل تأكيد متانة القطاع المصرفي والمالي اللبناني وصلابته.