البيت الأبيض ينوي اقتراح احتفاظ المصارف الأميركية باحتياطات أكبر

مخاوف من أن تفقد المصارف ميزتها التنافسية أمام مثيلاتها الأجنبية

تدرس إدارة أوباما اتخاذ إجراءات طويلة الأمد للحيلولة دون وقوع أزمة مالية أخرى
TT

أخيرا، عاودت المصارف النهوض.. والتساؤل الذي يفرض نفسه الآن: كيف يمكن الإبقاء على هذه الحال إلى الأبد؟

بعد دعمها جهات الإقراض بمليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب، تدرس إدارة أوباما اتخاذ إجراءات طويلة الأمد ترمي للحيلولة دون وقوع، أو على الأقل، تقليص إلى أقصى حد ممكن، أي أزمة مالية مستقبلية.

ويتمثل لب الخطة المطروحة في دفع المصارف، خاصة بالغة الضخامة منها، للاحتفاظ برؤوس أموال أكبر للتخفيف من حدة أي أزمة مستقبلية، خطوة عادة ما لقيت معارضة من المصارف لأنها تقلص أرباحها. ومن المتوقع أن يشرح وزير الخزانة، تيموثي غيتنر، مقترحات الإدارة بهذا الشأن، في خطاب موجه إلى وزراء مالية دول «مجموعة العشرين» الصناعية والناشئة، المقرر أن يلتقوا في لندن هذا الأسبوع.

لا تزال الإجراءات بهذا الصدد قيد المناقشة، وحال إقرارها، من المحتمل ألا يجري تنفيذها بالفعل سوى بعد سنوات. الملاحظ أن مستويات رؤوس الأموال المتوافرة لدى المصارف كانت من قبل محط اهتمام الأكاديميين والخبراء المعنيين بالسياسات. إلا أنها سرعان ما تحولت إلى الشاغل الأول في الدوائر المصرفية، وباتت تعزز مقترحات الإدارة لإصلاح التنظيمات المالية. المؤكد أن إجبار المصارف على الاحتفاظ بمزيد من رأس المال قد يعيد رسم صورة الصناعة برمتها على نحو راديكالي.

ويأمل مسؤولو الإدارة، من جانبهم، في التوصل إلى إجماع دولي واسع النطاق حول القضية وإرساء الأساس لإقرار إرشادات بعد اجتماع قمة «مجموعة العشرين» في بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا في أواخر هذا الشهر. بيد أن الاتفاق على خطوط عامة شيء، وتناول التفاصيل أمر مختلف تماما. جدير بالذكر أن معايير رأس المال الدولية الأخيرة جرت صياغتها على امتداد سنوات. وتعتمد هذه الإرشادات على قدرة المصارف على تقييم المخاطر، وهو أمر أخفقت غالبية المصارف في الاضطلاع به على نحو مناسب في السنوات الأخيرة، مما ترتب عليه نتائج كارثية على الاقتصاد العالمي.

إلا أن قليلا فقط من صانعي السياسات يرون إمكانية التوصل إلى حل يسير على هذا الصعيد. في الوقت الذي تساعد فيه المتطلبات المتعلقة بالاحتفاظ بمزيد من رؤوس الأموال في جعل المصارف أكثر أمنا بوجه عام، وإن كانت أرباحها ستتضاءل فإنها ستعوق قدرة المصارف على تقديم قروض تغذي الاقتصاد وتخلق وظائف. ويتركز التحدي الرئيسي في كيفية تحقيق توازن على هذا الصعيد.

تتركز جهود إدارة أوباما حول قضيتين رئيسيتين بعالم الصرافة، أولاهما: كيفية التعامل مع المؤسسات بالغة الضخامة والتداخل بحيث يمكن أن يؤدي انهيارها إلى تهديد الصناعة المالية بأكملها والاقتصاد بصورة أوسع. أما القضية الثانية فتتعلق بالمؤسسات التي تخوض مخاطر تجارية بالغة الضخامة، مما يعرضها لخسائر مدمرة محتملة. وتنتمي بعض المصارف، مثل «غولدمان ساكس»، إلى الفئتين معا.

ومن المتوقع أن يقترح غيتنر احتفاظ كل المصارف بمستويات أعلى من رؤوس الأموال، مع وجود حصة كبيرة في الأسهم العادية. لكن ما يطلق عليه المؤسسات المهمة بوجه عام ـ والتي ربما يبلغ عددها أربعا وعشرين، معظمها مصارف كبرى، علاوة على حفنة من المؤسسات المالية ـ سيتم فرض معايير أشد صرامة عليه. ومن المتوقع أيضا أن يقترح غيتنر أن تحتفظ المؤسسات التي تشارك في نشاطات تنطوي على مخاطرة، مثل المشتقات والاتجار في العقارات، برؤوس أموال أكبر للحيلولة دون وقع أزمة تعصف بالصناعة بأكملها.

من جهته، قال غيتنر (الأربعاء) إن: «هذا يعد جزءا حيويا من جهود جعل النظام المالي أكثر أمنا في المستقبل. وهذا أمر لا يمكننا الانتظار لفترة طويلة كي نقوم به».

ويأمل مسؤولو الإدارة في التوصل إلى إجماع عالمي، ويشعرون بالقلق حيال إمكانية أن تفقد المصارف الأميركية ميزة تنافسية في مواجهة المصارف الأخرى حال فرض قيود أكثر صرامة عليها على نحو انفرادي. وقد صرح غيتنر بأن هدفه التقدم مبكرا بمقترح لصياغة النقاش بوجه عام.

من ناحية أخرى، من غير الواضح الصورة التي ستأتي عليها استجابة المشرعين بالخارج. ربما تقدم المصارف الأوروبية والآسيوية، التي عادة ما تحتفظ برؤوس أموال أقل عن نظيرتها الأميركية، على جمع مليارات الدولارات بهدف الالتزام بمعايير عالمية جديدة تتسم بالصرامة.

أما على الصعيد الداخلي، فستجابه إدارة أوباما معارضة كبيرة، ذلك أن نشاطات تجارية مثل المشتقات والأسهم الخاصة ستصبح أقل ربحية بكثير حال رفع مستويات رأس المال بصورة حادة. ومن غير المحتمل أن تذعن الصناعة لقواعد جديدة دون قتال ومعارضة شديدة.

ومع ذلك، من الممكن أن يدفع إخفاق المعايير الدولية الراهنة، المعروفة باسم «اتفاقية بازل 2»، إلى اتخاذ إجراءات سريعة. والملاحظ أن صحة المصارف تحولت إلى قضية سياسة واقتصادية.

طبقا للقواعد الدولية الراهنة القائمة على أساس «اتفاقية بازل»، فإن مصرفا ما يصبح متمتعا بمستوى جيد من رأس المال إذا ما توافق مع ما يطلق عليه مستوى رأس المال الأول البالغ 4%، ومستوى إجمالي لرأس المال يبلغ 10% من أصوله المرجحة ذات المخاطر. وطبقا للقواعد الأميركية، يجب أن تحتفظ المصارف برؤوس أموال أكبر تحسبا لأي أزمة.

وعلى الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق بعد حول كمية محددة، فإنه يبدو أن المشرعين اليوم يرغبون في المزيد. وخلال مقابلة أجريت معها الثلاثاء، قالت شيلا سي بير، رئيسة «شركة التأمين على الودائع الفيدرالية»، إنه يتوافر بالفعل إجماع حول إقرار معدل رفع دولي أشد صرامة يضع حدودا دنيا متناغمة من رؤوس الأموال بمختلف أرجاء العالم. وقالت بير: «يجب اتخاذ إجراء قوي وسريع وبسيط لضمان توافر رؤوس أموال مناسبة في أوقات اليسر والشدة».

ومن المتوقع أن يقترح غيتنر كذلك مزيدا من الإجراءات الرامية لتقليل اعتماد المصارف على جمع رؤوس أموال إضافية عندما تتعرض الأسواق لضغوط. من بين الأفكار المطروحة مطالبة المصارف بتقليص أرباحها والتوقف عن معاودة شراء أسهمها إذا ما تراجع سعر السهم بصورة بالغة. وتتمثل فكرة أخرى في تشجيع المصارف على إصدار أسهم ممتازة تتحول إلى أسهم عادية تلقائيا حال حدوث انحسار اقتصادي حاد. من الممكن أن يستغرق إقرار وتنفيذ إجراءات جديدة سنوات عدة. والواضح أن الجهات التنظيمية الأميركية والأجنبية يساورها تردد حيال رفع مستويات رأس المال والحد من عمليات الإقراض خلال فترة ركود عالمي.

* خدمة «نيويورك تايمز»