ارتفاع معدل سرقة المصارف مع انهيار الاقتصاد الإسباني

165 عملية سطو مسلح في الثلث الأول من عام 2009

TT

كان المقاول البالغ من العمر 52 سنة في حاجة ماسة إلى إنقاذ شركته. ولعجزه عن سداد رواتب عماله ومواجهته الإفلاس، ذهب أوسينشيو سي جي، كما حددت الشرطة الإسبانية هويته، إلى المصرف، ولكن ليس لطلب قرض.

غطى الرجل بصمات أصابعه بشريط طبي لاصق وارتدى قناع تزلج وسترة عاكسة كي لا تتضح صورته على كاميرات المراقبة الأمنية، وسرق المقاول 80 ألف يورو من أربعة مصارف قبل أن يلقى القبض عليه، وهو يحاول القيام بالعملية الخامسة بالقرب من برشلونة في شهر فبراير (شباط).

ويساوي ذلك المبلغ حوالي 115.000 دولار، جاء نصفه من العملية الأولى، وتم إنفاقه لدفع رواتب العمال، وفقا لما اعترف به للشرطة.

ويعد المقاول، الذي يقبع الآن في السجن انتظارا للمحاكمة والقادم من بلدة ليادا التي تبعد عن هنا بمسافة 150 كيلومترا غربا، فردا في مجموعة أصبحت أكثر انشغالا في تلك الدولة التي أصابها الركود: لصوص المصارف.

وفي الحقيقة، مع اقتراب نسبة البطالة من 20 في المائة، وهي الأعلى في أوروبا، وتوقع انكماش حجم الاقتصاد الكلي بنسبة 4.2 في المائة في العام الحالي، ارتفع معدل سرقات المصارف في عام 2009 بنسبة 20 في المائة عن عام 2007، وفقا لاتحاد المصارف الإسبانية.

يقول فرانسيسكو بيريز أبيلان، رئيس قسم علم الإجرام في جامعة كاميللو خوزيه سيلا في مدريد: «في الشهور الأخيرة، أصبح واضحا أن إسبانيا تعاني من زيادة في سرقات المصارف. ونرى الناس التي ترتكب جرائم بسبب الحاجة، مجرمين لأول مرة لا يمكنهم الاستمرار في الحفاظ على أسلوب حياتهم لذلك يتحولون إلى الجريمة».

وفي منطقة برشلونة، كان 7 في المائة فقط من لصوص المصارف مجرمين لأول مرة في عام 2008، وفقا لجوزيه لويس ترابيرو، رئيس مباحث الشرطة المحلية. وقد قفز ذلك الرقم إلى 20 في المائة حتى الآن في العام الحالي.

وعلى الرغم من قول مديري المصارف إنه لا توجد صلة مثبتة بين الاقتصاد المنهار وارتفاع معدلات سرقة المصارف، فإن العديد من الإسبان يقولون إنهم يعتقدون أن ذلك الاتجاه ليس مجرد مصادفة. ومن بينهم اتحاد يمثل موظفي المصارف. وقد أقنع أخيرا الحكومة الإسبانية بتصنيف سرقة المصارف على أنها أحد المخاطر المهنية.

ويقول جوزيه مانويل موريكا، رئيس قسم الصحة في مقر العمل في القطاع المالي في أحد أكبر الاتحادات التجارية في إسبانيا، (الاتحاد النقابي للجان العمالية): «هناك بطالة، وجوع؛ وهناك أموال في المصارف، وحينها تجتمع العناصر الثلاثة. وترفض المصارف منح القروض، لذا تواجه الشركات مشاكل، مما يزيد من البطالة».

وأضاف: «لا يمكن للناس أن يسددوا رهونهم العقارية، لذا من المنطقي سرقة مصرف بدلا من صيدلية».

وعلى الرغم من زيادة المجرمين المبتدئين مثل المقاول، فإن مديري المصارف يقللون من أهمية تصاعد السرقات، ويعارضون أي تشبيه بأميركا في فترة الكساد الكبير، عندما استحوذ جون ديلينغر ومجرمون آخرون على خيال العامة.

يقول إدواردو زامورا، مدير الأمن في بانكو ساباديل، رابع أكبر مصرف إسباني: «إنها خرافة. من الممكن أن يكون لها أثر على مناطق أخرى في المجتمع، ولكني مقتنع بأن الأزمة الاقتصادية ليس لها تأثير على عمليات السطو».

وأضاف زامورا أن سرقات المصارف كانت أكثر انتشارا في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات. وطالما لم يتعد الرقم الإجمالي لسرقات المصارف 500 حادث في العام، كما قال زامورا: «فالوضع مستقر وتحت السيطرة».

ووفقا لاتحاد المصارف الإسباني، وقعت 165 عملية سطو مسلح في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2009.

ولكن قال موريكا إنه يعتقد أن الرقم الفعلي لعمليات السرقة أعلى من الرقم الذي أعلن عنه اتحاد المصارف. وقال أيضا إن موظفيه معرضون لخطر على وجه خاص بسبب عمليات الميكنة المتزايدة وانتشار الفروع ذات الموظف أو الاثنين والخزائن ذات الأقفال الزمنية التي تتطلب فترة انتظار لمدة 30 دقيقة قبل أن يتمكنوا من فتحها.

وفي الحقيقة، كان أوسينشيو يهاجم المصارف ذات الموظف الواحد، الذي غالبا ما يكون امرأة، وكان يراقب بدقة تحركات ضحيته بالإضافة إلى مقر المصرف قبل الهجوم.

ووفقا لما أدلى به للشرطة الإسبانية، كانت أول عملية قام بها أوسينشيو الأكثر نجاحا، حيث كانت حصيلتها 50.000 يورو أنفقها في دفع رواتب موظفيه. (ولم تكشف الشرطة الإسبانية عن اسمه كاملا لأنه ما زال في انتظار المحاكمة).

وخصصت حصيلة العمليات التالية من أجل مورديه، بالإضافة إلى نفقات أسرية ومن بينها مصاريف دراسة ابنته في لندن، كما أوردت الشرطة.

وعلى الرغم من أن لص المصارف المعتاد غالبا ما يكون ذكرا، إسباني المولد، يزيد عمره على 35 عاما، ويعمل بمفرده ويهاجم أماكن لا تبتعد عن منزله، وفقا لبيريز أبيلان، أستاذ علم الإجرام في مدريد، فإن موجة جديدة من اللصوص بدأت في الظهور أيضا.

ويأتي هؤلاء المجرمون من بين ملايين من العمال قليلي المهارة الذين جاءوا من أميركا اللاتينية، وأوروبا الشرقية ومن مناطق أخرى قبل أن ينهار الازدهار الطويل في مجال الإنشاءات في إسبانيا.

ويقول بيريز أبيلان: «لقد ظهر نوع من السوق المشتركة، شكله أشخاص من دول مختلفة جلبوا مهارات إجرامية مخصصة لزيادة مستوى العنف وسرعة القيام بسرقات المصارف».

وعلى سبيل المثال، تحول فريق مكون من أربعة رجال من عمال الدهان القادمين من أميركا الجنوبية إلى سرقة المصارف في مارس (آذار)، فاختطفوا مدير أحد المصارف وأسرته بالقرب من برشلونة واحتجزوهم حتى صباح اليوم التالي قبل أن يجبروا مدير المصرف على فتح قبو المصرف وتسليمهم ما يزيد على 150.000 يورو، أي حوالي 215.000 دولار.

وجاءت عصابة عمال الدهان، الذين لا يملكون سجلا إجراميا في إسبانيا، في الأصل من البرازيل والأرجنتين.

وقد ألقي القبض عليهم في الشهر الماضي، وهم ما زالوا يرتدون ملابس عمال الدهان ويحملون عبوة طلاء بالإضافة إلى مسدسات وقذائف وبنادق في المقعد الخلفي لسيارتهم، وهم يحاولون القيام بعملية سرقة أخيرة قبل العودة إلى أميركا الجنوبية بما نهبوه.

ويقول ترابيرو إنه نظرا لعدم وجود سجل إجرامي لهم، كان الوصول إلى مجرمين مثل أوسينشيو سي جي أو العمال الأميركيين الجنوبيين أصعب.

وفي عام 2007، تم حل لغز 87 في مائة من عمليات السطو على المصارف، مقارنة بـ72 في المائة في العام الماضي. وحتى الآن في عام 2009، تم حل ما يقل عن نصف العمليات بالقبض على مرتكبيها.

ولكن، يتميز ترابيرو، رئيس الشرطة ذو خبرة 19 عاما، بالصبر في تعقب فريسته.

ويقول: «كثيرا ما يستغرق الأمر أشهرا أو حتى أعوام لحل بعض القضايا. ويوجد لصوص أذكياء للغاية ينتبهون لكل التفاصيل، ولكنهم دائما ما يقعون في النهاية».

*خدمة «نيويورك تايمز»