البرازيل: 600 مليار دولار تكلفة تطوير حقول النفط الجديدة

تسعى لفرض المزيد من السيطرة على نفطها

الرئيس البرازيلي دا سيلفا (يمين) وغابرييلي خلال زيارة لمجمع لإسالة الغاز في خليج كوانبرا في ريو دي جانيرو(رويترز)
TT

بعدما حظيت بأكبر كشف بترولي منذ سنوات، تسعى الحكومة البرازيلية للتخلي عن التعاون مع شركات النفط الأجنبية، وفرض سيطرة مباشرة على عمليات استخراج البترول. وتأتي هذه الخطوة في إطار الاتجاه الوطني المتنامي لزيادة الأرباح التي تحصل عليها الدولة من الموارد الطبيعية، ولتعزيز وضعها كقوة عالمية. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى بطء عمليات تطوير حقول النفط في الوقت الذي يتطلع فيه العالم للحصول على موارد ومصادر جديدة للطاقة، وفقا لما قاله المحللون.

وخلال الشهر الجاري، أعلنت حكومة البرازيل عن رغبتها في سيطرة شركة البترول الوطنية «بتروبراس» على جميع العمليات المستقبلية لتطوير حقول النفط التي تقع في المياه العميقة التي اكتشفت في عام 2007، والتي تشير تقديرات الجيولوجيين الدوليين إلى أنها ربما تحتفظ بعشرات المليارات من براميل النفط القابلة للاستخراج.

وسوف يجعل ذلك التغير من شركة «بتروبراس» الهيئة المسؤولة عن نحو 62 في المائة من تلك المنطقة الجديدة التي لم تقدم العطاءات المتعلقة بها بعد، مما يقصر دور الشركات الأجنبية على كونها مستثمرا ماليا فقط. وهو ما سوف يحد من قدرتهم على المساعدة في عمليات تطوير حقول النفط، ولكنه في الوقت نفسه سيعطي لشركة «بتروبراس» القدرة على تعيين المزيد من العاملين وسوف يساعدها على الفوز بتعاقدات كبيرة.

تقع حقول النفط الجديدة على عمق 20 ألف قدم من المياه، والرمال، وطبقة كثيفة من الملح. وتمتد هذه المنطقة التي يطلق عليها إقليم «ما قبل الملح» لمئات الأميال وهي كبرى مناطق احتياطي النفط التي يتم اكتشافها في عالمنا خاصة في ظل تعثر الحصول على احتياطات العراق من النفط؛ وذلك وفقا لدانييل يرغين رئيس شركة الأبحاث «جمعية كامبريدج لأبحاث الطاقة». كما أنه من المتوقع أن يصبح ذلك المشروع من أكثر المشروعات تعقيدا في تاريخ صناعة البترول.

ويقول يرغين: «سوف يكون توقيت ومعدل تطوير منطقة بري سولت من أكثر العوامل أهمية بالنسبة لتوازن النفط العالمي خلال العقد المقبل، خاصة بعد عام 2020»؛ عندما تكون البرازيل قد تمكنت من إنتاج معدلات أكبر من البترول.

ويضيف يرغين: «وإذا لم يحدث ذلك، فإنه سيمثل تراجعا كبيرا بالنسبة للبرازيل فيما يتعلق بالعائدات، وخسارة كبيرة للعالم فيما يتعلق بالمعروض من البترول».

وبالنسبة للبرازيل، ستكون المكاسب كبيرة؛ حيث يرى الكثيرون البترول باعتباره الحل السحري لمواجهة التهديدات الاجتماعية الكبرى التي تواجهها. ويسعى لويز إيناسيو لولا دا سيلفا الرئيس البرازيلي ذو الشعبية الواسعة إلى إجراء تعديلات على قوانين الطاقة لكي تضخ المزيد من العائدات التي سوف تأتي من هذه الحقول إلى خزانات الدولة ولكي تستطيع الحكومة إنشاء صناديق لتحسين التعليم والرعاية الصحية. ويقول أحد مساعدي لولا دا سيلفا إنه سوف يلقي خطابا على الكونغرس البرازيلي خلال الأسبوع القادم.

وبالرغم من الازدهار الاقتصادي الذي كانت تعيش فيه مؤخرا، فإن البرازيل ما زالت تعاني من الفقر المدقع، وعدم المساواة، وارتفاع معدلات الأمية التي تجاوزت نسبة 10 في المائة.

ويصر المسؤولون الحكوميون هنا على أن البرازيل لن تنزلق إلى حمى التأميم التي انتشرت في أميركا اللاتينية في السنوات الأخيرة؛ مثلما فعلت المكسيك في الثلاثينات. وكما فعلت كل من فنزويلا، وبوليفيا والإكوادور؛ حيث حدوا من تواجد شركات الطاقة الأجنبية وهو ما لم يسفر إلا عن انخفاض إنتاج البترول والغاز الطبيعي وركودهما.

ولا تقترح حكومة دا سيلفا إبعاد الأجانب تماما من مشروعات الطاقة، كما لا تقترح حرمانهم من فرصة الفوز بمعظم الحصص في بعض الحالات. كما أن الشركات الأجنبية تشترك بالفعل في المرحلة الأولى من مشروعات منطقة «ما قبل الملح»، بما يشمل تطوير الحقل الضخم «توبي» التي تقدر بتروبراس أنه يحتوى على من 5 إلى 8 مليارات برميل من البترول والغاز الطبيعي.

وحتى قبل الوصول إلى المرحلة الثانية من حقول منطقة «ما قبل الملح»، تتطلع البرازيل للحصول على أكثر من ضعف إنتاجها من البترول لكي تصل لحوالي 5.7 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2020.

وتحظى البرازيل، التي اكتشفت البترول مؤخرا كعنصر من عناصر النمو الاقتصادي، باقتصاد متنوع سوف يساعدها على تجنب الاعتماد على الموارد الطبيعية والذي أصاب عددا من دول النفط على مستوى العالم، وفقا لما قاله جوسيه سيرجيو غابرييلي رئيس شركة بتروبراس.

ويقول غابرييلي: «إن بتروبراس شركة كبيرة، ولكن البرازيل أكبر من بتروبراس».

وأضاف غابرييلي أن الاتجاه الوطني الذي ينتشر الآن «ليس وطنية موجهة ضد الأجانب» ولكنه جدل حول سرعة التطور؛ وحول من الذي سوف يحصل على الحصة الأكبر من العائدات وحول من الذي يستفيد من المعارف والتكنولوجيا.

ومع ذلك، فهو يعترف أن رياح الوطنية قد عادت للهبوب؛ فقد شاهد الأعضاء في اتحاد النفط الشهر الماضي فيلما تسجيليا جديدا في الوقت الذي كان علم البرازيل بلونيه الأخضر والأصفر يرفرف على المسرح: «يجب أن يكون البترول لنا». وفي الفيلم كان علماء الجيولوجيا وقادة الاتحاد بل وحتى طبيب يبلغ من العمر 92 عاما، وماريا أوغوستا تبريشيا يناقشون كيف يمكن للحقول الجديدة أن تأتي بأرباح «تريليونات الدولارات»، وتغير مستقبل البرازيل.

وقد بدأ عشرات من أعضاء الاتحاد الأمسية بالنشيد الوطني للبرازيل، ثم بغناء أغنية «سوف يحدث» التي كتبت خصيصا للفيلم الذي تمتزج فيه إيقاعات موسيقى السامبا وموسيقى البوسا نوفا. وكانوا يغنون «إذا كان النفط عميقا تحت المياه، فهل نلعب لنفوز؟» وتستدعي حمى الوطنية الجديدة تلك فترة السبعينات والثمانينات عندما أعلنت حكومة البرازيل العسكرية أن «الأمازون لنا» لكي يواجهوا اعتداء الأجانب على الغابة المطيرة.

كما يستدعي ذلك النوازع الحمائية الأولية التي ظهرت في أعقاب اكتشاف بئر للبترول في البرازيل في عام 1939. وبعد ذلك بعدة سنوات، أعلن أحد الجنرالات: «النفط لنا» وسط مخاوف من أن تجد شركات النفط الأميركية طريقها للسيطرة عليه. وقد تظاهر المحتجون في الخمسينات خارج شركة «إسو» للبترول في وسط مدينة ريو. وفي هذا المناخ الشعبي السائد في 1953، أسس الرئيس غيتوليو فارغاس شركة «بتروبراس» ومنحها احتكارا للبترول. ولم يسمح للشركات الأجنبية بالاشتراك في عمليات التنقيب وإنتاج البترول إلا في عام 1997. وسوف تواجه خطط دا سيلفا لفرض المزيد من السيطرة على الحقول الجديدة معركة شرسة في الكونغرس البرازيلي؛ حيث يقول قادة المعارضة إنهم سوف يضغطون لتأخير تطبيق الخطة ولحرمانه من تحقيق انتصار يعزز موقف ديلما روسيف رئيسة المكتب المدني برئاسة الجمهورية والمرشحة لخلافته في انتخابات العام القادم.

يذكر أن، السيدة روسيف هي المسؤولة عن عرض الحكومة لمشروع أرض «بري سولت»؛ كما أنها رئيسة مجلس إدارة بتروبراس. وتمتلك الدولة نحو 55.7% من الشركة؛ ويتم تعيين باقي أعضاء مجلس الإدارة تعيينا سياسيا.

وعلى الصعيد نفسه، يقول تاسو جيريساتي عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي والمعارض لعرض الحكومة: «سوف تحاول الحكومة أن تستخدم كل حجة أيديولوجية، أو وطنية، أو عاطفية لكي تحصل على الموافقة على ذلك المشروع قبل انتخابات العام المقبل». ويحتج غابرييلي رئيس شركة «بتروبراس» بأن الحكومة لديها أسباب قوية تجعلها ترغب في تحجيم مشاركة المستثمرين الأجانب. ففي عام 1997، كانت أسعار البترول أقل انخفاضا، وكان الاقتصاد البرازيلي يواجه صعوبات. أما الآن، فإن البرازيل لديها أكثر من 220 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي، وأصبحت أسعار البترول أكثر ارتفاعا، كما أن بتروبراس أصبحت رابع أكبر شركة في الأميركيتين. وأضاف غابرييلي: «إن الظرف الاقتصادي مختلف للغاية. كما أن عمليات تطوير الحقول الجديدة والتي كانت تنضوي على مخاطرة قبل ذلك، أصبحت الآن هي الحصان الرابح».

وفي ظل المخاوف التي تتعلق بقدرة البرازيل على توفير ما يقدر بنحو 600 مليار دولار التي تحتاجها لكي تطور الحقول الجديدة خلال العشرين عاما القادمة، أو نحوها، فإن الحكومة تتكل على ترحيب شركات النفط الدولية بتقديم عطاءات مرتفعة.

وقد قالت السيدة روسيف خلال الشهر الجاري في لقاء أجرته معها صحيفة فالور إكونوميكو البرازيلية: «إن ذلك أكبر كشف بترولي خلال السنوات الأخيرة؛ ولا يوجد ما يضاهيه». ومن جهة أخرى، يقول كريستوفر غارمان المحلل بشركة «يوراسيا غروب» شركة قياس المخاطر السياسية بنيويورك إن القرار بمنح «بتروبراس» الحق في السيطرة على العمليات هو قرار يتسم بقصر النظر، والمجازفة، وربما يؤخر قدرة البرازيل على استخدام النفط للمساعدة في تحسين أوضاع الدولة.

ويقول غابرييلي التائه وسط ذلك الجدل إن الحقيقة هي أن المعدات التي يحتاجها حفر الآبار الجديدة ليست متوافرة. ويحاول تنفيذيو بتروبراس حث الموردين في كافة أنحاء العالم على إعداد وتوفير تلك المعدات.

ففي عام 2017، سوف تكون بتروبراس في حاجة إلى 40 منصة نفطية قادرة على الحفر إلى أعماق كبيرة حتى تصل للحقول الجديدة وهو العدد الذي لا يتوافر سوى نصفه في العالم الآن، وذلك وفقا لما قاله غابرييلي. وتشترط الشركة أن يتم تصنيع حوالي 28 من تلك الآلات داخل البرازيل نفسها. ويقول غابرييلي إن الشركة كانت تحافظ على إبقاء نفقات التوسع الدولي عند حد 16 مليار دولار حتى تستطيع التركيز على تطوير الحقول الموجودة تحت المياه بنفسها.

ويضيف غابرييلي: «القضية لا تتعلق بما إذا كان علينا أن نسرع أم نتريث. فنحن على وشك تطبيق أهم التقنيات العالمية في هذه الصناعة».

* خدمة «نيويورك تايمز»