مجموعة العشرين تناقش نهاية الأزمة المالية وتفادي تكرارها

منظمة التعاون الاقتصادي: الركود العالمي يقترب من نهايته > بريطانيا تحذر من التراجع عن مواصلة الإنفاق الحكومي

محتجون في لندن أمس، متنكرين في لباس قراصنة، يعبرون عن تنديدهم بالتهرب الضريبي للشركات المتعددة الجنسيات عشية اجتماع وزراء مالية وحكام المصارف المركزية في دول مجموعة العشرين (أ.ب)
TT

يعكف وزراء مالية وحكام المصارف المركزية في دول مجموعة العشرين نهاية الأسبوع في لندن على دراسة الاقتصاد العالمي المتعافي، لكنه في مرحلة نقاهة والبحث عن وسائل التصدي لأزمة جديدة وتفادي التجاوزات في المستقبل، ولا سيما مسألة المكافآت المصرفية.

وينعقد في هذا الاجتماع مساء غد الجمعة وبعد غد السبت، لتحضير قمة رؤساء دول مجموعة العشرين التي ستجرى في 24 و25 سبتمبر (أيلول) في بيتسبورغ بالولايات المتحدة. ويأتي الاجتماع بينما يبدو أن الاقتصاد بدأ يتعافى. وخرجت فرنسا وألمانيا واليابان من مرحلة الانكماش في الربع الثاني من السنة الجارية، وأخذ الاقتصاد الأميركي يتحسن. وأعلن وزير الخزينة الأميركي تيموثي غايثنر، آخر مسؤول أميركي يعرب عن تفاؤل حذر، أول من أمس الأربعاء، أنه بدأ يرى «مؤشرات النمو الأولى (للاقتصاد)» في الولايات المتحدة والعالم، لكنه اعتبر أن الطريق «ما زال طويلا» قبل العودة إلى النسق العادي. ولا تزال البطالة في كل البلدان تثير القلق.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، بعد أن تم اتخاذ إجراءات استثنائية لدعم المصارف والاقتصادات منذ سنة، متسببة في أوضاع عجز ضخمة، يتوقع أن تبحث مجموعة العشرين في ضرورة تنسيق «استراتيجيات الخروج» من الأزمة. لكن وزير المالية البريطاني أليستر دارلينغ حذر أمس في حديث لصحيفة «ذي إندبندنت» من وقف سابق لأوانه لإجراءات الدعم كي لا يتعرقل تعافي الاقتصاد بشكل «دائم». وقد حث وزير الخزانة البريطاني أليستر دارلينغ حكومات الدول التي تضررت من الركود الاقتصادي على مواصلة الإنفاق الحكومي العام للخروج من الأزمة الاقتصادية. وحذر دارلينغ هذه الحكومات من التفكير في «استراتيجيات خروج» سابقة لأوانها بالنسبة لخطط الإنفاق الحكومي وحزم تحفيز الاقتصاد. وأضاف أنه من غير الصواب وقف الإجراءات الحكومية لتحفيز الاقتصاد قبل اكتمال المهمة وعودة الاقتصاد إلى مسار النمو المستدام. وأشار إلى ضرورة وجود خطة تضمن وقف الإنفاق الحكومي التحفيزي مع استمرار النمو الاقتصادي.

وقال دارلينغ إن هناك مؤشرات مشجعة على أن العمل المشترك الذي قامت به دول مجموعة العشرين خلال الشهور العشرة الماضية كان مؤثرا، وإنه بدأ جني ثمار هذا العمل، محذرا من أن الوقت ما زال مبكرا للتوقف عن هذا العمل.

وستكون المكافآت المصرفية في صلب المناقشات، حيث إن الطمع في تلك الأموال الضخمة قد يكون سببا في انحراف المصارف نحو فقاعة قروض كالتي انفجرت منتصف 2007. وستبحث مجموعة العشرين أيضا في وسائل تفادي أزمة جديدة. وأبدى رجال السياسة اهتماما خاصا بهذه المسالة، لا سيما أنها تثير استياء كبيرا في الرأي العام. وأقنعت فرنسا بعد معالجة داخلية «لفضيحة المكافآت»، كما يسميها الرئيس نيكولا ساركوزي، الأوروبيين الآخرين بـ«اتخاذ موقف مشترك قوي» حول هذه القضية. لكن سيصعب على وزيرة المالية الفرنسية كريستين لاغارد كسب تأييد البريطانيين لفكرتها المتمثلة في الحد من المكافآت، لأنهم يريدون صيانة جاذبية «لا سيتي» (حي الأعمال اللندني). أما الأميركيون فهم يرون قضية المكافآت المصرفية «خارج الموضوع»، كما قال مسؤول أوروبي متأسفا.

واعتبر وزير المالية السويدي أندرس بورغ الذي تتولى بلاده حاليا رئاسة الاتحاد الأوروبي أنه لا بد من «عضلات وأسنان وليس مجرد مبادئ» في هذه القضية، مؤكدا: «سنكون في حاجة إلى تقدم» في الولايات المتحدة.

كذلك ستطرح على النقاش قضية الجنات الضريبية لأن كبرى الدول الأوروبية تريد فرض عقوبات اعتبارا من 2010 على الدول التي لا تحترم قواعد الشفافية. وسيجري النقاش أيضا حول معايير المحاسبة (إنترناشيونال فايننشال ريبورتينغ ستانداردز) التي أدت خلال الأشهر الأخيرة إلى عرض البنوك على الورق خسائر مروعة لا تعكس نشاطاتها الحقيقية، والتي قد تزيد في تفاقم تذبذب الأسواق. كما ستتم مناقشة الحسابات الخاصة في البنوك، وفي هذه المجالات أيضا يبدو أن الأميركيين لا يبالون، إذ إنهم قد يعتبرون مسالة الجنات الضريبية قد حلت بإعلان مجموعة العشرين في الثاني من أبريل (نيسان) في لندن أو أن لديهم قوانينهم الشخصية في مجال المعايير والمحاسبة والحسابات الخاصة. في المقابل يولي الأميركيون والدول الناشئة اهتماما بصندوق النقد الدولي، حيث يطالبون بتمثل أفضل للدول الناشئة، لكن هذه المرة الاتحاد الأوروبي هو الذي يبدي تحفظا، حيث يخشى أن يكون ذلك على حسابه. وزاد الاتحاد الأوروبي الأربعاء من 75 إلى 125 مليار وعوده بمساهمة إضافية في صندوق النقد الدولي، وستشارك الصين بخمسين مليار دولار في أول إصدار سندي للمؤسسة.

وتفيد توقعات نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أمس أن الركود العالمي يقترب من نهايته أسرع مما كان متوقعا منذ شهور قليلة فحسب، بل وربما انتهى بالفعل. وأبلغ يورغن المسكوف كبير اقتصاديي المنظمة «رويترز» في مقابلة تناول فيها التوقعات التفصيلية لعدة اقتصادات أن التعافي قد يكون حتى أقوى قليلا من التوقعات السابقة. وقال المسكوف: «مقارنة بالتوقعات منذ شهور قليلة يوجد الآن لدينا تعاف... قد يكون مبكرا قليلا وقد يكون أقوى قليلا نظرا لأن الأوضاع المالية تحسنت أسرع مما كنا نفترض منذ بضعة أشهر».

وتظهر توقعات المنظمة عودة نمو الناتج الاقتصادي ـ كما يقيسه الناتج المحلي الإجمالي ـ في الربع الثالث من العام في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو المؤلفة من 16 بلدا، بقيادة أكبر اقتصادين فيها، ألمانيا وفرنسا. وتتوقع المنظمة نموا بنسبة 1.6 في المائة على أساس سنوي في الولايات المتحدة في الربع الثالث، و0.3 في المائة في منطقة اليورو، و1.1 في المائة في اليابان، وهي بوجه عام تقديرات أكثر تفاؤلا من التحديث السابق في يونيو (حزيران). وقال المسكوف إن التحسن الذي بدأ مع «تحول إيجابي قوي نوعا ما» في الصين وسائر اقتصادات الأسواق الآسيوية الصاعدة في الربع الثاني لا يزال يعتمد بدرجة كبيرة على التحفيز الحكومي والانخفاض الشديد لأسعار الفائدة في أنحاء العالم. ولا تضم منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المكونة من 30 عضوا قوى صاعدة مثل الصين، لكنها تضم الدول الصناعية القديمة التي بدأت فيها المتاعب عام 2007 عندما تصدعت طفرة الائتمان والإسكان في الولايات المتحدة، مما أوقد شرارة أزمة في البنوك وأسواق المال انتقلت عدواها إلى الاقتصاد الحقيقي. وفي حين توقعت المنظمة استمرار الانكماشات في الربع الثالث في بريطانيا وإيطاليا ونموا يعقبه تراجع في الربع الأخير في اليابان، فإنها قالت إن الصورة العامة لمجموعة القوى الصناعية السبع الكبرى تحسنت. وتظهر التوقعات التي تشمل معلومات حتى الثاني من سبتمبر (أيلول) عودة منطقة اليورو لتحقيق نمو إيجابي في ربعي السنة الأخيرين من 2009 بعد خمسة فصول متتالية من الانكماش. وتأتي التوقعات عشية اجتماع لوزراء مالية مجموعة العشرين التي تضم اقتصادات صاعدة كبيرة مثل الصين والهند، إلى جانب دول مجموعة السبع. وقال التقرير إن على السلطات وضع استراتيجية للانسحاب من سياسات التحفيز المالي والنقدي حالما يتأكد التعافي، لكن الوقت لم يحِن بعدُ لإخراج الاقتصاد من العناية المركزة، سواء على صعيد الإنفاق الحكومي أو التحول إلى أسعار فائدة رسمية أعلى.

وعلى صعيد متصل أعلن البنك المركزي الكوري الجنوبي أمس أن اقتصاد كوريا الجنوبية سجل نموا يتجاوز التوقعات خلال الربع الثاني من العام الحالي وقدره 2.6% من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بالربع الأول من العام. أرجع البنك النمو السريع إلى إجراءات تحفيز الاقتصاد الحكومية وزيادة الصادرات.

يعد معدل النمو خلال الربع الثاني هو الأسرع منذ خمس سنوات، كما أنه يزيد عن التقديرات السابقة التي أعلنها البنك المركزي في يوليو (تموز) الماضي حيث كانت 2.3% فقط. في الوقت نفسه ذكر البنك أن الاقتصاد الكوري سجل خلال الربع الثاني من العام الحالي انكماشا بمعدل 2.2% عند المقارنة بالربع الثاني من العام الماضي. وأشار البنك إلى أن «زيادة الإنفاق الفردي وزيادة الاستثمارات في المنشآت ومشروعات التشييد أدت إلى نتائج أفضل».

ورفعت شركات التكنولوجيا والسيارات في رابع أكبر اقتصاد آسيوي إنتاجها خلال الربع الثاني من العام، في حين تمكن قطاع تكنولوجيا المعلومات من زيادة صادراته خلال هذه الفترة.

وزادت صادرات كوريا الجنوبية التي تعتمد على التصدير خلال الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 14.7% مقارنة بالربع الأول من العام، في حين زاد الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 3.6% خلال الفترة نفسها بفضل زيادة مبيعات السلع المعمرة مثل السيارات نتيجة خفض الضرائب عليها.

وزاد معدل النمو خلال الربع الثاني من العام الحالي بمقدار 0.1 نقطة مئوية عن الربع الأول، الذي كان قد شهد خروج اقتصاد كوريا الجنوبية من فترة ركود حادة عندما سجل خلال الربع الأخير من العام الماضي انكماشا بمعدل 5.1% من إجمالي الناتج المحلي.

كانت الحكومة الكورية الجنوبية قد أقرت في مارس (آذار) الماضي موازنة تكميلية بقيمة 28.9 تريليون وون (23.19 مليار دولار) بهدف إنعاش الاقتصاد. وشملت الموازنة التكميلية زيادة الإنفاق على مشروعات البنية الأساسية ومبادرات توفير وظائف جديدة.

كان البنك المركزي يتوقع في يوليو (تموز) الماضي انكماش الاقتصاد الكوري خلال العام الحالي ككل بنسبة 1.6% ثم يعود إلى النمو العام المقبل بمعدل 3.6%. وكان الناتج المحلي الإجمالي قد سجل نموا بمعدل 2.2% خلال العام الماضي.