انتشار البطالة بين الروبوتات اليابانية مع انتشار الأزمة الاقتصادية

تراجعت شحنات الروبوتات الصناعية 59% في الربع الأول من 2009

تراجعت شحنات الروبوتات الصناعية بنسبة 33 % في الربع الأخير من عام 2008 (أ.ب)
TT

قد يكونون أكثر العمال كفاءة على مستوى العالم، لكن في ظل الانحسار الاقتصادي الراهن، باتوا يجابهون مشقة كبيرة في العثور على فرصة عمل. وتشهد اليابان حاليا تعطل فيالق الروبوتات، الذين يشكلون الأسطول الأكبر من نوعه من العمال الآليين على مستوى العالم، عن العمل في ظل معاناة البلاد من أقوى فترة ركود على امتداد ما يزيد على العقد، جراء تقليص المستثمرين بمختلف أنحاء العالم إنفاقاتهم على السيارات والآلات. داخل مصنع «ياسكاوا إلكتريك» بجزيرة كيوشو اليابانية الواقعة جنوب البلاد، حيث عملت الروبوتات في وقت من الأوقات على إنتاج المزيد منها، عكف روبوت واحد يتميز بذراعه المصنوعة من الصلب على اختبار محركات الروبوتات الجديدة تحسبا لورود طلبات جديدة عليها. وإلى جانبه، وقف أقرانه من العمال الآليين متراصين في صفوف صامتة، وقد تجمدت أيدي بعضها أثناء تحركها في الهواء. ومن الممكن أن تطول فترة توقف هذه الروبوتات عن العمل، بالنظر إلى تراجع الإنتاج الصناعي الياباني بنسبة تقارب 40 في المائة، وبالتالي، انحسر الطلب على الروبوتات. في الوقت ذاته، يبدو المستقبل أقل إشراقا، حيث كان من شأن تقلص الموارد المالية المتوافرة إضفاء صبغة واقعية على بعض المشروعات اليابانية التي حملت في طياتها بعضا من الخيال، مثل صنع روبوتات تقوم بدور الحيوانات الأليفة وروبوتات تحمل صورة آدمية للعمل كموظفي استقبال، الأمر الذي قد يعوق الإبداع لفترة طويلة بعد استعادة النشاط الاقتصادي عافيته. من جهته، قال كوجي توشيما، رئيس شركة «ياسكاوا»، أكبر مصنع للروبوتات الصناعية في اليابان: «لقد تعرضنا لضربة قاسية». وتشير الأرقام إلى أن انحسار أرباح الشركة بمقدار الثلثين، لتصل إلى 6.9 مليار ين، ما يعادل حوالي 72 مليون دولار، خلال العام المنتهي في 20 مارس (آذار). وتتوقع الشركة تكبدها خسائر العام الحالي. والملاحظ أنه بمختلف أرجاء الصناعة، تراجعت شحنات الروبوتات الصناعية بنسبة 33 في المائة في الربع الأخير من عام 2008، و59 في المائة خلال الربع الأول من عام 2009، طبقا لما أعلنه «الاتحاد الياباني للروبوتات». في هذا الإطار، أعرب تتسواكي أويدا، المحلل بشركة «فوجي كيزاي» المعنية بالتحليلات، عن توقعاته بأن تتقلص السوق بما يصل إلى 40% هذا العام. وأوضح أن الاستثمارات في الروبوتات «كانت أول ما تعرض للتسريح مع سعي الشركات لحماية العاملين بها من البشر». جدير بالذكر أنه في الوقت الذي قد تتسم الروبوتات برخص تكلفة الاستعانة بها مقارنة بالعمال من بني الإنسان على المدى البعيد، فإن تكاليفها التي تسدد مقدما أعلى بكثير. تشير الإحصاءات إلى أنه عام 2005، عمل أكثر من 370 ألف روبوت في المصانع بمختلف أرجاء اليابان، ما يكافئ قرابة 40% من إجمالي عددهم على الصعيد العالمي، بنسبة بلغت 32 روبوت لكل 1000 عامل بمجال التصنيع، طبقا لتقرير أصدره مصرف «ماكويري». ودعت خطة حكومية للسياسة التقنية صدرت عام 2007 إلى الاستعانة بمليون روبوت بمجال الصناعة بحلول عام 2025. إلا أنه في ظل الظروف الراهنة، يكاد يكون في حكم المؤكد عدم حدوث ذلك. من ناحيته، قال أويدا: «تسبب الركود في تراجع صناعة الروبوتات سنوات إلى الوراء». وينطبق هذا القول على الروبوتات المستخدمة بالمجال الصناعي والأخرى ذات الأدوار الترفيهية. في الواقع، سقط العديد من الأنماط المرغوبة من الروبوتات بالفعل ضحية للركود الاقتصادي.

يذكر أن شركة «سيستك أكازاوا» المصنعة للروبوتات تقدمت بطلب لإشهار إفلاسها في يناير (كانون الثاني)، بعد أقل من عام من طرحها روبوت آلي بالغ الضآلة قادر على السير يحمل اسم «بلين» في معرض الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية في لاس فيغاس. من ناحية أخرى، ناضل «روبوريور» الذي أنتجته شركة «تمسوك»، وهو عبارة عن روبوت على شكل البطيخ الأحمر يعمل على حراسة المنزل عبر التنقل بمختلف أرجائه ومزود بأجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء لرصد أي حركة مريبة وكاميرا فيديو لنقل صور إلى أصحاب المنزل أثناء وجودهم بالخارج، من أجل اجتذاب مستخدمين جدد. وتم التخلي عن برنامج تأجيري في أبريل (نيسان) جراء عدم وجود اهتمام من جانب العملاء. ورغم امتناع الشركة عن الكشف عن أرقام المبيعات، فمن الواضح أنها باعت أقل من ثلث الهدف المنشود، المتمثل في 3000 وحدة، الذي تم إقراره عند طرح «روبوريور» في السوق للمرة الأولى عام 2005، حسبما أشار المحللون. في الوقت الحاضر، لا توجد خطط لتصنيع المزيد من الروبوت. في هذا الصدد، علق ماريكو إيشيكاوا، المتحدث الرسمي باسم «تمسوك»، بقوله إن هذا الأمر وصمة عار، نظرا لأن اليابانيين المشغولين بأعمالهم في المدينة بمقدورهم استغلال «روبوريور» لإبقاء أعينهم على آبائهم وأمهاتهم المتقدمين في العمر الذين يقيمون في الريف. وأضاف إيشيكاوا: «روبوريور هو نمط الروبوت الذي يحتاجه المجتمع الياباني في المستقبل». جدير بالذكر أن الهرم السكاني الياباني المائل باتجاه كبار السن وفر زخما إضافيا لصناعة الروبوتات المنزلية في البلاد. ومع بلوغ قرابة 25% من المواطنين الـ65 أو أكثر، اعتمدت اليابان على الروبوتات لتعويض النقص في قوة العمل والمساعدة في الاعتناء بكبار السن. إلا أن مبيعات الروبوت «ماي سبون»، الذي أنتجته شركة «سيكم»، الذي يتميز بقدرته على مسك الملعقة لمساعدة كبار السن أو المقعدين على تناول الطعام، توقفت مع رفض العملاء المعنيين بمجال الرعاية ارتفاع سعره البالغ 4000 دولار. من جهتها، أخفقت شركة «ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة» في بيع ولو واحد فقط من روبوتات الخدمة المنزلية التي أنتجتها باسم «واكامارو» عام 2003. بطبيعة الحال، تعرضت الروبوتات المبتكرة المتسمة بطابع عملي أقل لظروف أصعب جراء حالة الركود الاقتصادي الراهنة. وينطبق الأمر ذاته على جهات تصنيع الروبوتات خارج اليابان. على سبيل المثال، قدمت شركة «أوغوبي»، التي تتخذ من إيداهو مقرا لها، طلبا في أبريل (نيسان) لحمايتها من الإفلاس. يذكر أن الشركة أنتجت جهاز روبوت على شكل ديناصور أخضر اللون يدعى «بليو». ورغم نجاحها في بيع 100 ألف وحدة من «بليو» وتحقيقها عائدات تجاوزت 20 مليون دولار، تكدست على عاتق الشركة ديون تقدر بملايين الدولارات وعجزت الشركة عن جمع المزيد من التمويل. من ناحية أخرى، أوقفت «سوني» تصنيع الروبوت الذي صممته على شكل كلب ويحمل اسم «آيبو»، وذلك عام 2006 بعد سبع سنوات من طرحه في الأسواق. رغم الشعبية التي حققها في بداية الأمر، لم ينجح «آيبو»، الذي تجاوزت تكلفته 2000 دولار، في اكتساح السوق الجماهيرية. من ناحيته، استهدف الروبوت الذي أنتجته «تاكارا تومي» تحت اسم «آي ـ سوبوت»، وهو قادر على تمييز الكلمات المنطوقة، وبلغ سعره 300 دولار، كسر الحاجز السعري. وباعت الشركة، ومقرها طوكيو، 47 ألف وحدة منذ طرح «آي ـ سوبوت» للبيع في أواخر عام 2007، حسبما أعلنت تشي يامادا، المتحدثة الرسمية باسم الشركة، مما جعل منه قصة نجاح كبرى في عالم الروبوتات. إلا أنه مع انحسار المبيعات العام الماضي، لم تعد لدى الشركة خطط لإطلاق المزيد من النسخ من الروبوت بعد انتهائها من القطع الموجودة بمخازنها والبالغ عددها حوالي 3 آلاف قطعة. في هذا السياق، قال كنجي هارا، المحلل بشركة «سيد بلاننغ» المعنية بشؤون التحليل والتسويق، إن كثيرا من المشروعات اليابانية المرتبطة بالروبوتات تميل للجنوح بعيدا عن الطابع العملي، والتركيز على الصور الآدمية وشطحات الخيال الأخرى التي يمكن طرحها في الأسواق بسهولة. واستطرد هارا موضحا أن «علماءنا اليابانيين ترعرعوا على مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة المتعلقة بالروبوتات. لذلك، يرغبون جميعا في صنع رفقاء منهم. لكن هل هم واقعيون في ذلك؟ هل يرغب المستهلكون بالفعل في روبوتات تساعدهم في أعمال المنزل؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»