مايكروسوفت تعين مقاتلا في إطار منافستها الشرسة مع غوغل

تشي لو ذو القدرات غير الاعتيادية.. نشأ فقيرا في الصين وبرع في «ياهو»

لقطة لتشي لو يرتدي فيها قميصا عليه محرك بحث «بنغ» التجاري (خدمة «نيويورك تايمز»)
TT

تشي لو يعرف مثله مثل الجميع مدى صعوبة منافسة غوغل. فقد كان السيد لو يلعب دورا رياديا في إنشاء محرك بحث ياهو وتكنولوجيا الإعلان لما يقارب عقدا من الزمن. وكانت لتلك الجهود أهمية كبرى حتى أن ياهو قد دعمتها بمليارات الدولارات؛ لتستحوذ على الشركات؛ وتعين جيوشا من المهندسين؛ ولكي تطور وتدير أنظمتها الخاصة. ولكن وفقا للعديد من المحللين فإن ياهو قد تخلفت كثيرا ومنيت بالهزيمة على يد غوغل.

لقد ترك لو (47 عاما) ياهو قبل أربعة عشر شهرا ولكنه وجد نفسه مرة أخرى يقود الهجوم على غوغل؛ ولكن بمناصرة حليف آخر هذه المرة؛ حليف تعهد بإنفاق أموال أكثر مما فعلت ياهو في سبيل تلك المهمة وهو: مايكروسوفت. فيقول السيد لو: «إنها مهمة لم تنته وأحب أن أشارك فيها». ولكن التحدي الذي يواجه لو وفريقه ما زال تحديا كبيرا، كما أن النصر يبدو احتمالا بعيد المنال. ولكن منذ أن اختاره ستيفن بولمر الرئيس التنفيذي لكي يصبح رئيسا لقسم خدمات الأونلاين بالشركة، اكتسب لو المهندس المتواضع ـ الذي يعد من أكثر التنفيذيين تميزا في المناصب الكبرى في مجال صناعة الإنترنت ـ الثقة في جنود مايكروسوفت، وساعد على ضخ قدر من التفاؤل في الفريق المنهزم.

فقد دفع الرجل الذي يمتلك قدرة غير اعتيادية على الاحتمال، وولع بالعمل الفريق لكي يعمل بجدية ولكي يحقق لمايكروسوفت انتصارا ضخما. وفي الاجتماعات الليلية التي كانت تعقد في التاسعة والنصف طوال عدة أسابيع، كان لو يحث المديرين على إيجاد طرق مبتكرة لإعادة هيكلة مشروع شراكة معقد مع ياهو. وقد تم توقيع الصفقة في يوليو (تموز) والتي سوف تمنح مايكروسوفت شيئا كانت تسعى وراءه لسنوات: جمهور أوسع سوف يجعل من محرك بحث بينغ المنافس الرئيسي لغوغل.

ولكن السيد لو وفريقه ما زال لديهم الكثير لكي يفعلوه؛ فحتى بإضافة عدد الباحثين على محرك بحث ياهو، تظل حصة بينغ من سوق البحث أقل من نصف عدد الباحثين على محرك بحث غوغل.

ولن يكون سد تلك الثغرة بالمسألة السهلة؛ نظرا لأن معظم المستخدمين سعداء باستخدام غوغل التي تعمل باستمرار على تحسين خدمات البحث التي تقدمها.

وفي حوار مطول الأسبوع الماضي في المقر الرئيسي لمايكروسوفت، قال لو إنه لا يقلل من قدر التحديات التي يواجهها، ولكنه أكد أن مايكروسوفت سوف تحصل على المدى البعيد على فرصة لتقديم خدمات مختلفة ومهمة بما يسمح لها للمنافسة بفعالية.

وبالنسبة لمايكروسوفت، فإن تحقيق نجاح فيما يتعلق بمحرك البحث هو أمر حيوي بالنسبة لنجاح الشركة على المدى البعيد. وبالنسبة للسيد لو فإنها مهمة يشعر أنه ملتزم بإتمامها.

«أعتقد أن هذا استجابة لنداء الواجب». يقول لو وهو يرتدي قميصا عليه شعار محرك بينغ وبنطلون جينز وحزاما من الجلد الأسود وصندلا بني اللون وجوارب بيضاء؛ بحيث يبدو وكأنه مجرد مهندس وليس مديرا تنفيذيا مرموقا.

وبعقلية المهندس المنطقية، أوضح لو أسباب عودته لذلك الصراع؛ فعملية البحث تحدد المكان الذي سيتوجه إليه المستخدمون على الشبكة؛ ويعد الإعلان المرتبط بعملية البحث من أكثر القوى الاقتصادية تأثيرا على شبكة الإنترنت. فتلك الأعمال أهم من أن تسيطر عليها شركة واحدة.

ونظرا لأنه نشأ فقيرا في الصين، فإن لو يشعر بضرورة ألا يضيع الفرصة النادرة التي حصل عليها؛ فقد نشأ في قرية ريفية من دون كهرباء أو مياه جارية ولكن ذكاءه قاده إلى جامعة فودان، وبعد أن حصل على درجة الماجستير في علوم الكومبيوتر، وحضر ندوة كان يحاضر فيها إدموند كلارك أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الكومبيوتر في كارنيغي ميلون. ونظرا لانبهاره بأسئلة السيد لو وأبحاثه، دعاه السيد كلارك لكي ينضم إلى برنامج يحصل من خلاله على درجة الدكتوراه.

ولكن السيد لو الذي كان يتقاضى عشرة دولارات فقط في الشهر لقاء تدريسه في الجامعة لم يكن يستطيع تحمل تكاليف تقديم استمارة الاشتراك وبالتالي سعى الأستاذ لإعفائه من مصروفات الالتحاق وقبل طلب السيد لو. فيقول السيد لو إن التحديات التي واجهته قد تحولت إلى نعمة: «تستطيع أن تقول إن ذلك قاس ولكنه يعلمك العديد من الأشياء».

وبعد حصوله على درجة الدكتوراه في 1996، التحق بالعمل في أحد المعامل المرموقة لـ«آي بي إم». ثم التحق بالعمل في شركة ياهو في 1998، وبعد عدة سنوات، وعندما بدأ الصراع بين غوغل وياهو، ترأس تطوير أبحاث ياهو وتكنولوجيا إعلانات البحث.

ومن كافة الاتجاهات، كرس السيد لو عقله وروحه لتلك المهمة، فبعد أن تم تعيينه كمهندس، ترقى في المناصب المختلفة ليس لطموحات شخصية ولكن من خلال قدراته الذهنية غير العادية واستعداده الدائم للاضطلاع بأدوار أكبر. وفي النهاية، كان يدير فريقا يتكون من 3000 مهندس.

فيقول تيم كادوغان الرئيس التنفيذي لأوبن إكس شركة تكنولوجيا الإعلانات والذي كان يعمل مع السيد لو في ياهو: «لقد كان ينأى بنفسه عن الأضواء ولكنه يعتبر واحدا من نجوم ياهو».

ويقول زملاء السيد لو في ياهو ومايكروسوفت أن ذكاءه لا يقارن إلا بعاداته في العمل؛ فهو يستيقظ معظم أيام الأسبوع في الرابعة صباحا ويتفقد بريده الإلكتروني ثم يجري لأربعة أميال على جهاز السير المتحرك وهو يستمع لموسيقى كلاسيكية أو يشاهد الأخبار.

ويفضل لو أن يصل مكتبه ما بين الخامسة والسادسة صباحا لكي يحصل على وقت من دون مقاطعات يستطيع فيه أن ينظم يومه. وهو يستمر في العادة في إرسال الرسائل الإلكترونية إلى فريقه حتى منتصف الليل أو ما بعد ذلك. (ويحرص لو المتزوج والذي لديه ابنتان أن يقضي معظم إجازته الأسبوعية مع أسرته). وعندما التقى السيد جيف وينر ـ المدير التنفيذي السابق بياهو الذي عمل مع السيد لو لسنوات طويلة ـ بالسيد لو كان يعتقد أن ذلك الجدول المرهق لا يمكن تنفيذه. ولكن مدير السيد لو نفى مخاوف السيد وينر قائلا: «هذا هو تشي».

فيقول السيد وينر الذي يعمل كرئيس تنفيذي لموقع الشبكات الاجتماعية الإلكتروني «لينكيد إن»: «أتذكر ذلك جيدا نظرا لعدد الناس الذين كانوا يأتون لي ويعبرون عن مخاوفهم وكنت أرد عليهم «هذا هو تشي»، فهو لا يتصرف بشكل آلي كالجميع، فأي شخص آخر يقوم بما يقوم به لو سوف ينهار، ولكن السيد تشي كان واحدا من أكثر الناس الذين قابلتهم على الإطلاق قدرة على العمل».

فحتى خصومه كانوا يمتدحون أخلاقيات عمله وقدراته الذهنية، فيقول أودي مانبر نائب رئيس مهندسي البحث في غوغل الذي عمل مع السيد لو في آي بي إم وياهو: «أكن له احتراما خاصا. فهو أفضل منافس يمكن أن أحظى به». وينعكس انضباط السيد لو كذلك على ولائه؛ فعلى سبيل المثال، حدثت مشكلة في قاعدة البيانات في آخر يوم له في ياهو واستمر في العمل بيديه مع مهندسي فريقه على حلها، ولم يغادر المكتب إلا عندما تم فصل بريده الإلكتروني وقدرته على التعامل مع الشبكة أوتوماتيكيا في منتصف الليل.بالإضافة إلى أن السيد لو قد رفض التحدث مع السيد بومر الذي كان مهتما بالحديث معه إلا بعد خروجه من شركة ياهو لأنه كان يرى أن ذلك غير لائق.

فقد كان السيد لو يفكر في المشاركة في أحد المشروعات أو في العودة إلى الصين، ولكن خططه قد تغيرت بعدما ذهب السيد بولمر إلى وادي السيليكون مع اثنين من المهندسين التنفيذيين بمايكروسوفت للالتقاء بالسيد لو ومناقشة انضمامه للعمل.

وقد أعجب السيد بولمر به على الفور؛ فيقول السيد بولمر في لقاء أجري معه: «لقد خرج من الحجرة وكنت أتحدث إلى رجلين آخرين وأقول: «يا إلهي، أعتقد أننا ملزمون بأن نطلب من ذلك الرجل أن يأتي إلى مايكروسوفت». وقد اتصلوا مباشرة بلو على هاتفه الجوال، يقول السيد بولمر: «وقد أبدى الرجل اهتمامه وهو ما أثمر في نهاية الأمر».

ويدرك السيد لو أنه يحتاج إلى وقت أطول لكي تبدأ مهمته في الإثمار؛ فيقول: «أمامنا المزيد والمزيد والمزيد من العمل».

* خدمة «نيويورك تايمز»