نتائج إيجابية لقطاعي التصنيع والإسكان في أميركا وبريطانيا تشير إلى بداية الانتعاش

كانا الأكثر تضررا من الأزمة.. والأسهم الأوروبية تعود لأحداث مسلسل المكاسب القوية

أفادت تقارير دولية متعددة بأن الاقتصاد العالمي ربما عاد إلى النمو مرة أخرى بعدما ارتفعت جميع القطاعات القيادية في العالم (رويترز)
TT

ارتفعت الأسهم الأوروبية في أوائل معاملات جلسة أمس، لمتابعة مسلسل ارتفاعات قوي على مدى أربع جلسات متتالية، اعترضته جلسة أمس بهبوط محدود في أسواق المال القيادية في أنحاء أوروبا، ليسجل مؤشر «يوروفرست 300» لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى 0.3 في المائة، عند مستوى 976.51 نقطة، بعد تراجعه من أعلى مستوى إغلاق في عشرة أشهر.

وظهرت في قطاعي التصنيع والإسكان، اللذين منيا بأكبر الخسائر في الوظائف خلال الركود الحالي، مؤشرات في يوليو (تموز) تدلل على أن القطاعين أخذا يستعيدان قوتيهما، وتعد هذه هي المؤشرات الأخيرة التي تبين أن الوضع الاقتصادي في طريقه للتحسن.

وقد أدت زيادة في الطلب على الطائرات التجارية والسيارات الآلية إلى ارتفاع الطلب على السلع المعمرة بأكبر هامش خلال عامين.

وقال ادموند شينغ، المحلل لدى «بي إن بي باريبا» في باريس «التوقعات للأجل الطويل لا تزال إيجابية على الأرجح، وما دام سعر الفائدة والتضخم منخفضين جدا فإن الناس ستظل تبحث عن أشياء للاستثمار تحقق في واقع الأمر عائدا ذا مغزى. ستكون هذه أشياء مثل الأسهم في الأمد الطويل، لكن هذه اللعبة مورست بدرجة كبيرة نسبيا في الأمد القصير، ومن ثم لا يزال هناك خطر حدوث تراجع أولا».

وفي القطاع المالي صعد سهم «كريدي أغريكول» 6 في المائة، بعدما حقق أكبر بنك تجزئة فرنسي أرباحا أفضل من المتوقع للربع الثاني من العام، مدعوما بارتفاع أرباح قسمي الأنشطة المصرفية الاستثمارية وإدارة الأصول.

وفي أنحاء أوروبا تم تداول مؤشر «فاينانشيال تايمز 100» في بورصة لندن على ارتفاع قيمته 0.30 في المائة، في حين فقد مؤشر «داكس» لأسهم الشركات الألمانية الكبرى في بورصة فرانكفورت 0.06 في المائة. وكسب مؤشر «كاك 40» في بورصة باريس 0.2 في المائة خلال التداول.

وقال أوليفير بلانشارد، الاقتصادي البارز بصندوق النقد الدولي، في ورقة نشرت يوم الثلاثاء المضي، إن التعافي العالمي قد بدأ. وقال تيم كوينلان، الاقتصادي في «ويلز فارغو»: «إحساسي بصورة عامة هو أننا وصلنا إلى أقل مستوى، وسيتحسن الوضع».

وقد كان لهذه التقارير أثرها على «وول ستريت»، لترتفع أسعار الأسهم الأميركية لمدة قصيرة استجابة لمبيعات المنازل الجديدة، وبعد ذلك تراجعت خلال معظم يوم أمس لتغلق على ارتفاع بسيط. وحصل مؤشر «داو جونز» الصناعي على 4.23 نقطة، أو 0.04 في المائة، ليغلق عند 9543.52. وارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.12 نقطة أو 0.01 في المائة، ليصل إلى 1028.12. وأنهى مؤشر «ناسداك» المركب للصناعات الثقيلة مرتفعا بنسبة 0.2 نقطة، أو 0.01 في المائة عند 2024.43. وقالت جمعية البناء الوطنية في بريطانيا أمس إن أسعار المنازل البريطانية ارتفعت للشهر الرابع على التوالي وبأسرع إيقاع شهري لها في عامين ونصف العام، في أغسطس (آب)، وذلك في علامة جديدة على تحسن سوق الإسكان.

وقالت شركة الرهن العقاري إن أسعار المنازل ارتفعت 1.6 في المائة هذا الشهر بعد زيادة بلغت 1.4 في المائة في يوليو (تموز). وبهذا يهبط معدل التراجع السنوي إلى 2.7 في المائة ـ وهو أقل مستوى منذ أبريل (نيسان) 2008 ـ من 6.2 في المائة، ليصبح متوسط سعر المنزل 160 ألفا و224 جنيها إسترلينيا (262 ألف دولار).

وتستمد أسعار المنازل دعما في الآونة الأخيرة من نقص المعروض الجديد إلى جانب تحسن مؤقت في الإقبال على الشراء. وتظهر مسوح أخرى تحسن الأسعار من مستوياتها شديدة الانخفاض التي سجلتها العام الماضي.

وقال مارتن جاباور كبير اقتصاديي الجمعية إن انخفاض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية حال دون تعثر أصحاب المنازل في سداد رهونهم العقارية، ومن ثم فإن عدد من اضطروا إلى بيع منازلهم أقل منه في دورات ركود سابقة. وأشار إلى أن هذا ساهم في ميل ميزان العرض والطلب لصالح الباعة بدرجة أكبر هذا العام.

وفي الوقت نفسه ارتفعت مبيعات المنازل الجديدة للشهر الرابع على التوالي، وهذا حسب ما أعلنته وزارة التجارة الأميركية. وكان قطاعا الصناعة والتعمير قد فقدا نحو 3.5 مليون وظيفة منذ بدء الركود خلال ديسمبر (كانون الأول) 2007. ومن شأن هذه التقارير أن تدعم وجهة النظر لدى عدد كبير من الاقتصاديين والتي تقول إن حالة الركود تتراجع أو إنها تنتهي بالفعل.

لكن جاباور أضاف «إن الخروج النهائي من سياسة نقدية ميسرة بشكل استثنائي من شأنه أن يجعل التعافي في سوق الإسكان أكثر صعوبة مما قد يتوقعه البعض بعد ارتفاع الأسعار في الشهور القليلة الماضية».

وقد استفاد قطاعا التصنيع والإسكان من جهود المصرف الاحتياطي الفيدرالي التي هدفت إلى مساعدة أسواق الائتمان، ومن الحوافز الحكومية الفيدرالية مثل برنامج «المال مقابل السيارات القديمة» الذي انتهى يوم الاثنين، والائتمان الضريبي للشخص الذي يشتري منزلا لأول مرة تبلغ قيمته 8000 دولار، ومن المقرر أن ينتهي الأخير بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني).

والسؤال المطروح حاليا هو ما إذا كان القطاعان سوف يتمكنان من المحافظة على المكاسب التي حققاها بعد انتهاء الدعم وبعد ضعف الطلب في المستقبل، أم لا. ويقول محللون إن مبيعات السيارات الآلية والمنازل يمكن أن تتراجع، ولكن من غير المحتمل أن تسجل انخفاضات قياسية. ويقول كوينلان: «المحفزات الحكومية تحقق تقدما.. وبصراحة نحن في حاجة إليها. ولكن، هل يعني ذلك أنه عندما تذهب المحفزات أننا سوف نغرق؟ الإجابة: لا أعتقد ذلك».

وحتى قبل بدء برنامج «المال مقابل السيارات القديمة» في نهاية يوليو (تموز) كان قطاع التصنيع الأميركي تظهر فيه علامات تدل على تحقق استقرار مع بدء الشركات التخزين من جديد. وكان على الشركات التجارية أن تعيد ملء المخازن بعد تراجع المخزون على مدى أشهر لاستيعاب التراجع في الطلب. وبعيدا عن السيارات الآلية والبضائع ذات الصلة بالنقل، ارتفع الطلب على السلع المعمرة بنسبة 0.8 في المائة خلال يوليو (تموز)، وتعد هذه هي الزيادة الشهرية الثالثة على التوالي، حسب ما أظهرته بيانات وزارة التجارة.

وعلى صعيد العملات، شهد الين صعودا عاما أمس، ولامس أعلى مستوى في أكثر من شهر مقابل الدولار والجنيه الإسترليني الأكثر تضررا، حيث أثار تراجع في الأسهم الآسيوية مخاوف من أن موجة الإقبال على المخاطرة في الشهور الأخيرة ربما طالت أكثر من اللازم.

وبحسب وكالة «رويترز»، ارتفعت العملة اليابانية إلى أعلى مستوى في خمسة أسابيع مقابل الدولار، وحققت مكاسب على حساب عملات مرتفعة العائد مثل الدولارين الأسترالي والنيوزيلندي.

وتراجعت الأسهم في شنغهاي التي كانت محركا للمعاملات عالية المخاطر في الأسابيع الأخيرة 0.7 في المائة.

وأفاد لوتز كاربوفيتز، محلل العملة لدى «كومرتس بنك» في فرانكفورت «الين يتحسن لشكوك بشأن وجهة النظر القائلة بأن الصين ستنتشل الاقتصاد العالمي من الركود. الأسهم الآسيوية كانت متراجعة، وهو ما يدعم الين».

وتراجع الدولار 0.6 في المائة إلى 93.56 ين بعدما انخفض على منصة التداول الإلكتروني «إي بي إس» إلى 93.37 ين، وهو أقل مستوى له منذ 22 يوليو (تموز).

وصعد الين بوجه عام ليدفع الإسترليني إلى الانخفاض نحو واحد في المائة إلى نحو 151.40 ين، وهو أدنى سعر له منذ منتصف يوليو (تموز). وتراجع اليورو والدولار الأسترالي والنيوزيلندي أكثر من نصف في المائة أمام العملة اليابانية.

ورغم خسائره مقابل الين، ارتفع الدولار مقابل اليورو الذي تراجع 0.3 في المائة إلى 1.4250 دولار. ودفع تفادي المخاطرة كلا من الدولار الأسترالي والنيوزيلندي نزولا بنسبة 0.6 في المائة أمام العملة الأميركية.

وتعززت المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي في أعقاب مراجعة بالخفض للناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا في الربع الثاني من العام.

وانكمش اقتصاد إسبانيا 1.1 في المائة في ربع السنة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران)، الأمر الذي يظهر أنه ليس كل اقتصادات منطقة اليورو تتمتع بالعودة المفاجئة للنمو التي تشهدها ألمانيا وفرنسا.

وتراجعت الطلبات على السلع الإنتاجية غير الدفاعية باستثناء الطائرات التي تعد مؤشرا مهما في استثمار الشركات بنسبة 0.3 في المائة خلال يوليو (تموز) بعد ارتفاعها بصورة حادة في يونيو (حزيران) ومايو (أيار). ولا تزال هذه المعدلات أعلى مما كانت عليه في أبريل (نيسان) وهي «إشارة على أن الطلب على المعدات الإنتاجية في الولايات المتحدة وفي الخارج آخذ في التحسن»، حسب ما قاله الاقتصادي الأميركي البارز في «غلوبال انسيت نيغل غولت» في مذكرة إلى العملاء.

ويحذر بعض المحللين من أنه إن لم تحصل حالة الانتعاش على دفعة بنهاية العام المقبل، فإن البلاد يمكن أن تنزلق مجددا إلى حالة من الركود. ويدخل قطاع الإسكان، الذي يعد دافعا آخر لحالات الانتعاش الماضية، العام الثالث من التراجع. ولكن هناك إشارات على أن هذه القطاع على وشك أن يتحسن، فقد ارتفعت مبيعات المنازل الجديدة بنسبة 9.6 في المائة خلال يوليو (تموز)، لتصل إلى معدل سنوي يبلغ 433.000 حسب الموسم، وهذا وفق ما أوردته وزارة التجارة بصورة منفصلة يوم الأربعاء. وكان ذلك أعلى مستوى للمبيعات منذ سبتمبر (أيلول). وشهدت المبيعات خلال يونيو (حزيران) تحولا للارتفاع. وأكد التقرير على وجود اتجاهات إيجابية انعكست في مؤشرات أخرى بسوق الإسكان. ويوم الثلاثاء وجد مؤشران تتم متابعتهما بصورة جيدة أن أسعار المنازل ارتفعت في يوليو (تموز) مقارنة بالأسعار التي سجلت خلال الشهر الذي سبق داخل معظم المناطق بالبلاد. وارتفعت مبيعات المنازل والنشاط في قطاع التعمير خلال الأشهر الأخيرة. وارتفعت مبيعات المنازل الجديدة في ثلاث من أربع مناطق جغرافية، حسب ما سجله تقرير الأربعاء الصادر عن وزارة التجارة. ويعد الجنوب، الذي يضم منطقة واشنطن، هو الجزء الذي شهد أعلى مبيعات في الولايات المتحدة، وسجل زيادة نسبتها 16.2 في المائة. وتراجعت المبيعات في المناطق الوسطى الغربية وحدها بنسبة 7.6 في المائة. ويقول مايكل لارسون، وهو محلل عقارات يعمل لدى «ويس للأبحاث»، إنه إذا استمرت المبيعات بالوتيرة نفسها فربما يكون هناك مخزون من المنازل لمدة 7.5 شهر في السوق، وهو أقل كثيرا من المخزون لمدة 12.4 شهر الذي سجل في يناير (كانون الثاني) والمخزون لمدة 8.5 شهر في يونيو (حزيران). وبصورة عامة يدل المخزون لمدة 6 أشهر على توازن في السوق.