تراجع القادة الأوروبيين عن توفير 240 مليار دولار لإنقاذ أوروبا الموحدة

هدف يتعثر وسط ركود الاقتصاد

TT

لم يلتق هربرت ستيبك، المصرفي النمساوي، لاسزلو سيريز، المقاول المجري، وجها لوجه من قبل، لكنهما ارتبطا بشراكة عمل على مدى 20 عاما، وقد شجعت عشرات الملايين من الدولارات من الدين والحلم بثراء لا محدود من جعل ذلك ممكنا عبر أوروبا موحدة.

بيد أن الرجلين يحاولان، الآن، إنقاذ أعمالهما من أزمة الركود الاقتصادي، فقد تخلت عنهما أوروبا، التي بدت موحدة خلال فترة الازدهار، وراحا يسعيان للبحث عن حلول لأزمتهما المالية. وقد تطلبت الدعوة نحو وحدة أوروبية جرعات مكثفة من رأس المال السياسي والمالي، المصحوب بتدفق الأموال من بنوك أوروبا الغربية على مقاولي شرق أوروبا، من أمثال سيريز، الذي استخدم المال لبناء مئات آلاف الأقدام المربعة من أجل ازدهار العاصمة المجرية بودابست.

ويعد سيريز واحدا من بين 15 مليون عميل في البنك الضخم رايفيسين إنترناشيونال، الذي يقدم خدماته عبر 3200 فرع في أوروبا الشرقية. بدت تلك الدولة الموعودة لسنوات قوية واعدة، خاصة في ظل عضويتها في الاتحاد الأوروبي ودخولها منطقة اليورو.

لكن مع تغذية المال القادم من الغرب للشركات في الشرق ربما تكون تلك الرؤية قد أعمت المستثمرين عن مخاطر الإقراض الخارجي. وعندما ضربت الأزمة المالية الأسواق وجد بنك ستيبك، ككثير من بنوك النمسا، استثمارات قروضه تتدهور بصورة مثيرة للقلق. وأجبر سيريز في هذه الأثناء على السعي الحثيث لجمع الأموال لإنقاذ إمبراطوريته العقارية. فسحب 400.000 دولار من مدخراته الخاصة لإنقاذ العمل في أحدث مشاريعه من الإفلاس.

ويقول سيريز عن الفترة التي شهدت ذروة الأزمة المالية العالمية عندما خشي من تأخره في دفع أقساطه في موعدها: «لأكثر من شهر كنت نادرا ما أغفو، فقد تجمعت كل المشكلات وكل الالتزامات في آن واحد».

أما اليوم فقد شهد الإقراض النهم لمشروعات جديدة طموحة فترة من الاسترخاء البطيئة والمؤلمة. فقد أعرب رجال الأعمال في كل الدول الأوروبية على صلة وثيقة بهذه القضية، بدءا من ستوكهولم وميلانو إلى ريجا ولاتفيا وصوفيا، عن آمالهم بأن تضع الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي في بروكسل والبنوك المركزية في المنطقة خطة إنقاذ مالي جريئة وخطة تحفيز لاستقرار البنوك والتخفيف من التعثر الشديد في الشرق، خاصة في المجر.

وقد انضم رئيس البنك الدولي روبرت زوليك، إلى المسؤولين النمساويين في مطالبتهم بتقديم مزيد من المساعدات من بروكسل لاستقرار المنطقة.

بيد أن قادة الدول الغنية في غرب أوروبا، ممن رحبوا بانضمام جيرانهم في أوروبا الشرقية إلى مؤسسات مثل الناتو والاتحاد الأوروبي، تقوقعوا في الداخل مع اشتداد الأزمة، وسارعوا إلى حماية شركاتهم وبنوكهم الخاصة، وصموا آذانهم تجاه معظم المناشدات بإنقاذ الوظائف أو حماية البنوك الخارجية.

وقال ستيبك، في حق القادة الأوروبيين هذا الصيف: «إننا لا نحارب النوايا السيئة، لكن المهم ألا نرتكب أخطاء جيوسياسية، حتى لا يكون ما حاربنا من أجله على مدى 50 عاما للخروج بأوروبا موحدة نسي فجأة».

وقد اختارت الدول التي تستخدم اليورو الانتقال إلى ما أسماه آدم بوسن، نائب مدير معهد بيترسون للاقتصادات الدولية «خطوة دفاعية» لحماية اليورو الذي خشي البعض من احتمالية مواجهته الضعف إذا ما راكمت الحكومات الديون لإنقاذ البنوك المتعثرة أو الشركات الأخرى».

واتهم بوسن تلك الخطوة بأنها قصيرة النظر، تجاهلت المواثيق المالية بين الأقاليم الأساسية في أوروبا. وقال بوسن: «يعد الفشل في مواجهة الأزمة المالية في أوروبا الشرقية التهديد الأكبر للنمو المستقبلي والاستقرار لمنطقة اليورو. وقال ستيبك، إنه بدأ منذ 20 عاما توسيع حدود بنكه رايفنسن زنترالبانك، للاستفادة من انحسار الشيوعية. فقد دفعت الحرب الباردة النمسا إلى حالة من العزلة، لكن رايفنسن كان قادرا على الانتشار عبر تأسيس فروع له في بولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك وبلغاريا وكرواتيا، إضافة إلى المجر.

وقال ستيبك، نائب رئيس مجلس إدارة بنك رايفنسن زنترالبانك، مالك شركة رايفنسن إنترناشيونال: «كان الوقت متميزا بالنسبة للنمسا ولأوروبا ولمنظمتنا». تم منح تلك الفرصة لرجال الأعمال مثل سيريز، الذي كان يبلغ من العمر 35 عاما في 1989 ويشغل منصب الرئيس لإدارة شركة تجارة تابعة للدولة في بودابست، تستورد الأدوات اليدوية من ألمانيا، ويصدر هياكل البنادق إلى الولايات المتحدة.

وخلال فترة التحول من الشيوعية إلى الرأسمالية شغل منصب رئيس لشركته السابقة التي أصبحت الآن شركة خاصة، وعندما بدأ في مجال الاستثمار العقاري الأوسع كان بحاجة إلى رأس المال، ومن ثم اتجه إلى رايفنسن.

وفي عام 1998 اقترض مليوني دولار من رايفنسن لتمويل مشروعات جديدة، وقال: «يجب أن تعلموا جيدا أنني رجل أعمال محافظ جدا، لكن كما تعلمون فإنك إذا ما دخلت إلى صفقات العقارات الضخمة فلن يمكنك القيام بذلك دون تلقي المساعدة من البنوك».

ازدهرت مثل تلك العلاقات حول المنطقة حيث تم إعادة ربط أوروبا. وأقامت البنوك السويدية استثمارات واضحة في دول البلطيق، وانتقلت البنوك الفرنسية والإيطالية والبلجيكية إلى المنطقة التي كانت تسمى من قبل بدول حلف وارسو.

كان البنك النمساوي في الطليعة، وقال أندريه تريتشل، المدير التنفيذي لبنك إرستي غروب بنك، المنافس لبنك رايفنسن، «إذا ما نظرت إلى الخريطة ثم نظرت إلى خريطة النمسا عام 1914 ستجد أننا كنا موجودين في كل الدول، فقد افتتحنا بنوكا لحفظ الودائع منذ 175 عاما مضت».

جدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي احتفل في عام 2004 بانضمام 10 أعضاء جدد منهم المجر، وسبع دول أخرى من الدول الشيوعية السابقة في أوروبا الشرقية، أعقبها انضمام رومانيا وبلغاريا عام 2007. وتزايدت ميزانية رايفنسن إثنا عشر ضعفا في الفترة من عام 2000 وحتى عام 2008. وخلال الصيف الماضي حصلت شركة «سيريز القابضة»، «فيركوم ليميتد»، على أكثر من 200.000 قدم مربع من الأراضي، ووزعت هواتف موتورولا جوالة، كما اشترى غالبية الأسهم في مصنع بالقرب من بحيرة بالاتون، الذي يصنع هياكل البنادق. وأقام مشروعا سكنيا جديدا مضيفا 75.000 قدم مربع آخر من المباني تحت التطوير، ووصلت حجم مديونيته في ذلك الوقت إلى 43 مليون دولار.

وأشار سيريز، في إدراك متأخر لحجم الكارثة التي يعاني منها، إلى أن عام 2006 ربما يكون العام الذي تمادى فيه كثيرا. فقد أعتقد الجميع أن كل شيء رائع، وأن الأمور ستستمر إلى ما لا نهاية. ولذا كانت البنوك تطلبه كل خمس دقائق قائلة: «سيريز هل ترغب بمزيد من القروض؟» كان ذلك قبل أزمة الائتمان التي أصابت النظام المالي العالمي بالشلل، فبدت مؤسسة «إيسترن بلوك» التي تعتمد على التمويل الخارجي متداعية للسقوط العام الماضي.

ووصف ستيبك، أشهر الإنفاق في ظل الأزمة متحدثا إلى البنوك الرئيسة والمشرعين الأوروبيين حول العلاجات، لأن السيولة التي ذهبت إلى شرق أوروبا سحبت فجأة، وأشار إلى دراسة أجراها معهد التمويل الدولي الذي توقع أن يشهد عام 2009 تدفقا لرأس المال الخاص من الدول الناشئة ـ وسط وشرق أوروبا وتركيا ـ يبلغ نحو 27 مليار دولار مقارنة بتدفق 241 مليار دولار عام 2008 و396 عام 2007.

وكانت المجر الدولة الأكثر تضررا على نحو خاص، لأن الحكومة واجهت عجزا في الموازنة وانخفضت قيمة الفورينت، مما أدى إلى توقيعها اتفاقية إنقاذ بقيمة 25 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقال سيريز: «توقفت البنوك عن إقراض الأموال فجأة». وبحلول شهر ديسمبر (كانون الأول) حاول يائسا إعادة هيكلة ديونه لإنقاذ مشروعاته، لأن قيمة ضماناته بدأت في الانخفاض.

وفي فبراير (شباط) صدمت الأنباء التي أفادت بأن البنوك النمساوية تمتلك سندات قروض بنحو 280 مليار دولار في المنطقة، أو ما يعادل 70 في المائة من الناتج الاقتصادي الإجمالي، ودفعت إلى عقد مناقشات حول ما إذا كان المصرفيون النمساويون قد تمادوا في تقديم القروض، وما إذا كانت النمسا على وشك الإفلاس نتيجة لذلك.

من ناحية أخرى، شهد شهر مارس (آذار) من العام الحالي، تراجع القادة الأوروبيين عن توفير 240 مليار دولار لإنقاذ المنطقة، مما دفع فيرنك جوركساني، رئيس الوزراء المجري حينئذ، الذي ضغط بشدة من أجل تطبيق الخطة واستقال في أعقاب ذلك، إلى التصريح بالقول: «يجب ألا نسمح بإقامة ستار حديدي جديد ليقسم أوروبا».

بيد أن محادثات دول مثل فرنسا وألمانيا حول انخفاضات كبيرة للعملات في شرق أوروبا أدت إلى سياسات حمائية، مصحوبة بتحركات لإنقاذ الوظائف في أسواق العمالة ذات الأجور المرتفعة، كما رفض البنك المركزي الأوروبي في الوقت ذاته تخفيف المعيار للانضمام إلى الوحدة النقدية، حيث جعلت الأزمة المالية من الصعوبة بمكان بالنسبة لتلك الدول الوفاء بها.

وقد شهد بنك ستيبك، رايفنسن إنترناشيونال ارتفاع قيمة القروض التي تأخرت عن موعد سدادها 90 يوما بثلاثة أضعاف، لما يقرب من نحو 5.2 مليار دولار بنهاية الربع الثاني في يونيو (حزيران) مقاربة بنحو ملياري دولار العام الماضي. وقد استغني البنك عن 3.700 وظيفة منذ نهاية عام 2008 وأعلن الأسبوع الماضي أنه سيغلق 20 فرعا من بين 161 فرعا في المجر، نظرا لتقلص الأعمال هناك.

عزز سيريز من مركزه المالي عبر بيع 30 في المائة من أحد مشروعاته العقارية. وقال: «لا أحد يعلم القيمة في السوق، فلا أحد يشتر الأبنية الآن ونحن نسميها في المجر «خاملة» أي تجلس وتنتظر. وسوف ننتظر ونرى ما سيحدث».

* خدمة «نيويورك تايمز»