تحول بنك «باركليز» البريطاني من بنك للإقراض إلى بنك استثماري شامل

شركة «نومورا» اليابانية تواجه مشكلة اختلاف ثقافة العمل

وول ستريت ليست كما كانت قبل وقوع الكارثة في العام الماضي («نيويورك تايمز»)
TT

بالنسبة لمصرف «باركليز» وشركة «نومورا» للأوراق المالية اليابانية كان انهيار مصرف «ليمان براذرز» الأميركي فرصة العمر.. فرصة لاحتلال مقعد على الطاولة الرئيسية للقطاع المصرفي مع انهيار عمالقة وول ستريت.

وبعد عام من عمليات الاستحواذ التي جرت بسرعة كبيرة يشعر «باركليز» البريطاني بالثقة في أنه يمضي قدما صوب تحقيق طموحاته بعدما حصل على موطئ قدم في أسواق الأسهم والدمج والاستحواذ الأميركية وقد عزز «ليمان» أرباح «باركليز» بالفعل.

في المقابل ما زالت «نومورا» اليابانية ـ وهي شركة وساطة تتبنى نهجا متحفظا، قدمت عرضا منفصلا لشراء «ليمان» في إطار مساعيها للتحول إلى بنك استثمار عالمي ـ تواجه معوقات بسبب ضعف وزنها في الولايات المتحدة وتقول مصادر مطلعة إن اختلاف ثقافة العمل يمثل عبئا على الشركة.

وقال جيري ديل ميسيير رئيس «باركليز كابيتال» لـ«رويترز»: «أدركنا أننا بصدد عبور خط وأننا لن نكون قادرين أبدا على العودة إلى الوراء»، متحدثا عن مفاوضات محمومة، بينما كان المسؤولون السابقون يجمعون متعلقاتهم في ظل تغطية واسعة من جانب وسائل الإعلام.

وكانت السرعة عاملا حاسما لكل من البنكين وخصوصا من أجل الاحتفاظ بالكفاءات والاتصالات مع العملاء في الأعمال التي قاما بشرائها.

وبعدما فشل في شراء «ليمان» بالكامل استحوذ «باركليز» بعد ذلك بأيام على أنشطة الوساطة والتداول الأساسية للبنك في الولايات المتحدة التي كانت تحت حماية الفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس. ثم اشترت «نومورا» أنشطة «ليمان» الأوروبية والآسيوية في الأسبوع التالي.

وبعد أسبوع من الاستحواذ الذي قام به «باركليز» في خضم أسوأ اضطرابات بالسوق منذ عقود، عين البنك إدارته العليا. بينما أكمل «نومورا» دمج الهيكل الجديد في غضون 70 يوما وهي مدة أقل بكثير من هدف المائة يوم الذي حدده لذلك.

وقال ديل ميسيير في مقابلة «أردنا أن نبعث برسالة قوية إلى السوق مفادها أننا سنعيد أنشطة ليمان إلى العمل.. كان لدينا عملاء نهتم بهم.. كنا بحاجة إلى إدارة المراكز المحفوفة بالمخاطر لدينا.. وكانت الأجواء شديدة الاضطراب».

وامتنعت «نومورا» عن الإدلاء بتصريحات لهذا التحقيق.

وسمحت أنشطة «ليمان براذرز» الأساسية لـ«باركليز» بالتحول من مجرد بنك للإقراض يحظى بالاحترام إلى بنك استثمار شامل حيث أضاف إلى أنشطته أعمال ترتيب إصدار الأسهم واستشارات عمليات الاندماج والاستحواذ.

وكانت أنشطة «ليمان» في مجال الأسهم الأميركية عاملا رئيسيا في الصفقة إذ إن قنوات البيع في الولايات المتحدة هي الأكبر والأكثر أهمية لأي جهة تبيع أو ترتب إصدار أسهم.

وثبت أنها كانت فرصة مجزية إذ ساهمت في مضاعفة الأرباح قبل خصم الضرائب من أعمال «باركليز» في الاستثمار المصرفي في الشهور الستة الأولى من العام.

وقال المحلل مايك تريبيت من «أوريل» للأوراق المالية: «مع ليمان كنت كمن لديه سفينة تبحر بكفاءة عالية للغاية لكن شيئا واحدا محددا أغرقها. سائر الأعمال في الولايات المتحدة ما زالت نشطة.. ما حصل عليه باركليز بالفعل هو أنشطة كان 80 في المائة منها مفعما بالنشاط».

ومن بين التحديات التي تواجه «باركليز» الارتقاء بين مصاف بنوك الاستثمار مع تزايد عدد البنوك المتنافسة على عدد أقل من الصفقات.

ومنذ إبرام الصفقة صعد «باركليز» إلى المرتبة الثانية في أسواق أدوات الدين ـ بعد أن كان في المرتبة الثالثة ـ غير أنه لا يزال بحسب بيانات لطومسون رويترز في مرتبة أقل من التي كان يحتلها «ليمان» في سوق رأس المال المساهم وسوق الاندماجات والاستحواذات العالميتين.

وكان النجاح أكثر تواضعا بالنسبة لـ«نومورا». ففي الوقت الذي أظهرت فيه ميادين مثل أعمالها الاستشارية في اليابان والخاصة بالاندماجات والاستحواذات والسندات القابلة للتحويل إلى أسهم بعض القوة إلا أن «نومورا» عانت مبكرا من تكاليف مرتبطة بصفقة «ليمان».

وقال أزوما أونو المحلل لدى كريدي سويس «بالنظر إلى النتائج المالية لنومورا في الربع الأول نجد أنها تمكنت فقط من جني بعض الثمار من الاستحواذ على أعمال ليمان. بالنسبة لي يبدو أنهم أظهروا قدرتهم على تحقيق أرقام جيدة للغاية في أجواء مالية جيدة.. لكنها لم تكن جيدة بدرجة كبيرة».

وصعدت سوق الأسهم الآسيوية في الشهور الأولى من العام إذ قفزت الأسهم في الصين وحدها أكثر من 80 في المائة في مطلع أغسطس (آب).

ودخل البنك الياباني سريعا في تحد ليست له علاقة تذكر بالسرعة أو التنفيذ. فقد ثبت أن الاستحواذ على شركة وساطة أميركية شغوفة بالمخاطرة مهمة شاقة.

وفي الوقت الذي جرى فيه اتخاذ خطوات مثل إبرام عقود على الطراز الغربي بهدف الحد من الاختلافات الثقافية فإن مواطن خلاف ما زالت تظهر.

ونشرت الصحافة الأميركية قصصا لمتعاملين يتغنون باسم الشركة أو عن دروس بشأن كيفية تقديم الشاي على الطريقة اليابانية التقليدية.

وقال مصرفي في «نومورا» طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث لوسائل الإعلام بشأن الاتفاق «ما زالت هناك انقسامات داخلية لن تنتهي بسهولة. إنها عقلية نحن في مقابل هم وهذا مخز». وأضاف أن تبادل شبكات العملاء مشكلة مستمرة.

وللحفاظ على موظفي «ليمان» المصرفيين خلال الاضطرابات عرضت «نومورا» على كثيرين منهم ضمانات لعام وعامين بناء على مكافآتهم في 2007. وكان السداد الكامل لمكافآت العام الماضي مستحقا في أول سبتمبر (أيلول) مما أثار تكهنات بجولة أخرى من رحيل العاملين في «ليمان» قريبا.

ودافعت «نومورا» عن توقيت شراء أعمال ليمان وأظهرت أنها ما زالت مستعدة للتوظيف حتى قبل انتعاش الأسواق.

وقفز عدد موظفي «نومورا» في أوروبا من 1500 إلى 4400 بعد الاستحواذ على أعمال «ليمان» ووظفت الشركة 521 آخرين في أوروبا منذ يناير (كانون الثاني) من بينهم ثمانية فرق بحثية من الدرجة الأولى. وقال مسؤول تنفيذي سابق في «ليمان» «الأمر اللافت للنظر بشدة هو أنه قبل نحو 18 شهرا لم يكن أحد من غولدمان أو ميريل يرغب في العمل في نومورا. أما الآن فهم يرون فرصة لعمل شيء».

غير أن مصرفيي «ليمان» ما زالوا يشعرون أن تمثيلهم ضعيف في الإدارة العليا لـ«نومورا» وهو شعور تزايد عندما قال جيسي باتال الرئيس التنفيذي السابق لعمليات «ليمان» في آسيا والمحيط الهادي هذا الصيف أنه سيترك منصبه في نهاية العام.

غير أن تقدما بدأ يظهر. فقد عوضت نتائج «نومورا» في الربع الأول من العام الحالي تراجعا على مدى عام ونصف كما جرى التعاون بين فرق مختلفة.

وقال المصرفي الذي يعمل في «نومورا» «فريق أسواق رأس المال وقسم المبيعات عمل جيد.. فيما يتعلق بالتوزيع. كان هذا بالفعل نجاحا مذهلا. في عدد من القطاعات نتمتع بمراكز جيدة. يبدو أننا نضيع بعض الفرص.. أقول بوجه عام إنه ما زال عملا قيد التطوير».

وحتى إذا كانت صفقة «باركليز» قد حققت نجاحا أكبر فإن البنك البريطاني ما زال أمامه الكثير الذي يتعين عمله لا سيما فيما يتعلق بالنمو في آسيا وأوروبا وتحقيق طموحاته باحتلال مركز بارز في أسواق الاستثمار في الأسهم وأنشطة الدمج والاستحواذ.

وقد استفاد من دوره كمستشار لـ«فايزر» في عملية استحواذها على «ويث» في صفقة حجمها 68 مليار دولار غير أن «باركليز» يحتل حاليا المرتبة الحادية عشرة في سوق الدمج والاستحواذ العالمية وهي مرتبة أقل من موقع «ليمان» القديم حيث كان يحتل المرتبة التاسعة.

وقال ديل ميسيير رئيس «باركليز كابيتال» لـ«رويترز»: «لم ننشط بعد في أوروبا وآسيا.. وخاصة في أوروبا التي ستؤثر في الترتيب العالمي «إنني على ثقة من أنكم ستلحظون النتائج عما قريب».

وفي برلين أبلغ رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس مجلة ألمانية أن الأزمة الاقتصادية العالمية ستستمر وأنه يجب بذل المزيد لتطبيق لوائح سوق المال.

ونقل عن ستراوس قوله في ملخص لمقابلة تنشرها «دير شبيجل» اليوم الأحد «إن الأزمة الاقتصادية العالمية ستستمر حتى إذا كانت ألمانيا وفرنسا قد حققتا بعض الأرقام الجيدة في الربع الثاني من العام».

وقال ستراوس إنه يريد مزيدا من الإجراءات من جانب الدول لكبح أجور المصرفيين وتشديد المتطلبات الرأسمالية في القطاع المصرفي.

وأضاف: «يصح أن نقول إن ما حدث لا يكفي ـ على صعيد لوائح البنوك ـ آمل أن يجلب اجتماع مجموعة العشرين في بيتسبرغ زخما جديدا».

ويعقد قادة دول المجموعة اجتماعا في وقت لاحق هذا الشهر لمحاولة الاتفاق على إجراءات للمساعدة على منع تكرار الأزمة المالية.

وقال ستراوس إن الدرس المستفاد من الأزمة المالية هو حاجة اقتصاد السوق إلى قواعد لكي تعمل بنجاح.

وقال: «بدون قواعد جديدة سيعود السلوك القديم».

وقال إن على الدول وضع «استراتيجيات للخروج» من برامج التحفيز التي استحدثت لتعزيز الاقتصاد، لكنه أضاف أن من الخطر التفكير بأن الأزمة انتهت بالفعل. وقال: «نحتاج إلى استراتيجيات الخروج هذه. نعمل على وضعها لكني أرفض أي طلب للتفكير في تطبيقها الآن».

وقال ردا على سؤال بشأن الطريقة التي ستسحب بها السيولة التي ضخت في الأسواق إن مزيجا من أسعار الفائدة المرتفعة وإنهاء التدخل المباشر للبنوك المركزية سيكون ضروريا.

وأضاف أن لدى صندوق النقد الدولي موارد كافية في الوقت الحالي لكن إذا كان له أن يضطلع بمسؤوليات إضافية لتنسيق شبكة أمان مالية للدول التي تمر بصعوبات مالية فانه سيكون بحاجة إلى دعم مالي جديد.

* الفائزون والغنائم.. سجل ما بعد انهيار «ليمان براذرز »

* في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي تدخلت الحكومة الاميركية واعلنت استحواذها على شركتين تقدمان القروض العقارية هما «فاني ماي» و«فريدي ماك». وبعدها اعلن مصرف ليمان براذرز طلب حمايته من الافلاس، مما ادى الى حالة من الذعر الاقتصادي والمالي في جميع انحاء العالم. وعقب ذلك بفترة بسيطة قدم مجلس الاحتياط الاميركي (المصرف المركزي) 85 مليار دولار مقابل الحصول على 80 في المائة في المجموعة الدولية الاميركية وهي واحدة من اكبر شركات التأمين في العالم.

وتوالت الاحداث في بداية الازمة الاقتصادية التي اجتاحت جميع انحاء العالم وتدخلت ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش وقدمت خطة قيمتها 700 مليار دولار لدعم استقرار اسواق المال.

من هو الفائز وما هي الغنائم الناجمة عن انهيار ليمان براذرز؟ مصرف باركليز البريطاني الذي اشترى قطاعات كبيرة من المصرف الاميركي تحول من مجرد مصرف للاقراض الي بنك استثماري شامل يحتل المرتبة الحادية عشرة. اما شركة نومورا للوساطة اليابانية التي اشترت هي الاخرى ما تبقى من ليمان براذرز فتواجه مشكلة من نوع اخر وهي اختلاف الثقافة.

التقرير الذي اعدته صحيفة «نيويورك تايمز» يشير الى ان الهيئات التنظيمية بذلت جهدا كبيرا لإنقاذ القطاع المالي ولكنها لم تبذل جهدا لتغيير الاوضاع التي ادت للكارثة المالية.