قمة الثماني المقبلة تؤذن بحدوث تحول في مركز الاقتصاد العالمي

الصين تتخذ موقفا متشددا تجاه سياسات الحمائية التجارية > أميركا تدعو لنهج منسق للمعونات الغذائية

TT

تأمل مجموعة الثماني صاحبة أقوي اقتصادات في العالم، في وقت لاحق هذا الأسبوع، التوصل إلى خطة لوضع نظام مالي عالمي جديد، برغم دلائل التوتر الناشب بين أعضاء المجموعة بشأن تنظيم الأسواق عقب الأزمة الاقتصادية العالمية.

وأوضحت وكالة «الأنباء الألمانية» أنه من المتوقع، أن يوقع قادة المجموعة، الذين فوجئوا بانكماش دراماتيكي في اقتصاداتهم الوطنية هذا العام، على مجموعة من الإجراءات الرقابية الجديدة بعيدة المدى، تم رسم خطوطها العريضة في أبريل (نيسان) الماضي، خلال قمة في لندن لمجموعة العشرين للدول الصناعية والدول صاحبة الاقتصادات الناشئة.

ويقول راينر غونترمان، كبير خبراء الاقتصاد بدار درسدنر كلينفورت للاستثمار: «من المرجح أن تكون مسألة منع تكرار الأزمة الاقتصادية في المستقبل واحدة من البنود الرئيسية على أجندة مجموعة الثماني».

ومن المرجح أن يشمل هذا ضمان ألا يؤدي الرد الاقتصادي العالمي على الانكماش الحالي إلى إشعال فتيل أزمة في المستقبل، من خلال زيادة الديون الحكومية، أو دعم الإجراءات الحمائية الاقتصادية.

بيد أن بناء دفاعات اقتصادية للتصدي للأزمات المستقبلية، من المرجح أن يعني تبني مجموعة الثماني لإجراءات مجموعة العشرين، التي تستهدف دعم المؤسسات المالية الدولية، فضلا عن توسيع نظام المراقبة، ليشمل مناطق استثمارية مثيرة للجدل مثل صناديق التحوط والملاذات الضريبية.

لكن بعيدا عن إثارة أسئلة بشأن دور مجموعة الثماني في التعامل مع قضايا الأزمة المالية العالمية، فإن المشكلة التي ستواجه قمة مجموعة الثماني التي تعقد في مدينة لاكويلا الإيطالية التي ضربها الزلزال، ستركز على إرساء أسلوب عالمي مشترك لحماية الأسواق العالمية.

ومنذ اجتماع مجموعة العشرين في لندن، فإن عدة حكومات وخاصة حكومتي الولايات المتحدة واليابان، فضلا عن حكومات في أوروبا قد أطلقت خططا خاصة بها لمراقبة وضبط أسواقها، إلي جانب إعادة صياغة أنظمتها المصرفية.

وتؤثر هذه المخاطر على المسيرة الرامية لوضع أسلوب عالمي جديد للإشراف على الأسواق المالية.

ومن ناحية أخرى، فقد أدى الركود العالمي إلى إلقاء الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه الاقتصادات الناشئة، التي صارت مراكز للقوي الاقتصادية في العالم، مثل الصين والبرازيل في قيادة النمو الاقتصادي العالمي، والتصدي للانكماش في هذا الاقتصاد.

وبناء عليه، فإن قمة مجموعة الثماني في لاكويلا، من المرجح أن تؤذن بحدوث تحول في مركز الاقتصاد العالمي، حيث يشكك محللون بالفعل فيما إذا كانت مجموعة الثماني بالفعل هي الهيئة المناسبة بالفعل لصياغة مجموعة جديدة من القواعد، التي تحكم الأسواق العالمية في النهاية. يقول غونترمان: «إنني لست متأكدا مما إذا كانت مجموعة الثماني هي المكان النهائي لحل كل شيء».وكانت تلك هي الحال علي نحو خاص، عندما حدد موعد لاجتماع آخر بالفعل لمجموعة العشرين في سبتمبر (أيلول) القادم في مدينة بتسبورغ الأميركية. وقد صارت مجموعة العشرين المنتتدى العالمي الرئيسي في وضع خطة عمل للتعامل مع ما صار أكبر انكماش في العالم منذ 60 عاما. وفي دلالة على ثقتها الاقتصادية الجديدة، فإن الدول صاحبة الاقتصادات الناشئة استغلت الفرصة التي قدمتها لها الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة في الضغط من أجل علاج النظام الاقتصادي العالمي. ومن الممكن أن يؤدي هذا إلي تقويض الدور المهيمن الذي تلعبه الولايات المتحدة والدولار، فضلا عن الدول الصناعية الكبرى في الاقتصاد العالمي. وفي خطوة كبرى باتجاه تشكيل كتلة متماسكة، فقد عقد قادة الدول الاقتصادية الناشئة الرئيسية (البرازيل وروسيا والهند والصين) دول ما يسمى البريك قمتهم الأولى في روسيا.

وتجري تحركات الآن لتعزيز دور الاقتصادات الناشئة في المنظمات الدولية الرئيسية، كي تتواكب مؤسساتها الحاكمة مع القوة الاقتصادية التي تستعرضها دول بريك. وعلى صعيد آخر، يتهم الكثيرون من رجال السياسة في الغرب الصين بانتهاج إجراءات حمائية في مجال التجارة خلال الأشهر القليلة الماضية، بشكل مبرر في بعض الأحيان، وفي البعض الآخر تبدو أنها تبحث عن كبش فداء اقتصادي ملائم.

ويرى خبراء الاقتصاد الصينيون حتى الآن معايير مزدوجة في تحميل الغرب اللائمة على بلادهم. ومن المتوقع أن يجدد الرئيس الصيني هو جينتاو، معارضة الصين للحمائية والدفاع عن قضايا الدول النامية، عندما يشارك في الحوار المقرر الأسبوع القادم بين مجموعة الثماني والاقتصادات الناشئة.

وقال تشانغ هانلين، مدير معهد منظمة التجارة العالمية في جامعة بكين للأعمال والاقتصاد الدولي، لوكالة «الأنباء الألمانية»، إن «القضية الكبرى (بالنسبة للصين) هي الحمائية في مجال التجارة». وقال تشانغ، إنه يرى مؤشرات على استغلال قواعد منظمة التجارة العالمية لمكافحة الإغراق والدعم واللوائح في مجال التأمين، وذلك من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي «في كل المجالات»، ولكن «بالأساس في المنتجات الصناعية». يونيو (حزيران) أمام مجلس الدولة (الحكومة) ، أن الإجراءات الحمائية الدولية في مجال التجارة هي أحد «مظاهر الغموض الكثيرة» التي تقوض التعافي الاقتصادي.

وقالت جين فانغ الباحثة البارزة بالمعهد الاقتصادي الدولي التابع لأكاديمية شنغهاي للعلوم، إنه «بعد أن انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 كانت الولايات المتحدة وخلال الفترة من 2002 وحتى 2006، الأكثر تقديما لطلبات مكافحة الإغراق وقضايا أخرى». وقالت جين لوكالة «الأنباء الألمانية»، «لكن بعد عام 2006 كان الاتحاد الأوروبي هو الأكثر اعتراضا».

وقالت إن «أكثر من ذلك أن الاتحاد الأوروبي وضع الكثير من التشدد على الحماية البيئية». وأضافت جين، أن معايير منظمة التجارة العالمية للسلامة والعمالة قد تتسبب أيضا في المزيد من النزاعات التجارية بين الدول الغربية والصين. وقالت، إنها (الدول الغربية) «ينبغي أن تقدر أن الدول الآسيوية لا تزال دولا نامية». ويبدو أن تعليقات جين وتشانغ تتماشى إلى حد بعيد مع موقف الحكومة، وتأتي في الوقت الذي تتعرض فيه الصين لشكاوى بشأن ممارساتها التجارية. وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تقدما بشكاوى لمنظمة التجارة العالمية أواخر يونيو (حزيران) بشأن القيود الصينية على صادرات المواد الخام، وتخزين تسع مواد أساسية لمساعدة صناعات الصلب والألمنيوم والكيماويات في استخدامها مستقبلا. وقالت المفوضة التجارية الأوروبية كاترين أشتون، إن «القيود الصينية على المواد الأساسية تشوه قواعد المنافسة، وتزيد الأسعار العالمية بما يجعل الأمور تزداد صعوبة أكثر أمام شركاتنا في ظل هذا التباطؤ الاقتصادي».

لكن الصين ردت قائلة، إنها فرضت قيودا على صادرات المواد الخام بما فيها البوكسيت والفحم والماغنسيوم والزنك والسيليكون من أجل «حماية البيئة والموارد الطبيعية».

وفي واشنطن، قال مسؤول أميركي كبير، إنه من المتوقع أن تساند مجموعة الدول الثماني الأسبوع الحالي اقتراحا أميركيا من شأنه أن يطالب (بنهج منسق) للمعونات الغذائية والتنمية. وقال مايكل فرومان، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للشؤون الاقتصادية الدولية الجمعة، إن الاقتراح والأموال المتضمنة فيه سيواصلان العمل على برنامج شراكة عالمي بشأن الأمن الغذائي، أطلق في اجتماع مجموعة الثماني العام الماضي في اليابان. وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، في أبريل (نيسان)، أن الولايات المتحدة ستسعى إلى مضاعفة التمويل لمعونة التنمية الزراعية إلى مليار دولار بحلول عام 2010. وأبلغ فورمان، «رويترز» في مقابلة، «نفذ عمل كثير في الداخل منذ ذلك الوقت لتطوير نهج جديد للأمن الغذائي». وبينما رفض التعليق على مبلغ التمويل الخاص بذلك النهج الجديد، قال، إن الولايات المتحدة ستقدم «التزاما كبيرا» مبنيا على رقم المليار دولار، الذي كان أوباما، أول من اقترحه. وأوضح أن دولا أخرى ستقدم التزامات كبيرة على عدة سنوات. وأوضح أن المبادرة تتكون إجمالا من خمسة عناصر. أولها هو أن تصبح جهود مكافحة الجوع أكثر شمولية، بحيث تركز على تحسين الإنتاجية الزراعية والتنمية. وثاني هذه العناصر هو أن تشارك الدول التي تحصل على هذه المعونات بدرجة أكبر في تطوير خططها للتنمية الزراعية، وضخ مواردها الخاصة. ثالث هذه العناصر هو أن تعمل الدول المانحة بطريقة أكثر تنسيقا لمراجعة الخطط التي قدمتها الدول المحتاجة، وتوجيه الموارد بطريقة متسقة. رابعا أن يجري اللجوء إلى مؤسسات دولية مثل البنك الدولي والمنظمات المتخصصة الأخرى متى يكون ذلك مناسبا. خامسا أن تسعى المبادرة إلى «التزام مالي دائم وذي مغزى» على مدى ثلاث سنوات.