لبنان: النمو يتقدم والسياحة تحطم الرقم القياسي

تأخر تشكيل الحكومة ينعكس سلبا على سوق بيروت المالية

TT

رغم التقدم الكبير الذي تحققه قطاعات حيوية في الاقتصاد اللبناني هذا العام، وتقود النمو إلى معدل يفوق 6 في المائة وفق توقع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، بدأت ترقبات سلبية مضادة تتسلل إلى أوساط الاقتصاديين والخبراء على خلفية عودة الوضع السياسي للتأزم والتأخير المتمادي في تأليف الحكومة الجديدة.

وبعدما أهملت الأسواق لأكثر من ثمانية أسابيع عامل التجاذب الحاصل في المواقف وتعقيد الشروط المعرقلة لانطلاق القطار الحكومي برئاسة النائب سعد الحريري، لوحظ تنامي الارتدادات السلبية في السوق المالية وردهة الأسهم في بورصة بيروت، حيث تقلصت المكاسب السعرية لمعظم الأوراق المتداولة خصوصا أسهم شركة «سوليدير» التي عادت إلى مستوى 23 دولارا نزولا بعدما قاربت عتبة 30 دولارا. كما انعكس الأمر ذاته على سوق السندات الحكومية بالدولار المتداول خارج البورصة، حيث توقفت موجة الصعود لكن دون تسجيل تراجع.

ويعول لبنان على موسم سياحي غير مسبوق يحطم الرقم القياسي المسجل قبل الحرب، ويرتقب أن تلامس أعداد السياح عتبة 1.5 مليون سائح (الرقم القياسي الحالي) في نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل، مدعومة بربط العطلات الصيفية مع حلول شهر رمضان وعيد الفطر حيث يرتقب أن تبلغ نسبة الحجوزات الفندقية أعلى مستوياتها، أي مكتملة، وربما تفيض عن المعروض من الغرف، فيما يأمل أصحاب الفنادق موجة حجوزات عالية إضافية قبل نهاية العام، مع حلول عيد الأضحى وعيدي الميلاد ورأس السنة.

ويقول مسؤول اقتصادي فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ «الشرق الأوسط»: لا مخاوف حاليا يمكن أن تخفف من وهج النشاط القوي للسياحة بكل قطاعاتها الفندقية والخدمية والمطاعم والملاهي وشركات السفر وتأجير السيارات وغيرها. لكن تفاقم النزاع السياسي سيؤثر حكما على ارتقاء بيروت إلى أعلى المراتب في الوجهات المفضلة لهذا العام. فالوصول إلى القمة إنجاز كبير. لكن الأهم هو الحفاظ على هذا الموقع بعدما غاب لبنان طويلا عن الخريطة السياحية الدولية. وصارت شهرته أوسع كساحة للحروب والنزاعات المسلحة».

يضيف «أضاع لبنان فرصا ذهبية لمواكبة النمو الاقتصادي الكبير في محيطه وفورة أسعار النفط خلال السنوات القليلة الماضية، كما أضاع فرصا نادرة لاعادة تقويم مساره الاقتصادي مدعوما من المجتمعين العربي والدولي في مؤتمري باريس 2 وباريس 3 اللذين وفّرا معا منحا وقروضا تمويلية طويلة الأجل بما يتجاوز 10 مليارات دولار. أي ما يوازي ثلث الناتج الوطني الحالي، وذلك بفعل الأزمات الداخلية المتتالية، والنهوض الحالي ـ كما النمو القوي بنسبة 8 في المائة خلال العام الماضي ـ لم يعوضا سوى جزء بسيط من المكتسبات والفرص الضائعة. وأي تفريط بهذا الجزء سيطيح الآمال المعقودة على إمكان توظيف النمو في خدمة حل الأزمات المتراكمة وفي مقدمها الأزمة المالية».

ويوضح المسؤول الاقتصادي «في لبنان معادلة متناقضة غير مألوفة في أي اقتصاد آخر، فالجهاز المصرفي يدير أصولا إجمالية (موجودات) وصلت داخليا إلى 105 مليارات دولار. وتجاوزت 130 مليار دولار مع احتساب ميزانيات المصارف في الخارج. وهذا الرقم يوازي بين 3.5 و4.5 أضعاف الناتج المحلي. وهو من أعلى الأرقام عالميا، يقابله دين عام يتجاوز 50 مليار دولار وربما يصل إلى 53 مليار دولار في حال احتساب كامل المستحقات المتوجبة على الحكومة (مثال ديون الضمان الاجتماعي والمتعهدين وبدلات الاستملاك وحقوق أخرى) أي بين 166 و176 في المائة من الناتج. وهذا من أعلى الأرقام العالمية أيضا، وبين الرقمين ينجذب المسار الاقتصادي إيجابا في أوقات الاستقرار وسلبا عند اهتزاز الأوضاع الداخلية بما يتجاوز الحدود المعروفة للعبة المحاصصة وتوزيع المسؤوليات والغنائم».

وفي تحذير صريح قال «لن نحلم بعد الأزمة المالية الدولية بمؤتمرات دعم جديدة وليس لدينا سوى الاستقرار الداخلي وتعزيزه مدخلا لاستقرار الاقتصاد وحفظ ديمومة نموه بما يؤدي مستقبلا إلى مقاربة جدية لحل أزمة الدين. والأهم بداية واستعادة دور الدولة في توجيه جزء من مواردها إلى الاستثمار في البنية التحتية المهترئة والمتقادمة في أغلب المجالات، فالكهرباء في أسوأ أحوالها والطرق السريعة بحاجة إلى تأهيل كامل وإلى إنشاء المزيد منها ومد الجسور بعدما أظهر الموسم السياحي الصيفي تحولها إلى مواقف للسيارات تحت ضغط الازدحام الشديد، والمرافئ الجوية والبحرية تحتاج الكثير من التوسعات والتأهيل لاستيعاب تزايد الحركة الوافدة، والاتصالات عموما تحتاج إلى استثمارات جديدة بمئات الملايين من الدولارات».