«سيمانتك» و«مكافي» تخوضان «سباق تسلح» حول أمن أجهزة الكومبيوتر

سوق البرامج الأمنية تنامت 119% العام الماضي

تحتل «سيمانتك» المرتبة الأولى في مجال برامج أمن الكومبيوتر ولكنها تواجه منافسة كبيرة من منافستها «مكافي» (أ.ب)
TT

باتت أكبر شركتين بمجال صنع برامج ضمان أمن أجهزة الكومبيوتر، «سيمانتك» و«مكافي»، أشبه بواعظين يعمدان إلى حشد الأتباع والمريدين مجددا حولهما. في إطار ذلك، يعمد الجانبان إلى التباهي، والتخويف، والتنديد ببعضهما بعضا، في محاولة لإقناع الجماهير بأن منتجات كل منهما على وجه التحديد هي طريق الخلاص من الشيطان، الذي يتمثل في هذه الحالة في رسائل البريد الإلكتروني المحملة بفيروسات، والشرور الأخرى التي تحتوي عليها شبكة الإنترنت. ويدور هذا التنافس على ثروة كبرى، ذلك أن ملايين الأتباع على مستوى العالم على استعداد للتبرع بملايين الدولارات سنويا، لضمان حمايتهم ضد أخطار الشبكة العنكبوتية. شهدت الفترة الأخيرة احتدام المنافسة بين الجانبين، مع سعي كليهما لربط برامجهما بالمزيد من أجهزة الكومبيوتر الجديدة، ومواقع شبكة الإنترنت، والأجهزة الخادمة المعنية بتقديم خدمة الإنترنت. والملاحظ أن «مكافي» بذلت جهودا نشطة على نحو خاص على هذا الصعيد، مستغلة سلسلة من الاتفاقات التي أبرمتها مع شركات تصنيع أجهزة الكومبيوتر، سعيا لاحتلال مكانة الريادة الذي تهيمن عليها «سيمانتك».

في هذا الصدد، وصف ألبرت إيه بيمنتل، المسؤول المالي الأول في «مكافي»، الذي يشتهر باسم روكي، الأمر بأنه «أشبه بسباق تسلح». وأوضح أن الشركات المعنية بتأمين أجهزة الكومبيوتر، بات لزاما عليها العمل باستمرار على إقناع العملاء والشركاء بتجديد اشتراكاتهم، وإلا سيتحولون باتجاه شركة منافسة ذات منتجات مشابهة. على امتداد سنوات عديدة، عملت «مكافي» على التقاط الفتات المتبقي من «سيمانتك». وعانت الشركة، التي تتخذ من سانتا كلارا مقرا لها، من عقد من المشكلات القانونية والمالية، جعلتها في حالة متهالكة لا تقوى على المنافسة، إضافة إلى تدني الروح المعنوية بين موظفيها. إلا أن الأوضاع تبدلت خلال العامين الماضيين منذ رحيل ديفيد جي ديوالت عن منصبه كمدير لشؤون المبيعات بشركة «إي إم سي» ليتولى إدارة «مكافي»، خلفا لجورج سامنوك، الذي تنحى جراء فضيحة تتعلق بخيار الاكتتاب. في ظل إدارة ديوالت، توسع نطاق نشاط الشركة إلى ما وراء برامج مكافحة الفيروسات، واكتسبت بعض العملاء البارزين بمجال أمن أجهزة الكومبيوتر، ونجحت في زيادة مبيعاتها إلى المستهلكين والشركات الكبرى. وعليه، أصبحت «مكافي» في وضع يؤهلها لاحتلال مكانة «سيمانتك» العام القادم بمجال المبيعات، حال استمرار التوجهات الراهنة. حتى الآن، تبقى «سيمانتك»، التي يوجد مقرها في كوبرتينو بكاليفورنيا، رائدة سوق تأمين أجهزة الكومبيوتر، ويصل نصيبها في السوق إلى قرابة ضعف نصيب «مكافي»، طبقا للإحصاءات الصادرة عن شركة «غارتنر» البحثية. داخل السوق الاستهلاكية، تحتل «سيمانتك» مكانة أكبر، حيث تستحوذ على 52 في المائة من السوق، محققة عائدات بلغت 1.8 مليار دولار العام الماضي، مقارنة بـ18 في المائة من السوق لحساب «مكافي» وعائدات تقدر بـ624 مليون دولار. وتضم السوق كذلك عددا من العناصر الأصغر مثل «ترند ميكرو» و«كاسبرسكي لاب». في هذا الإطار، أشار إنريك تي سالم، الرئيس التنفيذي لـ«سيمانتك»، إلى أن «الوضع أشبه بسيمانتك والأقزام السبعة». في محاولة جريئة وخطيرة إلى حد ما لتعزيز مكانتها لدى المستهلكين، حاولت «مكافي» اجتذاب صانعي أجهزة الكومبيوتر الشخصية من خلال أمر يعشقونه جميعا، ألا وهو كثير من الأموال النقدية. في العام الماضي، أنفقت الشركة 55 مليون دولار، ما يفوق ما أنفقه أي من منافسيها، لضمان تحميل برامج أمنية إنتاج «مكافي» على أجهزة الكومبيوتر الجديدة. والآن، تعتبر «مكافي» كل من «ديل» و«إيسر» و«توشيبا» و«سوني» و«لينوفو» شركاء لها. من جهته، أكد ديوالت «إننا نتعامل حاليا مع ضعف عدد أجهزة الكومبيوتر التي تعاملنا معها العام السابق». وتشير تقديرات شركة «جيفريز آند كمباني» للسمسرة إلى أن ما يصل إلى 40 في المائة من جميع أجهزة الكومبيوتر التي اشتراها عملاء هذا العام ستتضمن برامج تخص «مكافي». جدير بالذكر أن «هيوليت ـ باكارد»، أكبر شركة عاملة في مجال بيع أجهزة الكومبيوتر عالميا، أبرمت اتفاقا موسعا مع «سيمانتك» بشأن أجهزة الكومبيوتر الشخصية التي تنتجها. أوضح ديوالت أن الاتفاق سيخضع لمناقصة في غضون عامين، وسيتعين على «سيمانتك» القتال بضراوة من أجل الحفاظ عليه. وقال: «لم يجابهوا منافسة كبيرة آنذاك، لكنهم سيواجهونها هذه المرة».

في المقابل، تعامل سالم مع تصريحات ديوالت بلا مبالاة، قائلا: «أحب التصريحات الخطابية واستعراض العضلات». وأضاف: «يتعين علينا الوجود على أكبر عدد من أجهزة الكومبيوتر من دون أن نفقد النهج المنطقي». واستطرد موضحا أنه حال تقدم «مكافي» بعطاء كبير على نحو مفرط، ستنسحب «سيمانتك» من الاتفاق لتوجه أموالها نحو بناء منتج آخر من منتجاتها غير الأمنية. على الجانب الآخر، تفاخر سالم بأن «سيمانتك» فازت بثمانية من إجمالي تسعة اتفاقات مرتبطة بأجهزة الكومبيوتر الشخصية حتى الآن خلال عام 2009. على سبيل المثال، تمكنت «سيمانتك» من الاستحواذ على قطاعات من «ديل» لا تغطيها «مكافي»، مثل أجهزة الكومبيوتر المرتبطة بالألعاب. من ناحية أخرى، انطوت الأموال التي تدفعها الشركتان إلى الشركاء على قدر واضح من التعقيد، ويشكو النقاد من أن الشركتين لا تتحليان بالصراحة في التعامل مع حاملي الأسهم. يذكر أنه غالبا ما تتطلب الاتفاقات مع مصنعي أجهزة الكومبيوتر تقديم الشركات المعنية بتأمين الحواسب مبالغ مالية مقدما. بعد ذلك، يتشارك الجانبان في العائدات على امتداد فترة العقد المبرم بينهما، مع تمديد بعض الأفراد اشتراكاتهم إلى ما وراء فترة التجريب الأولية المجانية والشروع في سداد رسوم سنوية عن البرامج. والملاحظ أن «مكافي» تتكبد مبالغ ضخمة مدفوعة مقدما بينما يتعين عليها الانتظار أشهرا حتى تبدأ في الاستفادة من الاشتراكات كمصدر للدخل. ويتحتم على المستثمرين تخمين عدد المحاولات التجريبية التي ستتحول إلى مبيعات حقيقية في إطار تقييمهم لمدفوعات «مكافي». وحتى الآن، من الصعب تحديد مدى النجاح الذي حققته هذه المدفوعات. من ناحيتها، كشفت «غارتنر» أن «مكافي» فازت بـ0.5 في المائة فقط من سوق البرامج الأمنية الاستهلاكية العام الماضي، بينما فقدت «سيمانتك» قرابة 4 في المائة. وصرح ديوالت بأن «مكافي» ستشرع في تحقيق مكاسب أكبر فيما يتعلق بنصيبها من السوق وإجمالي عائدات مؤجلة أعلى، مع تقدم عملية التجريب والسداد. وشدد على أنه «لم نشهد التأثير الكامل لذلك بعد». من ناحيتها، قالت «مكافي» إن المدفوعات المقدمة ضئيلة لدى مقارنتها بالقيمة المجملة المحتملة لاتفاقات أجهزة الكومبيوتر، وأن معدلات التحول إلى الاشتراكات جاءت مرتفعة حتى اليوم. إضافة إلى ذلك، أوضحت الشركة أنها تحاول اجتذاب الباعة العاملين بمجال البيع الآجل، الذين يبيعون أسهما مقترضة من شركة ما، على أمل معاودة شرائها لاحقا بسعر أقل. يذكر أنه مثلما الحال مع كثير من شركات التقنيات المتطورة، تراجعت أسهم «مكافي» العام الماضي، لكن مع وصول سعر سهمها الأسبوع الماضي إلى 41 دولارا، فإن ذلك يكافئ تقريبا ما كان عليه قبل فترة الركود. وصرح مسؤولون تنفيذيون من «مكافي» و«سيمانتك» بأن اتفاقات الشراكة تعد واحدة من العناصر ضئيلة الأهمية، ذلك أن «مكافي» تجني عائدات أكبر من وراء بيع منتجات أمنية للشركات، عن المنتجات الاستهلاكية. أما «سيمانتك»، فإنها بتحقيقها عائدات تصل إلى 6.2 مليار دولار سنويا، فإنها تعد واحدة من كبريات شركات البرامج عالميا. إلى جانب ذلك، تعمل الشركتان بقطاع من السوق أبلى بلاء حسنا خلال فترة تراجع الإنفاق التقني على مستوى العالم. طبقا لتقديرات «غارتنر»، فإن سوق البرامج الأمنية تنامت بمعدل 119 في المائة العام الماضي. وأبدت «مكافي» قدرة خاصة على الصمود في مواجهة الانحسار الاقتصادي، حيث ارتفعت عائداتها 22 في المائة العام الماضي لتصل إلى 1.6 مليار دولار، اعتمادا على خليط بالغ التنوع من المنتجات. من بين المخاطر طويلة الأمد التي تواجه الشركتين، الشعبية التي تحظى بها حزم البرامج الأمنية الأساسية المجانية التي تعرضها بعض جهات البيع، بينها علامة «بي سي تولز» التجارية التابعة لـ«سيمانتك». إضافة إلى ذلك، أطلقت «مايكروسوفت» ـ المهيمنة على مجمل سوق برمجيات أجهزة الكومبيوتر ـ لتوها نسخة تجريبية من برامج أمنية مجانية. وتؤكد «مكافي» و«سيمانتك» أن الاستمرار في هذا المناخ يتطلب مزيدا من الالتزام والمال. وتحاول الشركتان إقناع العملاء بشراء حزم كاملة من برامج أمنية، من بينها «فايروولز» وخدمات دعم لشبكة الإنترنت. وقال ديوالت: «شهدنا العام الماضي زيادة بنسبة 500 في المائة في برامج الاختراق». ولا شك أن في ذلك تحديا هائلا أمام الشركتين.

* خدمة «نيويورك تايمز»