كيف يتم نشر شائعات الصفقات في الخليج

الرياض ـ رويترز

TT

كانت محادثاته الهاتفية تأتي في أي وقت ـ أثناء ساعات التداول أو عند منتصف الليل أو في أيام العطلات الأسبوعية ـ لكن مضمونها كان واحدا: «أهلا، حازم يحدثك. لدي خبر هام لك».

وبعد المكالمة الثالثة أو ما يقرب من ذلك، تمكنت من تعقب الكويتي الغامض الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويتفاخر دائما بعمله. لقد كان حازم خالد البريكان، الذي يبدو أنه انتحر بإطلاق رصاصة واحدة على رأسه يوم الأحد، حسبما أفادت الشرطة، في قلب عاصفة الدعوى التي رفعتها لجنة مراقبة عمليات البورصة ضد شركاته وشركات مالية عربية أخرى. وكان حازم يبلغ من العمر 37 عاما. وقد أفادت لجنة مراقبة عمليات البورصة يوم الخميس بأنه ربح ملايين الدولارات من تداول أسهم شركة «هارمان إنترناشيونال إندستريز إنك» و«تكسترون إنك». وقد أنكرت الشركات كافة الخاصة به هذه المزاعم. وكان البريكان الذي عمل في مناصب كبرى لأكبر شركات الاستثمار في شركة الكويت للمشروعات (كيبكو) يحب التفاخر بمنصبه أو استثماراته وكان يناقش إشاعات السوق مع المراسلين. وبعد الاتصال بي وعدم الإفصاح عن هويته، قمت بتعقبه من خلال طلب الرقم الذي كان يتصل منه ـ رقم داخلي في ذراع صندوق كيبكو والمعروفة باسم كامكو ـ وتركت رسالة مع السكرتارية وذهبت سريعا إلى مكتبه في مدينة الكويت. وعندما فتحت السكرتيرة الباب وأعلنت عن قدومي، كان الارتباك باديا على حازم الذي كان يرتدي الثوب الأبيض العربي التقليدي، ولكنه كان هادئا ومهذبا تماما. وقال حازم بينما كان يطلب الشاي «أهلا أولف، سررت بلقائك». وقد ناقشنا الأمور السياسية في الكويت والعالم، لكنه لم يرغب في الإفصاح عن أي مصادر خاصة بالإشاعات التي حاول نشرها من خلال الاتصال بي أو غيري من المراسلين. وكان رده هو عبارة كان يرددها دائما وقال: «أسمع ذلك من السوق وسوف أخبرك دائما أولا». وقد أعطاني كثيرا من بطاقات العمل الخاصة به التي تظهر عمله في عدة شركات، لكنه لم يعطني رقم هاتفه الجوال ولم تتوقف اتصالاته. ويشبه التعامل مع أشخاص مثل البريكان الذين يتحدثون بصراحة عن إشاعات السوق، التحديات التي يواجهها صحافيو الاقتصاد في دول الخليج العربي. فمع وجود 17 صحيفة تتنافس في مجال الأخبار، نجد الصفحات الاقتصادية مليئة بالتقارير مجهولة المصدر ـ قد تحتوي التقارير الكبيرة على نحو 15 خبرا عن عمليات استحواذ أو أرباح أو إيرادات ـ وقد يكون بعضها صحيحا وبعضها الآخر غير ذلك، ولكن معظمها يتحدث عن حركة السوق. وعلى الرغم من ثراء الكويت الشديد، ووجود عشر احتياطات البترول العالمية بها، فإنه ينقصها التنظيم المالي لإحكام التداول الداخلي بصورة فعالة. وهي الدولة الخليجية الوحيدة صاحبة ثاني أكبر بورصة عربية تشرف على نفسها إلى حد كبير، حيث تم تأجيل تنفيذ خطط لإنشاء هيئة مالية لعدة سنوات. وغالبا ما تجبر البورصة ـ التي يسميها البعض هناك باسم الكازينو ـ الشركات على التفاعل مع تقارير مجهولة المصدر من خلال وقف تداول أسهمها حتى يتم إصدار بيان. لكنها لم تتمكن مطلقا من وقف ماكينة الإشاعات في مدينة الكويت. وكان حازم على اتصال دائم، وكان يمكن أن يحدث ذلك عدة مرات في الأسبوع، حيث كان يتفاخر بآخر خططه، ويناقش الإشاعات التي كان يرغب من «رويترز» الكتابة عنها. وكان يتسم دائما بالتهذيب الشديد، لكنه كان حازما بل وقاسيا في بعض الأحيان. وقد قال لي ذات مرة: «ألم تشاهد هذا الخبر في الصحف؟ لقد فاتك خبر كبير»! وفي هذه المرة، كان حازم يرغب من «رويترز» أن تكتب عن تقرير مجهول المصدر نشر في إحدى الصحف المحلية حول المناقصة التي كان من المنتظر أن تطرحها الولايات المتحدة أمام البنوك المحلية الكويتية والتي أخبرنا عنها في وقت سابق. وقبل خدعة تكسترون في شهر أبريل (نيسان) اتصل بي عدة مرات في وقت متأخر من المساء وأرسل لي رسائل نصية تفيد بأنه يحتاج بصورة عاجلة إلى الحديث معي بعد أن رفضت استقبال مكالماته، حيث كنت أشعر بوجود إشاعة أخرى في السوق. وعندما استقبلت اتصالا منه في نهاية الأمر قال لي إن لديه خبرا هاما. وقد أعطاني التفاصيل نفسها المتعلقة بتكسترون والتي ظهرت بعد ذلك في الصحف المحلية ـ مما رفع من أسهم الشركة بنسبة 47 في المائة. وقد تكرر الأمر مع شركة «هارمان»، وحدث الشيء نفسه بعد أن غادرت الكويت متجها إلى المملكة العربية السعودية. وقد اتصل حازم بزملائي وأعلن عن «عملية استحواذ» سوف تحدث، وعندما ظهر الخبر في الصحف المحلية طلب منا نشره.