الخصخصة في لبنان تخلط الأوراق السياسية وتهدد التزامات «باريس 3»

الأمين العام لمجلس الخصخصة: «لا إصلاح في لبنان ولا نهوض للاقتصاد من دون إشراك القطاع الخاص»

من حسنات الخصخصة أنها تدر مدخولا كبيرا على لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

ما زالت مسألة الخصخصة في لبنان تنتقل من متاهة إلى أخرى توّجها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط مؤخرا بموقف حاسم لجهة رفض حتى ذكر كلمة خصخصة في البيان الوزاري للحكومة المقبلة، مع أن معظم حلفائه في «14 آذار» يدعمون فكرة الخصخصة، فيما يلتقي معظم المعارضين في «8 آذار» معه على رفض الفكرة.

ولا شك في أن التنقل بين هذه المتاهات هو الذي حال دون تمكن حكومة تصريف الأعمال الحالية من التقدم خطوة واحدة، نحو باب الخصخصة، مع أن لبنان التزم في مؤتمر «باريس 3» بسلوك طريق الخصخصة وتحرير القطاعات من ضمن سلة الإصلاحات التي حملها إلى المؤتمر.

والملاحظ أن الموقف الجنبلاطي كان بمثابة الحصى التي ألقيت على سطح المستنقع، فتسببت بارتجاجات واسعة يعتقد بعض الخبراء أنها ستكون إحدى العقد التي ستواجه الحكومة المقبلة عند وضع بيانها الوزاري، التي يمكن أن تفضي، بحسب الخبراء أنفسهم، إلى إعادة تموضع سياسي عند طرح الخصخصة في الحكومة أو مجلس النواب، بحيث يلتقي جنبلاط مع «8 آذار»، في الوقت الذي قد يلتقي رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون أطراف الموالاة الآخرين.

والواضح أن موقف جنبلاط فتح الباب واسعا أمام السجال والنقاش حول الخصخصة منذ الآن وقبل أن تظهر ملامح الحكومة المقبلة. وفي هذا المجال كثف الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك من إطلالاته الإعلامية، مع أنه مقلّ في ذلك في الظروف العادية، ليدعو إلى إدراج الخصخصة في البيان الوزاري للحكومة المقبلة، باعتبار أنه «لا إصلاح اقتصاديا في لبنان ولا نهوض للاقتصاد من دون إشراك القطاع الخاص في تسيير مرافق الدولة». وإذ وصف موقف جنبلاط بـ«ردة فعل عاطفية لن يكون لها تأثير سلبي على الخصخصة» رأى أن «من حسنات الخصخصة أنها تدر مدخولا كبيرا على لبنان، وتساهم تاليا في إطفاء جزء من الدين العام، مما قد يؤدي إلى تقليص خدمة الدين، وتحسين الإدارة ونوعية الخدمة وخفض الفاتورة للمواطن، وتعزيز أداء البورصة وتوفير فرص العمل الإضافية».

وإذا كان حايك يعطي الأولوية لخصخصة قطاع الاتصالات فإنه لا يغفل قط قطاعات الكهرباء والماء، والنقل (شركة الميدل إيست بصورة خاصة). وكان من المفترض أن تطلق خصخصة قطاع الاتصالات في فبراير (شباط) 2007، وكانت الظروف مواتية لا بل ممتازة، وكانت هناك عشر شركات جاهزة للمشاركة في المناقصة، لكن الانقسام السياسي عطل العملية، وأضاع فرصة ثمينة غير متوافرة اليوم بسبب الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على أسهم شركات الاتصالات واستعداداتها لخوض تجارب جديدة. واللافت أن الانقسام السياسي تلازم مع انقسام في إدارة الاتصالات تمثل في الخلاف القائم والمتمادي بين الهيئة المنظمة للاتصالات، وهيئة «أوجيرو» التي تدير أعمال وزارة الاتصالات، كما تلازم مع تباين في وجهات النظر بين وزير الاتصالات جبران باسيل والمجلس الأعلى للخصخصة، بحيث يعطي الأول أفضلية الاكتتاب بشركتي الهاتف الجوال للبنانيين، مقيمين ومغتربين، فيما يصر الثاني على فتح الأبواب أمام الشركات العالمية الموثوقة، ولكن هذين الفريقين الأخيرين يتفقان على أمرين اثنين أولهما الاستمرار في تطوير البنية التحتية للاتصالات، وثانيهما إمكان بيع جزء من شركتي الهاتف الجوال لتحقيق المنافسة الفعلية مع إنشاء الشركة الثالثة التي ينص قانون الاتصالات على أن تبقى في عهدة الدولة عبر مؤسسة «ليبان تليكوم» التي لم يكتب لها أن ترى النور بعد، والأرجح لأسباب سياسية.

غير أن البعض لا يوافق حايك على إعطاء أولوية الخصخصة للاتصالات، لعدة أسباب أولها استمرار الانقسام السياسي الحاد، وعدم توافر المناخ المواتي للاستثمار في قطاع الاتصالات، وتصاعد عائدات الخزينة العامة من هذا القطاع، بل ركز هذا البعض على أولوية خصخصة قطاع الكهرباء الذي أورث ربع الدين العام، ولا يزال يستنزف عائدات الخزينة ويزيد من أعباء هذا الدين، خصوصا أن وزير الطاقة والكهرباء آلان طابوريان «يكرس وقته» لإطلاق التحذيرات من أن البلاد «تتجه بسرعة نحو الكارثة في حقل الطاقة، إذا لم يتم إطلاق مشاريع بناء معامل جديدة من دون إبطاء»، معتبرا أن «مشكلات سرقة التيار الكهربائي، وضعف الجباية والفوضى التنظيمية هي مشكلات تحتاج إلى حلول سريعة ولكنها تبقى طفيفة أمام أزمة الطاقة الكبرى»، حيث يعاني لبنان من نقص في احتياجاته من الطاقة يبلغ 700 ميغاوات أي ما يشكل 32 في المائة من مجموع الاستهلاك. وهنا يكمن سبب التقنين القاسي المطبق حاليا في لبنان، الذي لا تحله الكمية المستأجرة من مصر، التي لا تتجاوز 120 ميغاوات، وحتى هذه الكمية لا يمكن الاستفادة منها في ساعات الذروة.

ويرى الوزير طابوريان أن تفادي «العتمة الكبرى» لا ينتظر بناء معامل جديدة (يحتاج إنجازها لخمس سنوات) بل ينبغي شراء مولدات تغطي النقص في الوقت الذي يكون قد بوشرت فيه إعادة تأهيل المعامل الحالية وبناء معامل جديدة تعمل على الفيول اويل، والغاز.

وسواء استطاعت الحكومة المقبلة إيجاد حل لعقدة الخصخصة أو لم تستطع، فإن عيون الجميع تبقى شاخصة على المانحين، وما إذا كانوا سيكملون ما التزموا به في مؤتمر «باريس 3»، أو ما إذا كانوا مستعدين في حال عدم التزام الحكومة بكامل البرنامج الإصلاحي لعقد مؤتمر رابع يوفر للبنان جرعة إضافية لمعالجة المرض المزمن الذي يعاني منه.