معايير قياس: متى تنتهي الأزمة المالية العالمية؟

سعود الأحمد

TT

في قاعة أحد المؤتمرات الاقتصادية التي دُعي لها عدد من الأكاديميين ورجال الأعمال في مدينة جدة، طرحت سؤالا لم أجد إجابته، وهو: ما هي المعايير التي يمكن لنا استخدامها لقياس متى تنتهي الأزمة المالية العالمية؟.. وقد تابعت هذا الأمر بحثا عن إجابة.. وراسلت وناقشت العديد من المهتمين، لكنني لم أصل إلى إجابة شافية حول الموضوع. ولأنني أعتقد أن الأزمة لن تنجلي بمجرد تحفيز الاقتصاد الأمريكي بترليوني دولار، فهذه أفعال وإن كانت تصب في مصلحة إذابة المشكلة لكننا نفتقد لرصد آثار ردودها. فالعالم مطالب برسم سياسة جديدة للخروج من آثار سياساته التحفيزية.. التي قد تتسبب في إبطاء العودة إلى مسار النمو الاقتصادي العالمي.

ولأن هذا الأمر يزداد إلحاحا خصوصا مع ثبوت تأثرنا بتداعيات الأزمة ومع تفاوت تصريحات كبار مسئولي المنظمات العالمية (وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) ومسئولي الدول العظمى وأصحاب الرأي من الخبراء المختصين بالشأن العالمي الاقتصادي، فالبعض يصرح بأن العالم سيتجاوز هذه الأزمة خلال العام القادم 2010 والبعض يقول خلال العقد القادم!.. وعلى سبيل المثال ما نُشر على لسان المدير العام لمنظمة التجارة العالمية السيد باسكال لامي، بقوله: «إن الآثار السياسية والاجتماعية الأسوأ للازمة المالية لم تأت بعد»!.. وتصريح رئيس البنك الدولي عندما قال بأن الاقتصاد العالمي سوف ينكمش هذه السنة بمعدل 3 في المائة (وهذا المعدل هو ضعف ما أعلنه البنك قبل شهرين). وما أشار إليه رئيس البنك الدولي بأنه يتنبأ لآثار الصدمة بأن تعمل على إبطاء الانتعاش لعدة سنوات. وتصريح مدير عام صندوق النقد الدولي نفسه عندما ذكر بأن «الأسوأ قادم».

وفي تقديري أن سبب هذا الاختلاف عائد إلى أن الخبراء والمتخصصين في المجال يركزون (أكثر) على قراءة المؤشرات التي تُظهر التطورات الإيجابية والسلبية على اعتبار أنها المؤشرات الهامة. في ظل غياب المكونات الثابتة لمعادلة قياس «متى تنهي الأزمة المالية العالمية؟». وصعوبة قياس علاقات وتشابك هذه العوامل المؤثرة في الأزمة، وفيما بينها بما يجعل كلا منها يؤثر في الآخر. وهذه بالمناسبة مشكلة أزلية في تقدير العديد من الظواهر، حيث يتم تأسيس القناعة بالنظر إلى الظواهر التي هي في الحقيقة نتائج وليست عوامل. وبالتالي يحصل أن يسبق الرأي نتائج الاستطلاع وتوضع العربة أمام الحصان. أو أن الآراء تؤسس بالتركيز على بعض العوامل ويتم إغفال العوامل الأخرى ذات التأثير. أو (وهذه مشكلة أخرى) عندما تغيب معايير تثقيل ووزن مختلف العوامل ذات التأثير، ويترك الأمر للقناعات الشخصية غير المبنية على أسس علمية ومهنية متفق عليها.

وحتى لا نسهب في فلسفة هذا الموضوع، فإنه لا توجد معايير متفق عليها لقياس متى تنجلي الأزمة، ناهيك عن تحديد لتثقيل وأوزان كل معيار. لكن الذي يتم في هذا الشأن (محليا وعالميا) أن هناك مؤشرات يُنظر إليها لقياس التوجهات الاقتصادية العالمية، مثل معدل البطالة (التي قد تتجاوز 10 في المائة في الولايات المتحدة الأمريكية) وأرقام الناتج القومي وميزان المدفوعات ومقدار عجز الميزانيات العامة ومعدلات النمو الاقتصادي في الدول الصناعية وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية، ومثل أسعار الفائدة ومؤشرات أسواق المال العالمية وأسعار العملات الأساسية وأهمها الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي، وكذلك أسعار السلع في الأسواق العالمية وأهمها النفط والذهب والفضة والنحاس والنيكل والحديد والسلع الأساسية الأخرى، ومن المؤشرات التي تستخدم مثل ميزانيات البنوك المركزية للدول العظمى، بالنظر إلى ما قامت به من خطوات، حيث قامت بشراء كميات كبيرة من الأصول المتعثرة أو بضخها لكميات كبيرة من السيولة داخل أجسام الاقتصادات العالمية.

والواقع أنه وحتى هذه المؤشرات ليس مسلما بها ما لم تحدد أوزانها.. والمسألة من وجهة نظري أعقد من أن يبت فيها، بالنظر إلى طبيعتها وتفاوت المقومات الاقتصادية في البيئات العالمية. وليس هناك اتفاق على كفايتها لقياس هذا الأمر، فهناك أمور أخرى ذات علاقة، مثل وصول معظم الشركات المحلية إلى مستويات عالية من معدلات الإقراض مما يقلل من فرص حصولها من البنوك العالمية على قروض جديدة، ومدى تشدد البنوك في عمليات الإقراض وخصوصا للشركات العائلية والمؤسسات الصغيرة.

كاتب ومحلل مالي