مصرفي أرجنتيني ينقل أموال العملاء من دون علم أحد

أربيزو يؤكد عدم استفادته الشخصية، وتحويل الأموال بين الحسابات جرى لتنفيذ وعود استثمارية

TT

ترعرع داخل دوائر النخبة في بيونس آيريس، مما أتاح له تكوين اتصالات مهمة مهدت الطريق أمامه لأن يصبح نجما لامعا كمصرفي خاص في نيويورك بالنسبة لعملاء أثرياء في «يو بي إس»، و«جيه بي مورغان تشيس»، إلا أنه في الوقت الذي تولى فيه هرنان إي. أربيزو إدارة ثروات عملائه الأثرياء في أميركا الجنوبية، اعترف أنه اختلس ملايين الدولارات من أموالهم على امتداد عدة سنوات خلال عمله بكلا المصرفين، من دون أن يلحظ أحد من المسؤولين هناك. وما زاد الطين بلة اعتراف أربيزو أنه اعتاد بصورة منتظمة الاطلاع على حسابات العملاء في «يو بي إس» ـ بل وزار مكاتب المصرف السويسري العملاق في مانهاتن للعمل على ضمان مرور الصفقات غير القانونية التي ينفذها بسلام ـ على الأقل لمدة عام بعد رحيله عن «يو بي إس»، ليتقلد وظيفة جديدة في «جيه بي مورغان تشيس» في خريف عام 2006. المعروف أن قطار الصرافة الخاصة السريع مُنِيَ ببعض العثرات الخطيرة خلال الشهور الأخيرة، بعد الصدمات التي تعرض لها عملاؤه الأثرياء بسبب مخططات الاحتيال، وانهيار صناديق التحوط، والتحقيقات الجارية بمختلف العواصم من واشنطن حتى أوروبا حول التهرب الضريبي. على سبيل المثال، سقطت مصارف أوروبية كبرى عديدة ضحية للاحتيال الذي مارسه مادوف. ومؤخرا، وافق «يو بي إس» على تسوية بقيمة 780 مليون دولار مع وزارة العدل في إطار تناول اتهامات له بمعاونة أميركيين أثرياء على إخفاء مستحقات ضريبية بقيمة مليارات الدولارات في حسابات مصرفية «أوفشور». من ناحية أخرى، توفر قضية أربيزو، الذي انهارت حياته المهنية عندما اكتشف أحد عملاء «جيه بي مورغان تشيس» جريمته وأبلغ عنها في مايو (أيار) 2007، فرصة نادرة لإلقاء النظر إلى داخل هذا العالم الحصين، وتثير التساؤلات حول مدى الحرص الذي تبديه بعض أكبر المؤسسات المالية في مراقبة المصرفيين العاملين لديها. في إطار مقابلات أجريت معه عبر الهاتف ورسائل البريد الإلكتروني على مدار الأشهر الثمانية الماضية، وضع أربيزو نفسه فيما وصفه بأنه: «3 في المائة من المصرفيين الذين اختلط عليهم الأمر عند نقطة ما، جراء الضغوط. نشعر بأن باستطاعتنا خوض مخاطر لا يمكن لآخرين مجرد تخيلها، وأن بإمكاننا إدارة هذه المخاطر. ولست أدري سبب ذلك»، إلا أنه أضاف أن ««يو بي إس» لم يتمتع بسيطرة ملائمة على المصرفيين العاملين لديه»، واتهم المصرف بخلق مناخ عام من الضغوط للاحتفاظ بعملائه واجتذاب آخرين جدد. في المقابل، رفض متحدث رسمي باسم «يو بي إس» الطلبات المتكررة للإدلاء بتعليق على القضية. يذكر أن أربيزو، الأرجنتيني الأصل، فر من الولايات المتحدة متجها إلى الأرجنتين في مايو (أيار) 2008، قبيل توجيه سلطات فيدرالية في نيويورك اتهامات له بارتكاب احتيال مصرفي. وأصر أربيزو على أنه لم يجن استفادة شخصية من وراء تصرفاته، وإنما قام بتحويل الأموال بين الحسابات للوفاء بوعود استثمارية غير واقعية أطلقها للاحتفاظ بعملاء مهمين. وقال «بالطبع اقترفت خطأً فادحا، وينتابني شعور سيئ للغاية حيال ذلك». وفي الوقت الذي يتضاءل ما اقترفه أربيزو، مقارنة بمخطط الاحتيال الذي نفذه بيرنارد إل. مادوف بقيمة إجمالية بلغت 65 مليار دولار، تقوم قضية أربيزو على ذات المنطق المتعلق بسرقة عميل، لتقديم أرباح لعميل آخر.

قال أربيزو، 40 عاما، إنه من أجل خلق هالة من النجاح في أعين كبار عملاء «يو بي إس»، تظاهر بأنه ما زال المصرفي الخاص بهم حتى بعد انتقاله إلى العمل لدى «جيه بي مورغان تشيس». وقد ساعد الشخص الذي خلفه في منصبه في «يو بي إس»، جوزيه سيسيليو ديكاسترو، في الإبقاء على الحيلة، حتى استقال في يوليو (تموز) الماضي، وانتقل إلى فنزويلا. من جهته، أجرى «يو بي إس» تحقيقا داخليا حول ديكاسترو في العام الماضي، وخلص إلى أنه بينما أقدم «على ارتكاب حماقات» من خلال مساعدته أربيزو، طبقا لما ورد عن مصدر مطلع على التحقيق، فإنه لم يقترف ما يستحق تحويله إلى المحاكمة. في يونيو (حزيران) 2008، بعد أسابيع من توجيه اتهامات إلى أربيزو في نيويورك، شنت السلطات الأرجنتينية غارة ضد مكاتب «جيه بي مورغان تشيس» في بيونس آيريس، وصادرت سجلات تخص 200 من العملاء الأرجنتينيين الأثرياء، تولى أربيزو التعامل مع الكثيرين منهم، تم نشر أسماءهم والأصول التي يملكونها في إحدى الصحف المحلية. إلا أن أربيزو، الذي يقول إنه يعاون تحقيقا أرجنتينيا جاريا حول التهرب الضريبي المحتمل وغسل الأموال من جانب عملاء «جيه بي مورغان تشيس»، لم يتم كشف ممارساته غير القانونية من قبل أنظمة السيطرة بأي من المصرفين. في واقع الأمر، على امتداد أكثر من خمس سنوات، لم يتم ضبطه قط. وفي مطلع عام 2003، انتقل أربيزو إلى فيرفيلد في كونيتيكيت لتقلد وظيفة داخل «يو بي إس» كمصرفي خاص عن العملاء الأثرياء في الأرجنتين وتشيلي. بعد ذلك، عمل داخل مكاتب المصرف القائمة في بارك أفينيو في مانهاتن، حيث حصل على 300.000 دولار وعلاوات لإشرافه على 13 حسابا بقيمة 200 مليون دولار. وشدد أربيزو على أنه وقع تحت وطأة ضغوط هائلة من جانب «يو بي إس» منذ وقت مبكر من أجل الاحتفاظ بالعملاء الموجودين، واجتذاب آخرين جدد. وفي غضون أشهر قليلة من انضمامه إلى العمل بالمصرف، وعد أربيزو عميلا مهما، ألبرتو لوبيز، أحد المزارعين الأثرياء في الأرجنتين، بأنه سيحقق له ربحا بنسبة 21 في المائة فيما يخص واحدا من حساباته. وعلق أربيزو على هذا الوعد بقوله «بالطبع كان ذلك مستحيلا». بعد عدة شهور، رغب لوبيز في الحصول على أرباحه الاستثمارية. وعليه، تسلل أربيزو إلى حساب لوبيز، وأضاف إليه سرا 2.8 مليون دولار من حساب عميل آخر من أبرز عملاء «يو بي إس»، عائلة أثيفيدو كويفيدوس، وهي عائلة ثرية وبارزة سياسيا في باراغواي. ورحل أربيزو عن «يو بي إس» للعمل لدى «جيه بي مورغان» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، دون أن يخطر عائلة كويفيدوس. في أبريل (نيسان) التالي، اتصلت عائلة كويفيدوس بأربيزو، مخطرة إياه بحاجة بعض أعضائها إلى المال من حساباتهم لدى «يو بي إس» لشراء أراض. وانتاب أربيزو الذعر لحاجته الشديدة للتغطية على النقص، وقال إنه «تظاهر» بأنه لا يزال المصرفي المعني بشؤون الأسرة داخل «يو بي إس»، وأغار سرا على حساب ناتاليو غاربر، المسؤول التنفيذي الإعلامي الشهير في بيونس آيريس، لدى «جيه بي مورغان تشيس» للحصول على أموال. وأضاف أنه قام بذلك من خلال إرسال طلبات تحويل أموال عبر الفاكس، تحمل توقيعات مزيفة للعميل إلى مكاتب «يو بي إس» في نيويورك، ثم زار المكاتب للتأكد من ديكاسترو أن التحويل المالي قد تم. وقال أربيزو «الجميع كانوا يحبونني ويثقون بي»، واستطرد قائلا «أعتقد أن وجودي هناك وتأكيدي على أن كل شيء على ما يرام جعل الأفراد لا يتبعون قواعد نظام السيطرة». وبعد أسابيع، علم غاربر بأمر مخطط الاحتيال، واتصل برئيس أربيزو للتقدم بشكوى. وعليه، فصله «جيه بي مورغان تشيس» من العمل، وأخطر المحققين الفيدراليين في مانهاتن، ما مهد الطريق أمام توجيه اتهامات بتنفيذ أربيزو لـ12 عملية تحويل مالي غير قانونية أثناء وجوده في «يو بي إس»، و«جيه بي مورغان تشيس»، بقيمة إجمالية تجاوزت 5.3 مليون دولار. من جهته، قال دارين أودويوي، المتحدث الرسمي باسم «جيه بي مورغان تشيس»، إن المصرف كان «ينتظر الحكومة الأميركية كي تمضي قدما في طلب تسليم» أربيزو، لكنه رفض إصدار مزيد من التعليق عن هذا الأمر. وخلال مقابلة أجريت معه، قال أربيزو إن الـ12 إجراء تحويل مالي ـ التي كان بعضها إلى حسابات عملاء داخل ملاذات ضريبية، مثل أندورا، وجزر الأنتيل الهولندية ـ بلغ إجمالي قيمتها 2.8 مليون دولار فقط. وأجرى أربيزو سرا ثمانية من التحويلات المالية من حسابات خاصة بعملاء له سابقين في «يو بي إس» من مارس (آذار) 2007 حتى مارس (آذار) 2008، ما يصل إلى 16 شهرا بعد رحيله عن المصرف للعمل لدى «جيه بي مورغان». من جانبه، لم يتخل «جيه بي مورغان» عن الدعوى القضائية التي تقدم بها، لكنه لم يقدم بعد الوثائق اللازمة للمضي قدما فيها. في فبراير (شباط) الماضي، أغلق المصرف بهدوء قضية رفعها ضد أربيزو أمام الهيئة التنظيمية للصناعة المالية، وهي الوكالة المعنية بمراقبة السماسرة. ورفض متحدث رسمي التعليق على ما إذا كان قد تم التخلي عن القضية، أم تسويتها. وعلى النقيض، لم يقاض «يو بي إس» أربيزو، لكن في مايو (أيار) 2008، رفع تقريرا إلى الهيئة التنظيمية للصناعة المالية، أعلن خلاله أن المصرف فتح تحقيقا داخليا حول ممارسات أربيزو منذ شهر. وفي الشهر التالي، عدل «يو بي إس» تقريره الذي قدمه إلى الهيئة، ليتضمن تفصيلات إجراءات تحويلات مالية بقيمة 2.8 مليون دولار من عميل من باراغواي لم يذكر اسمه، إلا أن «يو بي إس» ذكر في التقرير المعدل أنه تلقى شكاوى حول هذه التحويلات فقط في مايو (أيار) 2008، أي بعد شهر من بدئه التحقيق حول التحويلات المالية غير القانونية التي أجراها أربيزو. في ديسمبر (كانون الأول)، توصل «يو بي إس» بهدوء إلى تسوية مع الهيئة التنظيمية للصناعة المالية، مقابل 1.44 مليون دولار. وفي منتصف يونيو (حزيران)، تقدم «يو بي إس» بتقرير وضعه حول خليفة أربيزو، ديكاسترو، مشيرا إلى أنه غادر المؤسسة في خضم تحقيق داخلي حول «انتهاكات لقواعد المؤسسة، وضمانات سرية بيانات العميل». من ناحيته، اعترف أربيزو قائلا «أعلم أنني أحمق. أشعر أنه طوال تلك السنوات قمت بتقسيم رأسي إلى قسمين، أحدهما صغير يضم هذه المشكلة، ويضم الآخر باقي «حياتي الطبيعية»». خدمة «نيويورك تايمز»