الجفاف يؤثر سلبا على جهود إعادة بناء اقتصاد العراق

المياه سلعة ثمينة في الشرق الأوسط يمكن أن تؤدي إلى نشوب حروب

TT

ما كان يُعرف في التاريخ بالهلال الخصيب الذي أدت أراضيه الزراعية الخصبة ومياهه الوفيرة إلى قيام الحضارة أصبح اليوم صحراء جرداء حيث يزحف نهرا دجلة والفرات ببطء نحو البحر.

فهناك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية العراقية لكنها مشققة وقاحلة، وقد جفت الأهوار الثمينة كما تحجب العواصف الرملية أشعة الشمس.

حتى «نهر صدام» وهو نظام الصرف الرئيسي الذي دشنه الرئيس السابق صدام حسين في الثمانينات لإعادة العراق إلى مجده الزراعي القديم تحول إلى جدول هزيل أخضر اللون يجري على مستوى منخفض كثيرا عن العلامة التي تركها أعلى منسوب له. وأوضحت وكالة «رويترز» للأنباء أن هذه هي أعراض نقص متفاقم في المياه يهدد بتقويض جهود العراق لإعادة بناء اقتصاده بعد ست سنوات من الصراع منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. والمياه سلعة ثمينة في الشرق الأوسط القاحل الذي يتكهن الكثير من الخبراء بأن تنشب فيه حروب في المستقبل إذا لم يتم التوصل إلى حل مستديم. وازداد التوتر في وقت سابق هذا الشهر حين أعلنت تركيا أنها ستستأنف العمل في خطتها المثيرة للجدل لبناء سد على نهر دجلة في جنوبها الشرقي.

وسحب الداعمون الأوروبيون تأييدهم لمشروع سد إيليسو استنادا إلى معايير ثقافية وبيئية وهو ما يمثل انتصارا مؤقتا لبغداد لكن أنقرة عقدت العزم على المضي قدما حيث تسعى إلى خفض اعتمادها على واردات الطاقة. ويقول عمرو هاشم الخبير الاقتصادي بجامعة المستنصرية ببغداد أن هذه ليست أزمة جديدة على العراق لكنها هذه المرة أكثر خطورة من أي وقت مضى. ويسارع الساسة العراقيون إلى الإلقاء باللائمة على الجيران: تركيا وإيران وسورية، لإقامتهم سدودا واستخدامهم المتزايد للمياه لكن الخبراء يقولون أن مشكلات العراق ترجع أيضا إلى الزيادة الكبيرة في عدد السكان وسوء الري وعدم وجود حوافز تذكر لترشيد استهلاك المياه. ويقول ديفيد مولدن نائب رئيس المعهد الدولي لإدارة المياه في سريلانكا: «المشكلة هي اجتماع كل العوامل معا، التمدن والتغير المناخي وتقلب المناخ على المدى القصير وازدياد الطلب على الغذاء». وأضاف: «العراق مكان، لكنه ليس وحده في العالم. نعم يستطيعون دوما إلقاء اللوم على الجيران أو التغير المناخي، لكنهم في نهاية المطاف يجب أن يغيروا أسلوب إدارة المياه». وهذا العام هو الثاني الذي يعاني فيه العراق جفافا شديدا، ويقول مسؤولون أميركيون في بغداد إن استخدام الاحتياطيات العام الماضي سبب أسوأ نقص في المياه خلال عقد. وقد يأتي الجفاف بواحد من أسوأ محاصيل القمح خلال عشر سنوات وسط توقعات بانخفاض المحصول إلى 1.35 مليون طن أي نحو نصف المحصول المعتاد، وهي انتكاسة كبيرة لبلد كان يمد المنطقة يوما بالحبوب لكنه يصنف اليوم ضمن أكبر مستوردي القمح في العالم. ويقول صلاح فيصل وهو مزارع يؤهل نفسه لانخفاض محصول مزرعته جنوبي بغداد أن نقص المياه ليس السبب الوحيد في الضعف الشديد الذي تعانيه الزراعة بالعراق. وتابع تحت حرارة شمس الصيف اللافحة: «في الثمانينات كانت هناك الحرب مع إيران، وفي التسعينات كانت هناك الكويت، والآن الأميركيون. هناك ما بين خمسة وستة ملايين شهيد و70 في المائة من الناس في الريف فروا. ماذا تتوقعون». والاضطراب في قطاع الزراعة يعني اضطرابا للعراق إذ يعمل به أكبر عدد من القوة العاملة، لكنه يبدو ضئيلا إذا قورن بالنفط من حيث العائد الاقتصادي». والخوف من استقطاب المتشددين للشبان العاطلين من العوامل التي تقف وراء مبادرة خاصة أطلقها رئيس الوزراء نوري المالكي لإنعاش قطاع الزراعة المحتضر. غير أن النتائج ستكون بطيئة في الوقت الذي يحث فيه المسؤولون المزارعين على التخلي عن ممارسات مثل الري بالغمر الذي أدى إلى زيادة ملوحة التربة وساعد على خفض خصوبة الأراضي الزراعية. وفي غياب نظام ملائم للصرف فإن الممرات المائية العراقية مالحة بدرجة خطيرة. وتبلغ درجة ملوحة المياه التي تتدفق إلى العراق 400 جزء في المليون. وتقول وزارة الزراعة إنها حين تصل إلى الخليج يرتفع هذا المستوى إلى ألفي جزء في المليون.

وقال مولدن إنه بالمقارنة مع هذا هناك نحو ألف جزء في المليون في مصب نهر كولورادو. وأضاف: «ستنخفض إنتاجية معظم المحاصيل باستثناء الأكثر تحملا للملح حين تروى بهذه المياه».

وفي بغداد يتكوم الطين حول حقول من البوص تظهر الآن في نهر دجلة الذي يتدفق ببطء، وهو مشهد بعيد كل البعد عما كان الوضع عليه قبل 20 عاما حين كان الأطفال يسبحون في تياراته السريعة معرضين أنفسهم للتهلكة.

ويهدد النقص المزمن إمدادات مياه الشرب ونظام الصرف الصحي ويفاقم من مشكلات الصحة العامة إبرام أي اتفاقات مع إيران أو سورية أو تركيا والتي ترفض جميعا منح العراق حصة أكبر من المياه. ورغم أن هذه خطوة رمزية إلى حد كبير فقد عبرت عن استياء سياسي عميق.

وقال جمال البطيخ عضو لجنة المياه بالبرلمان إن الحكومة لا تملك إرادة سياسية، وأشار إلى أنها بحاجة إلى استغلال علاقاتها مع الولايات المتحدة للضغط على تركيا. ومن الممكن أن تؤدي محاولات لَيّ ذراع الحكومة إلى تقويض جهود المالكي لتحسين العلاقات الهشة مع تركيا التي هي شريكة تجارية رئيسية كثيرا ما ثارت بينها وبين بغداد خلافات بشأن المتمردين الأكراد في شمال العراق. وتزداد الشكاوى من مسؤولين عراقيين مثل عون ذياب عبد الله المسؤول عن إدارة موارد العراق المائية الذي يشكك في وعود تركيا بضمان حد أدنى من المياه يبلغ 400 متر مكعب في الثانية عند النقطة التي يترك فيها نهر الفرات تركيا ويدخل سورية قبل أن يعبر إلى العراق. ورممت الولايات المتحدة مضخة للصرف في جنوب العراق هي الكبرى في الشرق الأوسط. وتصرف المضخة مياه الري الزائدة في البحر وستزيل إذا أديرت بشكل جيد ملوحة التربة بمرور الوقت.