لأول مرة في تاريخ هولندا.. شركة واحدة تفصل 11 ألف عامل والطيار يعمل مضيفا

شركات تطلب من موظفيها تخفيض رواتبهم والقيام بأعمال أخرى من أجل الاستمرارية

TT

أيهما ستختار: ارتفاع الأجور مع إمكانية فقدان المئات لوظائفهم، أم ثبات الأجر مع تسريح عدد أقل من وظائفهم؟ هذا هو: الإيثار في مقابل الأنانية.. إنه السؤال المطروح خلال الأيام القليلة الماضية على الصفحة الأولى لعدد من الصحف الهولندية التي أوضحت «بينما يتزايد الكساد ويستمر لفترة أطول، أصبحت الشركات أكثر ابتكارا في نضالها لأجل الاستمرار رغم الأزمة الراهنة. لقد طلبت شركة «كي.إل.إم» من طياريها المساعدة في التعامل مع أمتعة الركاب بينما يقوم بعضهم بمهام الضيافة للركاب داخل المطار، أما المدير الإداري لشركة الخطوط الجوية البريطانية فقد طلب من موظفيه العمل بلا مقابل لمدة شهر، وبدأ بنفسه. وحتى الآن تطوع 7000 من موظفي الشركة فعلا للعمل من دون أجر. وغالبا ستفعل أنت الشيء نفسه إذا كان هذا يعني الحفاظ على وظيفتك. لكن المشكلة أنه ليس هناك ما يضمن أن هذه التدابير تعني في الواقع استمرارك في الوظيفة. لقد طلبت شركة «إتش.بي» للكومبيوتر بهولندا من موظفيها في فبراير (شباط) الماضي القبول بتخفيض ما بين خمسة إلى عشرة في المائة من رواتبهم، ومع ذلك فقد أعلنت هذا الشهر عن تسريح 302 من موظفيها، بالإضافة إلى 421 موظفا سرحتهم العام الماضي. بينما تعاملت شركات أخرى بمكر واضح؛ فقد قامت شركة «تي.إن.تي» لخدمات البريد وسلسلة متاجر في «إند.دي» بإرسال استبيانات لموظفيها الشهر الماضي تسألهم عما يفضلون: أجورا أعلى أم وظائف أكثر؟. ومع ذلك فقد فشلت الشركتان في التوصل لاتفاق مع النقابات على تخفيضات في الرواتب مقابل الحصول على ضمانات باستمرار الموظفين في أعمالهم، وقالت النقابات إن العرض أشبه بمؤامرة «إذا سألتم الناس في الشوارع، فسيكونون على استعداد لتخفيض أجورهم. كونهم خائفين من فقدان وظائفهم».

وتحت عنوان فقدان 11000 وظيفة في شركة «تي.إن.تي». قالت وسائل الإعلام الهولندية «لقد سقطت شركة البريد في وقت صعب، مع هبوط حجم البريد والمنافسة المتزايدة». وتقول الشركة إن هذه الوظائف سيتم الاستغناء عنها خلال سنتين. ويشكو أحد العاملين بالشركة قائلا: «لا أحسد المديرين الإقليميين الآن. فالتوقيت سيئ حقا. كل هذا يعني أن أعدادا من الناس سيقضون إجازة صيف سيئة». وكانت الاتحادات النقابية أكثر غضبا، إذ يقول أحد قادتها: «لماذا لا ينتظرون تقريرنا حول ما إذا كان من الممكن الوصول إلى حل بدون اللجوء الفوري إلى فصل الناس وخفض رواتب من يستمرون في العمل وتدهور شروط العمل؟ كان بإمكان اتحادات البريد إعداد التقرير قبل نهاية سبتمبر (أيلول)». لم يحدث أبدا من قبل أن قامت شركة واحدة بفصل هذا العدد الهائل من العاملين من الخدمة في هولندا، هذا ما قالته صحيفة «إن.آر.سي.نيكست» في رد فعل على إعلان شركة «تي.إن.تي» أمس بأنها ستفصل 11000 من العاملين بالبريد. ويبدو أن رجل البريد سيصبح من آثار الماضي. ويشار إلى أنه وبسبب الانخفاض في كميات البريد والمنافسة من الشركات الأرخص، ليس أمام «تي.إن.تي» إلا أن تقوم بتوفير 395 مليون يورو حتى تستطيع الاستمرار. وكان تعليق البروفسور بول كليب أستاذ التاريخ الاجتماعي بجامعة نيميخين حول خطط «تي.إن.تي» للفصل الجماعي المنتظر من الخدمة: «هذا أمر فريد». في نهاية الثمانينات فقد عشرات الآلاف من عمال المناجم وظائفهم، لكنهم بدأوا يعملون في مناجم أخرى وقسمت الأضرار على عدد من السنين. وفي عام 1996، فصلت شركة «فيليبس» للإلكترونيات 10000 من العاملين لديها، لكن تم بعد ذلك تنفيذ هذا الفصل على مراحل.

تشعر الاتحادات النقابية بأنها أُهملت نظرا إلى أن الشركة لم تنتظرها لتقديم خطة بديلة. وأفضل ما تأمل فيه النقابات حاليا هو تمديد فترة إعادة تنظيم الشركة، حيث يمكن تقليل عدد الذين يتم فصلهم إجباريا من الخدمة. الأمر المؤكد نتيجة لكل ذلك هو أن رجل البريد الودود القادم من المنطقة المجاورة كما ظللنا نعرفه، سيصبح من آثار الماضي.

وأظهر مسح رعته وكالة «راندستاد» للأعمال المؤقتة أن ثلاثة من كل عشرة عمال يوافقون على خفض مرتباتهم، بنسبة 1 في المائة، بينما وافق اثنان من عشرة على خفض بنسبة 5 في المائة. وقال 14 في المائة من الذين تم استطلاعهم إنهم سيقبلون حتى بخفض يصل إلى نسبة 10 في المائة، مقابل ضمان استمرار وظائفهم. وأظهر المسح أيضا أن العمال الأكثر تعليما أكثر رغبة في الموافقة على خفض المرتبات. وكتبت «دي تليغراف» أن الشباب بشكل عام أكثر خوفا من فقدان وظائفهم مقارنة بالعمال الأكبر سنا. كذلك ينتاب العمال شك في فرص العثور على عمل آخر إذا فقدوا عملهم الحالي، وأن النساء والعمال الأعلى تعليما أكثر تفاؤلا بقليل عن غيرهم. كما أدت الأزمة الاقتصادية إلى جعل العمال أكثر إخلاصا ورغبة في حضور الدورات التدريبية، بما في ذلك إعادة التدريب لأعمال مختلفة.

وتقول المؤسسة، التي نفذت المسح، وهي «بلاوف ريسيرش»، إن التغير، الذي طرأ على توجهات العمال «يفتح الطريق أمام المزيد من مرونة العمال»، وإذا تم توظيف ذلك بشكل صحيح، فسيؤدي إلى المزيد من الولاء من قبل العمال. ويأتي ذلك في الوقت الذي أدت فيه الأزمة المالية إلى تدفق البولنديين إلى هولندا من بريطانيا. وذكرت مصادر إعلامية في لاهاي أن أعداد البولنديين، الذين دخلوا إلى هولندا من بريطانيا سعيا وراء فرص العمل، قد بلغت رقما ضخما. والكثيرون منهم بدأوا يعودون إلى بلادهم، لكن الفرص في بلادهم ليست بأفضل من قبل عامين عندما غادروها.