الصناعات الثقيلة في أوروبا الشرقية تواجه أزمة الاستمرار

مخاوف من زيادة معدلات البطالة والمؤثرات الاجتماعية السلبية

TT

ربما لا تبقى بعض الصناعات الثقيلة داخل أوروبا الشرقية لترى نهاية الأزمة الاقتصادية الحالية، على الرغم من أنها تمكنت من الاستمرار بعد انهيار الشيوعية قبل 20 عاما. وأوضحت وكالة «رويترز» للأنباء في التقرير الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن التراجع الاقتصادي، الذي وجّه ضربة قوية لاقتصادات المنطقة التي تعتمد على الصادرات، يهدد بلدانا كانت قوية إبان الحقبة الشيوعية وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى زيادة في معدلات البطالة، وستكون له آثار اجتماعية كبيرة. ويعمل غيزا توكودي في مصنع الصلب المجري «دام» شمال شرقي مدينة ميسكولك، منذ 38 عاما. وقد جعلته الأزمة العالمية يواجه ما لم يكن في حسبانه يوما، حيث تم إغلاق المصنع بالكامل قبل ستة أشهر في الوقت الذي كان يبحث فيه عن مشتر جديد. وفي الوقت الحالي، يسود صمت مخيف على قاعات الإنتاج الكبرى، التي كان يعمل فيها 18000 عامل.

وقال توكودي بينما كان يتمشى في القاعات الرحبة المهجورة خلال زيارة أخيرة للمصنع: «اعتادت أذناي سماع صخب المصنع. نعم، يكون الهدوء شيئا جيدا عندما تريد الحصول على الراحة. ولكن هنا، يعد الهدوء أسوأ كثيرا من الضوضاء».

والصوت الوحيد الذي يسمح داخل المصنع هو طقطقة الأشياء المعدنية من حين لآخر بسبب التمدد أو الانكماش مع تغير درجات الحرارة، أو زقزقة الطيور التي تدخل إلى المصنع من نوافذه المفتوحة أو المكسورة.

ويشار إلى أن مجمع الصلب، الذي كان يطلق عليه في الماضي «لينين لأعمال الصلب»، نما سريعا في الخمسينات من القرن الماضي عندما كانت الحكومة الشيوعية تسعى إلى جعل المجر «بلد الحديد والصلب» على الرغم من قلة المواد الخام أو الطاقة ذات الكلفة المنخفضة.

وفي أيام المجد في الثمانينات، كان يعيش في مدينة ميسكولك أكثر من 200000 شخص، معظمهم يعملون في هذا المجال. وتراجع عدد السكان حاليا إلى نحو 170000، وتبلغ معدلات البطالة 15 ـ 16 في المائة، وهو معدل أعلى كثيرا من متوسط المعدلات الأخرى داخل المجر التي تبلغ 9.8 في المائة.

ويقوم مصنع «دام»، الذي نجا من عمليات خصخصة في التسعينات غيرت من ملاكه عدة مرات بسبب مشاكل مالية، بتسريح موظفيه الباقين البالغ عددهم نحو 700 موظف.

وبدأت العملية في 24 يونيو (حزيران)، ويجب على المسؤول عن التصفية عرض الأصول للبيع خلال 120 يوما من هذا التاريخ. وإذا عثر المصنع على مستثمر جديد فقد يمكنه البقاء، ولكن يغيب التفاؤل.

ويقول جوزيف باب، الذي يبلغ من العمر 53 عاما وعمل في «دام» على مدى 36 عاما: «كانت هناك عمليات تصفية قليلة، وكان المصنع يتمكن دوما من الاستمرار، ولكن لا أظن أن هذا هو الحال هذه المرة».

ويشار إلى أن مصانع وشركات الصلب في مختلف أنحاء أوروبا تعمل بمعدلات قدرة تبلغ 55 ـ 60 في المائة خلال العام الجاري، كما أنها أرجأت خططا للاستثمار وخفضت من الوظائف في تعاملها مع أكبر تباطؤ يؤثر على الصناعة منذ الحرب العالمية الثانية.

وتواجه مدينة ميسكولك، وهي ثاني أكبر مدينة في المجر بعد العاصمة بودابست، صعوبة في التكيف مع معدلات البطالة المتنامية والنقص في الوظائف الجديدة.

وتقول أغنس دوداس، وهي رئيسة مكتب البطالة في ميسكولك، إن عدد العاطلين المسجلين ارتفع إلى 18200 في مايو (أيار) مقارنة بـ13000 في نهاية العام الماضي. وتضيف أن أكثر من نصف هؤلاء الذي يفقدون وظائفهم في مصنع الصلب أعمارهم أكثر من 50 سنة، وسيكون من الصعب بالنسبة لهم العثور على عمل جديد على الرغم من أن المدينة تحصل دعم في إطار برنامج للاتحاد الأوروبي مصمم للمناطق التي ضربتها الأزمة.

وتقول دوداس: «هؤلاء الذين عملوا في (دام) لمدة 30 ـ 40 عاما لم يكونوا يتخيلوا يوما أنهم سوف يتركون المصنع، وفي البداية سيكون عليهم التغلب على الصدمة، ولكن سيكون ذلك صعبا عليهم».

وتعيش في مدينة ميسكولك جالية كبيرة من الغجر يتراوح عددهم بين 12000 و15000، ومعظمهم اعتادوا العمل في وظائف لا تعتمد على مهارات معينة في صناعة الصلب. وبالإضافة إلى أعمال الصلب، تعيش المئات من العائلات في منازل لا توجد بها مياه جارية ولا نظم صرف صحي. ويقول فيرينك بوتوس، الذي يعمل لصالح مجلس أقلية الغجر المحلية: «معظم العائلات هنا تعيش على المساعدات الاجتماعية في الوقت الحالي».

وتعد أقلية الغجر في المجر من أكبر الأقليات في أوروبا الوسطى، وتبلغ نسبتها 6 ـ 7 في المائة من السكان. وظهر التوتر الاجتماعي المتنامي في مدينة ميسكولك، التي كانت معقلا للاشتراكية في الماضي، في نتائج انتخابات أوروبية في يونيو (حزيران)، عندما حصل حزب يوبيك اليميني المتشدد على 21 في المائة من الأصوات، وحصل الاشتراكيون على 23 في المائة. ويقول امري لاكاتوس، رئيس اتحاد عمال الحديد الذي عمل في مصنع «دام» على مدى 40 عاما: «انهارت الصناعات، ولا تتطور الخدمات بوتيرة تسمح لهم بامتصاص العمالة الزائدة».

وتقع مدينة داناوجفاروس، التي كانت تدعى في السابق ستالينفاروس أو مدينة ستالين، على بعد 70 كيلومترا أو 43.5 ميل جنوب بودابست، وبها أكبر مصنع صلب في المجر «دونافر».

وقد شهد المصنع، وهو إحدى الوحدات التابعة لمجموعة «دونباس» الأوكرانية، تراجعا بنسبة 40 في المائة في عوائده خلال الربع الأول من عام 2009. وأعلن المصنع أنه سوف يقوم بتسريح 400 عامل، بالإضافة إلى إحالة المئات الآخرين للتقاعد المبكر في محاولة للتعامل مع الأزمة. وسوف تبلغ العمالة بعد إعادة الهيكلة 7200 موظف. ولكن، ثمة آمال جيدة بخصوص المدينة في مواجهة الأزمة، بسبب قربها من العاصمة بودابست وبسبب استثمارات مصنع الإطارات الكوري الجنوبي «هانكوك» في عام 2006، والتي ساعدت على خلق وظائف جديدة.

وتستخدم الوحدة التابعة لـ«أرسيلورميتال» التشيكية 35 ـ 45 من قدراتها بسبب ضعف الطلب. وتقع الوحدة في شمال شرقي جمهورية التشيك حيث تنتشر البطالة. وقد كثر المعروض في قطاع الصلب، مما ألحق الضرر بـ«نيو وورلد ريسورسس»، التي تمتلك مناجم الفحم الأكبر في جمهورية التشيك.

وعلى مدار الأعوام العشرين الماضية، ظهر في القوة العاملة القليل من علامات التغير داخل الكثير من المراكز الصناعية الشيوعية سابقا. ويقول ديفيد ماريك، وهو اقتصادي في «باتريا فينانس»: «من الصعب توقع أي تغير هيكلي كبير في المناطق الصناعية لأن من لديهم مهارة في مجال التصنيع الثقيل أو التعدين لا يمكنهم التحول بسهولة إلى قطاعات أخرى من الاقتصاد».. و«يمكن أن يمثل ذلك مشكلة كبرى بالنسبة لهذه المناطق، لا سيما مع التركيز الكبير على الصناعات الثقيلة مثل الصلب أو الفحم. وستمثل هذه أيضا مشكلة اجتماعية وليس مشكلة اقتصادية وحسب».