زيك.. الرجل الذي يبيع سندات الخزانة الأميركية

عقد مزادات على 5.5 تريليون دولار لتحل محل الدين المستحق

يتوقع البيت الأبيض أن يصل العجز الكلي للميزانية خلال السنوات العشر القادمة إلى 9 تريليونات دولار («نيويورك تايمز»)
TT

في غرفة براقة تشبه غرفة تحكم في مكوك فضائي، جلس سبعة أفراد يرتدون سماعات أذن ويحملقون في شاشات الحاسب الآلي، وقبل ثلاث دقائق من الموعد النهائي يصيح صوت «لدينا تغطية». لم تكن تلك عملية انطلاق رحلة فضائية بل إنه مزاد لبيع سندات الخزانة الأميركية، وقد بيع 32 مليار دولار في طرفة عين. كانت تلك عملية ناجحة أخرى لفان زيك مفوض الدين العام الذي يملك أكبر بطاقة ائتمانية في العالم. وقد عمل زيك لدى الحكومة الفيدرالية لمدة 38 عاما من سنوات عمره الستين. وهو كثير المهام هذه الأيام لأن الحكومة تطفو على بحر من الخسائر المالية لأنها تقترض المزيد والمزيد من الأموال من أجل تحفيز الاقتصاد وإنقاذ البنوك وشركات إنتاج السيارات وتقدم المساعدات لأصحاب المنازل والتي تحارب في حروب خارجية أيضا.

وفي مدينة تمتلئ بالسياسيين ذوي الخطب الرنانة والبيروقراطيين أصحاب اللغة الطنانة يدير زيك بروية واحدة من أكبر العمليات الحكومية التي لا غنى عنها. إنه ليس مشرعا ولا يقرر قيمة القروض، لكنه يحرص على أن يأتي المال المقترض بالصورة المنتظمة والمتوقعة.

وقال زيك: «إننا فريق تنفيذي، علينا أن نقترض طنا من المال لكن علينا أن نتأكد من أن ذلك سيتم بالصورة الصحيحة».

ومن المتوقع أن يتركز الاهتمام العام على الدين هذا الأسبوع حيث ينوي البيت الأبيض ومكتب الميزانية التابع للكونغرس إصدار تقييمات للإنفاق الفيدرالي والدخل خلال السنوات العشر القادمة. وفي استهلال لذلك قال البيت الأبيض يوم الجمعة إنه يتوقع أن يصل العجز الكلي للميزانية خلال السنوات العشر القادمة إلى 9 تريليونات دولار أو بزيادة 2 تريليون دولار عن الرقم الذي أعلن في فبراير (شباط) من العام الجاري. وهو ما يعني مزيدا من الاقتراض الحكومي.

وخلال العام الماضي فقط عقد زيك مزادات على 5.5 تريليون دولار من سندات الخزانة لتحل مaحل الدين المستحق أداؤه لمواجهة احتياجات الإقراض الجديد. ويتوقع متداولو وول ستريت أن يتجاوز الرقم 8 تريليونات دولار هذا العام أي ما يزيد على 253,000 دولار في الثانية الواحدة.

وخلال الشهور الثمانية الأولى من العام المالي الحالي أصدرت الحكومة المزيد من أذون الخزانة والسندات أكثر من المعدل نفسه خلال العام الماضي. ويتوقع زيك أن يعقد أكثر من 280 مزادا علنيا هذا العام، بعد أن أقام العام الماضي 263 مزادا ونحو 220 في الفترة من 2004 إلى 2007.

ويتحرى زيك وزملاؤه الدقة ويتابعون الدين العام بالسنت الواحد.

حيث وقف الدين العام عند 3.4 تريليون دولار عندما تولى الرئيس جورج بوش عام 2001، وعندما تولى الرئيس أوباما السلطة في يناير (كانون الثاني) كان الدين العام 6.3 تريليون دولار ومنذ تلك الفترة زاد بمقدار تريليون دولار ليصل إلى 7.3 تريليون.

وأشار زيك إلى أنه عندما يخبر زيك أشخاصا بأنه يعمل في مكتب الدين العام يقولون له «إنك ستظل تعمل إلى ما لا نهاية».

حتى انه عندما يبدأ الاقتصاد في التوسع فسيظل أمام المكتب الكثير لكي يقوم به فإيرادات الضرائب لا تزال بحاجة إلى انتعاشة علاوة على ذلك فإن الحكومة ستحتاج إلى اقتراض الأموال للمساعدة في تمويل برامج الأفراد المولودين في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وتتوقع الميزانية التي أعلنها البيت الأبيض أن يرتفع الدين العام متجاوزا نسبة 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في غضون السنوات القليلة القادمة، ومن المعروف أن تلك النسبة لم تتجاوز 50 في المائة خلال السنوات الخمسين الماضية.

وقالت وزارة الخزانة هذا الشهر: «تشهد نسبة الدين العام تزايدا بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي وتقترب من النسبة التي وصلت إليه بعد الحرب».

وأشار زيك إلى أن مزادات الخزانة أمر ملغز لكنه يديرها باقتدار بالغ حتى أن وزراء الخزانة أو أعضاء الكونغرس نادرا ما يتدخلون في ذلك. وأنه لم يستدع للشهادة أمام الكونغرس خلال 15 عاما.

وقال هناك الكثير من الوكالات الأخرى التي فقدت مبالغ طائلة لأن سجلاتها المالية كانت فوضى وهو أمر غير مقبول بالنسبة لنا.

وقال عن المحاسبين الذين يراقبون الدين الفيدرالي يوميا: «إن هؤلاء أشخاص على اطلاع كامل بعملهم. ففكرة ضياع مليم واحد قد تدفعني إلى الجنون».

وقد أصبحت مزادات الخزانة أكبر حجما وأكثر انعقادا، وباتت روزنامتها ممتلئة للغاية، ففي كل يوم عمل تعلن الخزانة عن القيام بمزاد أو إنهاء آخر.

وقال زيك عن ذلك: «لم نعقد على مدى التاريخ مزادات يوم الجمعة لكننا نقوم بذلك الآن».

وفي فبراير (شباط) من هذا العام أعلنت الخزانة أنها ستعيد إصدار أذونات الخزانة ذات الأعوام السبع للمرة الأولى منذ عام 1993 وقد ضاعفت مزادات أذون الثلاثين عاما إلى ثمانية كل عام. وبعد ذلك بثلاثة أشهر أعلنت عن زيادة أخرى في عدد مزادات أذون الخزانة ذات الـ30 عاما إلى 12 مزادا.

وفي الخامس من أغسطس (آب) أعلمت الخزانة المستثمرين أن عليهم «توقع زيادة حجم المزادات خلال الفترة الوسطى».

وعندما يخطط مسؤولو الخزانة لهذه المزادات يحاولون الحفاظ على حجم ومزيج السندات المتوقعة بالنسبة للمستثمرين والحيلولة دون وقوع أي مفاجآت يمكن أن تربك السوق ومن ثم تزيد من تكاليف الإقراض.

ويعمل زيك، الذي تلقى أكبر جائزة مدنية منذ 10 سنوات مضت، اقتراض مبالغ ضخمة من المستثمرين في وول ستريت وحول العالم لكنه حريص أيضا على صغار المستثمرين الذين يثقون في وضع مدخراتهم لدى الحكومة.

وقال: «لدينا مسؤولية تجاه الأفراد الذين استثمروا ألف أو 5 آلاف أو 10 آلاف دولار في سندات توفير أو في نوعية أخرى من السندات».

وقد شغلت وزارة الخزانة نظام مزاد إلكتروني يعمل بصورة أوتوماتيكية تماما في أبريل (نيسان) 2008، خلال وقت زيادة الإقراض. وقال زيك: «من نقطة عملياتية من السهل بيع 30 مليار دولار كـ 20 مليار دولار من السندات الحكومية». وأبدى المسؤولون الفيدراليون اندهاشهم من مشاهدة الإقبال المتسارع على سندات الخزانة مع تزايد الإمداد. وهم دائما ما يحصلون على تغطية بمعنى أن العطاءات المقدمة تفوق السندات المعروضة وهو ما يشكل راحة كبيرة بالنسبة لمديري الأموال الفيدرالية.

وعندما زايدت الحكومة على 32 مليار دولار من سندات الخزانة ذات 4 أسابيع الأسبوع الماضي وكان حجم المعروض 114 مليار دولار. وقد أظهر المستثمرون الأجانب شهية كبيرة للدين الفيدرالي والصين، أكبر حامل أجنبي لسندات الخزانة وهو ما أدى إلى نوع من المخاوف في الأسواق المالية عندما أعلن رئيس وزرائها عن قلق الحكومة الصينية من استثماراتها في الولايات المتحدة، مما حدا بوزير الخزانة الأميركي، تيموثي غياتنر، بالتأكيد للصينيين على أن استثماراتهم آمنة.

وتتمتع الحكومة الفيدرالية باقتصادات التدرج وهي تقترض بدرجات لم تسبق من قبل، لذا فإن التكلفة في كل مزاد كانت تنخفض بصورة بسيطة. وتعد تكلفة المزاد الواحد للخزانة ـ 237,636 دولار للمزاد ـ ضئيلة بالنسبة للمال المقترض. وتشمل التكلفة إجراءات الوقاية لضمان عدم إرباك المزاد من قبل الإرهابيين أو الهجمات عبر الإنترنت أو الكوارث الطبيعية أو الأمراض الوبائية. وعندما بدأ زيك عمله لصالح مكتب الدين العام عام 1971 لم يتوقع أن يستمر في العمل لمدة 38 عاما. وقال: «أحب هذه الهيئة، وقد أغرمت بها في خلال عملي، وأسرتني المهمة وخدمة العملاء التي كنا قادرين على تقديمها وأدركت أنني فتى المهام، وهو ما أتمتع به بالفعل».

وحتى عندما أدارت الحكومة الفائض، كما فعلت عام 1998 إلى عام 2001 كان لزاما عليها إجراء المزادات لسندات الخزانة لتحل محل الدين المستحق.

وتشمل هوايات زيك الحاسب الآلي، ويقول: «لعبتي المفضلة هي أمازون كيندل التي تمزج بين حبي للتكنولوجيا ومتعتي بالقراءة»، كما يهوى زيك القصص الخيالية خاصة الغامضة منها والكتب التي تتحدث عن الثقافة التنظيمية.

وتبلغ ميزانية المكتب السنوية حوالي 187 مليون دولار ويعمل به 2,000 موظف، 65 منهم فقط يعملون في واشنطن والباقي مركز عمليات في باركسبيرغ.

إلى جانب اقتراض المال من الشعب يدير زيك أكثر من 4 تريليونات دولار من الاستثمارات لأكثر من 240 من الصناديق الائتمانية الفيدرالية التي تمول الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وإنشاء الطرق السريعة والبرامج الأخرى. وتستثمر أصول هذه الصناديق الائتمانية في سندات حكومية ذات إصدار خاص وغير متاحة للعامة.

خارج مكتبه يمتلك زيك مجموعة من السندات الحكومية التي يعود تاريخها إلى عام 1770، فقد اقترض المحتلون المال لمحاربة الثورة وكان أول القرارات للحكومة الجديدة تولي عاتق الدين عن الولايات. ويتبنى زيك كلمة جورج واشنطن للكونغرس عام 1793: «لا يوجد اعتبار مالي أكثر إلحاحا من التخلص المنتظم وتسديد الدين العام».

*خدمة: («نيويورك تايمز»)