النشاط التجاري الفضائي لا يزال محدودا

50 مليار دولار «حجم» صناعة الفضاء

صناعة الفضاء حققت نموا بنسبة 25% فقط منذ أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات
TT

بعد أربعين عاما على هبوط طاقم مهمة «أبولو 11» على سطح القمر، لم يشهد النشاط التجاري المرتبط بالفضاء الازدهار الذي تكهن البعض بإمكانية حدوثه في يوم من الأيام. في هذا الصدد، قال جون بايك، المحلل المعني بتتبع المستجدات بصناعة الفضاء داخل منظمة «غلوبال سيكيوريتي» الفكرية: «إننا في عام 2009، وكنا نظن أننا سنتمكن من ارتياد الفضاء باستخدام طائرات بان أميركان بحلول الوقت الراهن. وظننا أن الصواريخ التي سيجري إطلاقها كل عام سيزيد عددها باستمرار وتتضاءل تكلفتها بمرور الوقت، لكن ذلك لم يتحقق». بدلا من ذلك، يقدر المحللون أن صناعة الفضاء حققت نموا بنسبة 25% فقط منذ أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات. وتشير التقديرات الراهنة إلى أن الصناعة تقدر بحوالي 50 مليار دولار ويأتي قرابة ثلث هذا المبلغ في صورة إنفاقات لخدمة مصالح الإدارة الوطنية للملاحة الفضائية والفضاء (المعروفة اختصارا باسم ناسا) وثلث آخر لصالح برامج تتبع وزارة الدفاع، أما الباقي فيتعلق بمجالات تجارية خاصة.

على خلاف الحال مع السيارات ورقائق الحاسب الآلي، التي باتت أفضل وأسرع وأرخص بمرور السنوات، «لا تعد صواريخ الفضاء اليوم أفضل حالا مما كانت عليه في سبوتنيك»، حسبما استطرد بايك، في إشارة إلى مهام سفينة فضائية أطلقها الاتحاد السوفياتي بدأت في الخمسينات. والملاحظ أن صناعة الفضاء لا تزال تخضع لهيمنة شركات دفاعية ذات موارد مالية ضخمة مثل «لوكهيد مارتن»، ومقرها بيثيسدا، و«بوينغ» العملاقة، ومقرها شيكاغو. (يذكر أن قسم الفضاء داخل «لوكهيد مارتن» يحقق وحده عائدات سنوية تصل إلى 8 مليارات دولار، معظمها من جانب وكالة «ناسا» والمؤسسة العسكرية، ويعمل به 18000 فرد بمختلف أرجاء البلاد). المقاولون المنتمون للقطاع الخاص أيضا، ومعظمهم من كبار المليارديرات، يعتمدون على عقود «ناسا» لتطوير منتجات جديدة، حسبما أوضح ماركو إيه. كاسيريس، المحلل البارز ومدير شؤون دراسات الفضاء في «تيال غروب»، وهي شركة استشارية معنية بصناعة الفضاء. وأضاف أن «التعامل مع الفضاء ينطوي على تكلفة أعلى بكثير وصعوبات فنية أكبر بكثير من أية صناعة أخرى. لم يتمكن أي شخص من التوصل إلى أمر يمكن تحقيقه في الفضاء يثمر الكثير من المال. في إطار النشاط التجاري المرتبط بالطائرات والسكك الحديدية، بات واضحا أن نقل الشحنات يجني المال، لكن الأمر ليس بهذه السهولة في الفضاء». ولم يترتب على كبح الحكومة بمرور الوقت جماح ميلها للإنفاق الكثير من الفوائد. في ذروة حقبة «أبولو»، حصلت «ناسا» على 4 في المائة من الميزانية الفيدرالية. والآن، انكمشت النسبة إلى أقل من 1 في المائة، طبقا للأرقام الصادرة عن «اتحاد صناعات الفضاء». وأسهم هذا التراجع في التمويل في حدوث اندماج سريع داخل الصناعة على امتداد السنوات. على سبيل المثال، في فترة من الفترات، كانت كل من «دوغلاس إيركرافت» و«مكدونيل إيركرافت» و«نورث أميركان أفييشن» و«روكويل إنترناشيونال» جميعها عناصر فاعلة داخل برنامج الفضاء. الآن، اندمجت شركات الفضاء الأربعة في «بوينغ» العملاقة. من ناحيته، قال بات شونديل، نائب رئيس «بوينغ» لشؤون استكشاف الفضاء: «لم تتوافر الميزانية اللازمة للتنافس بمجال البرامج والفوز واحتلال المرتبة الأولى بين المقاولين فيما يخص برنامج الفضاء. وعليه، كان من المنطقي أن تندمج الشركات». جدير بالذكر أن القوة العاملة بصناعة الفضاء انكمشت هي الأخرى. عام 1969، وظفت «ناسا» 218345 فردا، بينهم مقاولون. عام 2008، وظفت الوكالة 169113 شخصا. ومن الممكن أن تتراجع قوة العمل الأميركية على نحو أكبر إذا ما مضت «ناسا» قدما في خططها لإحالة المركبة الفضائية إلى التقاعد. ومن المقرر ألا تبدأ المركبة الفضائية التي ستخلفها في الطيران حتى عام 2015 على أقرب تقدير. وأوضح شونديل أنه «خلال هذه الفترة الانتقالية، نواجه مخاطرة وجود أعداد كبيرة من الموظفين لا عمل لهم». قد يكون هذا القول صحيحا بالنسبة للولايات المتحدة، لكن ليس بالنسبة للصين والهند واليابان، التي تسارع جميعها لإرسال رجالها ونسائها إلى الفضاء. وعند اكتمال المحطة الفضائية الدولية، ستشكل محورا للتعاون عبر مختلف الدول والثقافات. إلى جانب ذلك، تقوم روسيا حاليا بعمليات إطلاق مركبات إلى الفضاء ضعف ما تقوم به الولايات المتحدة، مما يشكل تحولا بالغا عما كان عليه الحال أواخر الستينات، عندما كان العكس تقريبا هو الصحيح. قال شونديل: «يعتمد التوجه المستقبلي الخاص بتنامي نشاطات استكشاف الفضاء على التوسع إلى ما وراء ما تقوم به ناسا». من جهته، قال إريك أندرسون، الرئيس التنفيذي لـ«سبيس أدفنتشرز»، شركة سياحة فضائية مقرها فيينا، إن الصناعة لا تزال «في مراحلها الأولى فحسب». وأضاف «هناك إمكانية خلق سوق أكبر». ونوه بأنه في هذا الربيع، دفع الرئيس التنفيذي السابق لـ«مايكروسوفت»، تشارلز سيموني، 35 مليون دولار للطيران إلى المحطة الفضائية الدولية. يذكر أن الشركة بدأت نشاطها عام 1998، لكن سيموني رفض الكشف عن حجم الأرباح التي تحققها. واكتفى بالقول: «إننا نحقق أرباحا. لا نحقق أرباحا هائلة، لكننا نسدد فواتيرنا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»