«وول مارت» يثير الدهشة والحماس في الهند

الحكومة الهندية تشترط البيع لتجار الجملة فقط لحماية التجارة المحلية

وصول كبرى شركات التجزئة في العالم إلى كبرى أسواق العالم أثار المديح أكثر من الاحتجاج (أ. ب)
TT

لا تماثل الممرات الواسعة النظيفة لـ«وول مارت» على الإطلاق الأماكن التي اعتادت كافيتا غوبال التسوق فيها، فلا تمر عربات الريكشا المسرعة إلى جانبها وهي تشتري أكياس الأرز، ولا توجد مساومات ممزوجة بالدعابة حول سعر بيضة دجاج ولا يوجد جيران يصرخون من نوافذهم على الباعة الجائلين لشراء أشيائهم المفضلة.

تقول ربة المنزل كافيتا غوبال (22 عاما)، التي ترتدي ساريا أصفر اللون وهي تدفع بعربة تسوق كبيرة داخل المتجر الضخم مكيف الهواء: «إن المكان هنا براق وباعث على الاسترخاء، فهو يماثل بحق رحلة ممتعة».

وبالنسبة للمتسوقين الذين يماثلون غوبال، فإن وصول كبرى شركات التجزئة في العالم إلى كبرى أسواق العالم أثار المديح أكثر من الاحتجاج. وفي الأسابيع الأخيرة، كانت الجماهير تحتشد في المتجر الذي يقع على طريق غراند ترانك ـ طريق التجارة الأسطوري القديم الذي يمتد عبر الهند إلى باكستان.

فالجميع يريد أن يلقي نظرة خاطفة على المتجر الذي يشبه المستودع وعبواته الكبيرة أنيقة الترتيب من عصائر الفواكه المحلاة، والتلفزيونات ذات الشاشات المسطحة، وسلال الحلوى الهندية.

وعلى الرغم من أن «وول مارت» كان يثير في بعض الأحيان الجدل في الولايات المتحدة، فإن المتجر هنا ـ «بيست برايس مودرن» لتجارة الجملة وهي شركة مشتركة مع مجموعة «بهارتي» الهندية ـ قد أثار الحماس والدهشة.

يقول كمال غامبهير أحد تجار الجملة التي تقع مكاتبه المكتظة في أقدم أسواق تلك المدينة: «لدينا تعبير هنا في البنجاب: عندما يكون هناك زفاف، يندفع الجميع لرؤية العروس الجديدة، وأنا شخصيا عندما عدت من رحلة كنت أقوم بها وجدت الأطفال الصغار يسألونني: أين وول مارت الجديد؟ فقلت لهم إنه يقع على أكثر طرقنا قدما».

ويقبع «وول مارت» في منتصف حالة من الفوضى الشاملة، ففي أحد الأيام الماضية، كان بائعو البطيخ والمياه المثلجة يناورون بعربات اليد المترنحة وسط فوضى المرور القريبة حيث كانت عربة آيس كريم تتصارع مع بائع ريشات التنظيف على المساحة الشاغرة بينما يقف رجل شديد النحافة في ملابسه الداخلية وهو يغسل أسنانه على أحد جانبي الطريق.

وبهذا الشكل، فإن حالة طريق «غراند تراند» تماثل حالة الطريق التي وصفها روديارد كيبلينغ قبل أكثر من قرن: «نهر من الحياة كما لو أنه لا يوجد مكان آخر في العالم».

ولكي تحمي التجار الصغار، فإن الحكومة الهندية أمرت بألا يبيع «وول مارت» إلا لتجار الجملة، بالإضافة إلى أصحاب المحال وعائلاتهم وأصدقائهم، وهي الخطوة التي خففت التوتر بين رابطة التجار والأحزاب اليسارية. فمن حق أصحاب المحال أن يمنحوا حق الدخول إلى المتجر إلى ثلاثة من الأصدقاء وأفراد العائلة، بينما يطالب البعض الآخر باقتراض بطاقات العضوية لكي يحصلوا على فرصة للاستفادة من تلك الأسعار المخفضة.

وحتى مع ذلك فإنه من غير المرجح أن يتغلب «وول مارت» على هؤلاء التجار، لأن العديد من العاملين الذين يعرضون البضائع معروفون بالنسبة للجمهور الهندي. وفي النهاية، وعلى الرغم من ذلك فإن حوالي 3 في المائة فقط من سوق التجزئة بالهند يتم تنظيمه محليا.

وفي الوقت نفسه، فإن الحكومة الهندية ـ الحريصة على عدم إزعاج التجار، والفصائل السياسية ـ كانت حريصة على وضع قيود على الاستثمارات الأجنبية لشركات التجزئة التي تبيع ماركة واحدة، وهو ما دفع مؤخرا شركة إيكيا السويدية كبرى شركات تجزئة الأثاث العالمية إلى إلغاء خطة استثمار تقدر بمليار دولار أميركي، وذلك وفقا لتقارير نشرتها وسائل الإعلام الهندية.

كما كانت «وول مارت» كذلك على إدراك للحساسيات المحلية، فقد أوضحت على سبيل المثال أن أكثر من 90 في المائة من رفوفها محملة بالمنتجات التي يفضلها الهنود بالإضافة إلى البضائع الهندية المحلية مثل ماركة «أمول» لإنتاج الزبد ومنتجات الألبان.

وهذا لا يعني أن الجميع مرحبون بـ«وول مارت»، فقد قالت مجموعة «مراقبة الاستثمار الهندي المباشر»، وهي عبارة عن تحالف قومي من الاتحادات العمالية، والمدافعين عن البيئة، والمؤسسات غير الربحية، والأكاديميين: إن الشركة سوف تؤذي تدريجيا أصحاب المحال حتى إذا لم يكن متجرها مفتوحا للمستهلك العادي، وتقول المجموعة في بيان لها: «إن حجم وول مارت الكبير يعطيه سلطة اقتصادية مفرطة وهو ما يسمح له بتقليل التكلفة في قطاعات التصنيع والبيع بالتجزئة وبالتالي يعطيه القدرة على فرض المعايير التي تتناسب مع قوى العمل لديه».

ويقول بعض الخبراء إن التنوع في السوق الهندية ـ حيث يوجد عامل البناء الذي يكسب دولارين في اليوم، وأبناء الطبقة الوسطى والصناعيون من أصحاب المليارات ـ ربما يكون كافيا لسد حاجة الطلب لكافة فئات تجار التجزئة. ويقول مسؤولون بـ«وول مارت» إن الطبقات الوسطى والعليا الهندية خاصة هؤلاء الذين ينتمون لعائلات كبيرة أو مشتركة ربما يستفيدون من المقادير الكبيرة من المنتجات التي يبيعها المتجر. وإلى جانب «بهارتي»، تخطط «وول مارت» لفتح من 10 إلى 15 متجرا في كافة أنحاء البلاد خلال السنوات الثلاث القادمة.

يقول راج جين المدير الإداري والرئيس التنفيذي للشركة المشتركة «بهارتي وول مارت»: «إن الهند بلد معقد للغاية، فسوف يكون هناك دائما مساحة للمتاجر الضخمة وللتسوق في الأسواق المجاورة».

وأضاف جين أن المتجر قد حافظ على الطابع المحلي هنا: «حيث إننا نذيع موسيقى بوليوود الشعبية ونقدم الأطباق الشعبية الهندية في المقهى، فنحن لا نريد أن نغرب الناس».

ويقول شارانجيت سينغ ديلون أستاذ الاقتصاد في أمريتسار التي تقع في ولاية البنجاب شمال الهند إن «وول مارت» ومتاجر الجملة الهندية الأخرى سوف يكون لها تأثير كبير على الهند. ولكنها لن تغير أبدا البلد مثلما فعلت سلاسل المتاجر الكبرى مع المدن الأميركية الصغيرة؛ فلدى معظم الهنود مطابخ صغيرة، وهم يذهبون يوميا للتسوق لشراء الطعام الطازج، ويتسوقون ما يريدونه بالهاتف، وحتى يشترون بضائعهم من المحال المجاورة دون دفع فوائد. فيقول ديلون إن قلوب الهنود ما زالت مع الباعة الجائلين، مضيفا: «فما زال الناس يريدون أن يركبوا الدراجات البخارية حتى إذا كانوا لا يستطيعون تحمل نفقات الوقود، وهم حتى الآن يريدون فقط أن يروا وول مارت في الهند ويمكنهم أن يتحدثوا عن بقية القضايا لاحقا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»