الليرة اللبنانية لبّت ثلاثا من وظائفها ويبقى الإقراض بالدولار

في محاولة لاستعادة دورها

TT

من يتابع مسيرة الليرة اللبنانية منذ تعرضها لذروة الضغوط في أواخر الثمانينــات يدرك أن هذه العملة استعادت جزءا مهما من عافيتها، ومرشحة لأن تستعيد دورها كاملا في دعم الاقتصاد اللبناني، وهذا ما يعمل عليه مصرف لبنان المركزي وجمعية المصارف بمثابرة وثبات، ويأملان في أن يساعد الاستقرار الأمني والســياسي في هذا التـوجه.

ومن المهم الإشارة إلى أن تحسن أجواء الثقة، لا سيما بعد «اتفاق الدوحة»، عزز من حركة التحويل إلى الليرة، التي بدأت العام الماضي واستمرت في ما انقضى من العام الحالي، بحيث سجل في النصف الأول من هذا العام تحويل 5 مليارات دولار إلى العملة الوطنية، مما أدى إلى خفض نسبة الدولرة إلى 67 في المائة، وهو المستوى الأدنى منذ 5 سنوات، وفي عام 2008 تم تحويل 8 مليارات دولار إلى الليرة اللبنانية.

وكان من الطبيعي أن تساعد هذه التحويلات في دعم احتياطات البنك المركزي من العملات الصعبة، التي سجلت رقما قياسيا ناهز 23.5 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، ويعتبر البنك المركزي الشاري الأساسي للدولار في السوق اللبنانية منذ بداية «العودة» إلى الليرة اللبنانية، سواء على صعيد الودائع أو القروض، وحتى رواتب الموظفين في القطاع الخاص أو معظمهم على الأقل.

ونتيجة لتدخل مصرف لبنان المكثف في السوق ارتفعت نسبة تغطية العملة المحلية باحتياطات المصرف من العملات الصعبة إلى 80.8 في المائة، وترتفع هذه النسبة إلى 110.6 في المائة إذا أخذنا في الاعتبار احتياطات الذهب المقدرة بنحو 8.7 مليار دولار.

وبحسب حاكم مصرف لبنان فإن 90 في المائة من الأموال المتدفقة على لبنان خلال 12 شهرا، والبالغة 16 مليار دولار، تم تحويلها إلى الليرة، وهو ما سمح للمصرف بخفض الفائدة على سندات الإيداع التي يصدرها بهدف اجتذاب السيولة من السوق، والتي بلغت قيمتها 6 مليارات دولار استحقاق 5 سنوات، فيما اجتذبت الخزينة اللبنانية باقي السيولة عبر إصدار سندات الخزينة بالليرة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض نسبة الدَّين العام بالعملات الأجنبية إلى 46 في المائة.

ويعتبر «بنك عودة» في تقريره نصف السنوي أن عامل الثقة بالليرة اللبنانية، وبالتالي بالاقتصاد المحلي ومن ثم بالآفاق المستقبلية، أعاد طرح دور الليرة على الساحة الاقتصادية بعدما رسم تطورها منذ نهاية الثمانينات حتى اليوم، معتبرا أن العملة الوطنية لبّت حتى الآن ثلاثا من أربع وظائف تمثلها أي عملة، وهي كونها وسيلة تبادل، ووحدة حسابية، وقيمة احتياطية.

وفي هذا المجال يشير التقرير إلى أن 21 في المائة من الشيكات المتقاصة بالليرة اللبنانية، في حين لم تكن تشكل نسبة تذكر في نهاية الثمانينات.

أما الوظيفة الرابعة فهي عملة الدفع الإلزامي، وهو الأمر الذي لا يسري مفعوله، كما تدل على ذلك القروض الممنوحة بالدولار الأميركي التي ارتفعت في نهاية يونيو (حزيران) إلى 85.4 في المائة على الرغم من الحركة المتسارعة للتخلي عن دولرة الودائع المصرفية.

وإذا ما لجأت بعض المصارف إلى التوسع في الإقراض بالليرة، فلا بد من أن تلجأ إلى حملة إعلانية تدخل في سباق الفوز بأكبر حصة ممكنة من السيولة بالليرة كما هي الحال، على سبيل المثال، مع قروض السيارات الجديدة والمستعملة التي يتعاطاها «بنك بيبلوس» وسواه من المصارف اللبنانية.

ويعتبر التقرير أن السيولة الكبيرة بالليرة، التي أفرزتها حركة تحويل الدولار إلى عملة محلية، تشكل فرصة «ذهبية» ينبغي استغلالها من أجل مواجهة تأثيرات الأزمة العالمية بشكل أفضل، واستعادة الدور أو الأدوار الرئيسية لليرة اللبنـانية.

ويشكل دعم القروض بالليرة اللبنانية، الذي يشجع عليه البنك المركزي، إحدى وسائل استعادة ذلك الدور، إلا أن هذا النوع من القروض لم يأخذ مداه بعد، بدليل انخفاض التســليف عموما في الفصل الأول من العام الحالي بسبب الانتخابات النيابية والواقع النفسي للأزمة المالية العالمية، على حد قول حاكم مصرف لبنان المركزي، الذي يتــوقع أن يشهد الفصل الثاني من عام 2010 ارتفاعا في التسليف إذا سمح الوضع السياسي والأمني.

علما بأن لبنان، كما يضيف الحاكم، «لم يوقف التسليف بخلاف الكثير من الدول، لكن الأمل في المزيد لتنشيط الاقتصاد، وبحيث يكون معدل النمو أعلى من نمو الدَّين العام». ويذهب الحاكم إلى توقع زيادة التسليف مليار دولار خلال سنة ونصف السنة.