تقرير: توجه عالمي لصناديق الأسواق الناشئة المسعرة بالدولار مع تخطي الأزمة المالية

«بيكتيه» السويسري قال إنها نجحت في اجتياز الامتحان الذي فرضته الهزة المالية العالمية

TT

أظهر تقرير مصرف عالمي توجه المؤسسات المالية نحو صناديق الأسواق الناشئة المسعرة بالدولار، مع تزايد التوقعات بتخطيها الكلي للأزمة المالية العالمية، مشيرا إلى أن ذلك يأتي مقابل محاولات الأسواق الناشئة لاستعادة ما فقدته خلال الأزمة من سيولة تقدر قيمتها بـ500 مليار دولار.

وأوضح بنك «بيكتيه» السويسري أن أصول الأسواق الناشئة تحملت الوطأة الكاملة لانكماش السيولة الذي رافق الخطة العالمية للوصول إلى بر الأمان، والتي اقتضت انسحابا واسع النطاق من كل فئات الأصول التي تنطوي على مستوى عال من المخاطرة.

ويتوقع البنك في تقرير حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة حصرية منه أن وضع الاستثمار في ديون الأسواق الناشئة المسعرة بالدولار الأميركي يبقى قويا، وأن هذه الفئة من الأصول لا تزال تنطوي على قيمة حقيقية وآمنة.

ويؤكد التقرير أن الوضع حاليا يشهد موجة مد جديدة مع تجدد شهية المستثمرين للإقدام على المخاطرة، الأمر الذي أدى إلى تركز التدفقات النقدية خلال النصف الأول من عام 2009 على صناديق الأسواق الناشئة المسعرة بالدولار الأميركي.

واستدل التقرير بالأرقام التي أصدرها مصرف «إتش إس بي سي» على أن الأسبوع الأخير من شهر يوليو (تموز) وحده قد شهد تدفق سيولة إجمالية بقيمة 462 مليون دولار إلى صناديق السندات في الأسواق الناشئة، بينما كان ما قيمته 500 مليار دولار قد غادر الأسواق الناشئة خلال الفترة الواقعة بين سبتمبر (أيلول) من عام 2008 وحتى مارس (آذار) 2009، وهو ما يعادل نصف صافي التدفقات النقدية للسنوات الخمس والنصف سنة الماضية.

وشابهت توقعات التقرير تقديرات «جي بي مورغان» المالية، حيث يرى أن الأسواق الناشئة لسندات الدين بالدولار الأميركي قد سجلت ارتفاعا بنسبة 20 في المائة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، مقارنة بعائد قيمته ـ 4 في المائة لسندات الحكومة الأميركية.

واستشهد التقرير بما آلت إليه اجتماعات أعضاء اجتماع قمة العشرين في أبريل (نيسان) الماضي، من ضرورة الدعم الكبير للأسواق الناشئة عبر زيادة موارد صندوق النقد الدولي من 250 مليار دولار إلى ما يقارب تريليون دولار لصالح هيئة صناديق جديدة، بالإضافة إلى استحداث حقوق السحب الخاصة، مما أسهم في أن تعادل قيمتها 4 أضعاف القيمة السوقية لمؤشر الدين بالدولار الأميركي للأسواق الناشئة، وهو ما يمثل إشارة واضحة إلى أن بلدان الأسواق الناشئة تعتبر عاملا جوهريا لسلامة الاقتصاد العالمي.

وبحسب التقرير فإن بعض الأسواق الناشئة كشفت عن بوادر تحسن ملحوظ، ارتفعت خلالها مستويات الطلب والتصدير المحلية على نحو مفاجئ في النصف الأول من العام الحالي، وبدت علامات التعافي التي لاحت أوائل عام 2009 مبشرة.

وأفاد بأن الانتعاش الأخير الذي شهده النشاط الاقتصادي للصين ساهم في تحقيق تحسن كبير في أسعار السلع، مما ساعد في تحسين موازين الحسابات الجارية لبعض الاقتصادات الناشئة المصدرة لسلع معينة، لا سيما في منطقة أميركا اللاتينية.

ولفت التقرير إلى أن أسواق الدين الناشئة ستواصل الاستفادة من آلية إيجابية للعرض والطلب، حيث إن ذلك من شأنه أن يوفر الدعم لأسعار الأصول، مشيرا إلى أن صناديق التقاعد المحلية عززت حضورها في أسواق الدين المسعرة بالعملة المحلية والدولار الأميركي، حيث تجاوز الطلب المتزايد عليها حتى الآن مستويات العرض الجديدة في الأسواق. ويرى التقرير أن أداء أسواق الدين الناشئة سيبقى مرتبطا ببيئة المخاطر العالمية، وسط احتمالية أن تشهد بعض التصحيح عندما تتضاءل قوى التعافي، إضافة إلى أن الوفرة النسبية التي ترافقت مع معطيات اقتصادية أفضل على المدى القريب تلزم توخي الحذر مع الأداء القوي للكثير من فئات الأصول عالية المخاطر منذ بداية مارس (آذار)، رغم ثمة مؤشرات على أن هذا التحسن قد يقترب من نهايته.

ولكن التقرير يعود للتأكيد أنه إذا ما استمرت البيئة العالمية للاقتصاد الكلي في أدائها المشجع، فإن توقعاته ستميل إلى أن تحافظ أسواق الدين الناشئة على مسارها التصاعدي خلال الأزمة الأخيرة.

وأعاد التقرير تفوق ديون الأسواق الناشئة المسعرة بالدولار الأميركي على أسواق الخزينة الأميركية قد يعود إلى مستويات ما قبل الأزمة؛ معتقدا أن بعض أسواق السندات الناشئة لا تزال توفر قيمة جيدة لمستثمريها في المدى المتوسط، فضلا عن مزايا التنويع المستمرة.

وخلص التقرير إلى أن ديون الأسواق الناشئة المسعرة بالدولار الأميركي قد نجحت في اجتياز الامتحان الذي فرضته الأزمة المالية، مما يجعلها تميل إلى توقع أن تتقلص علاوات المخاطر المستقبلية مع تنامي ثقة المستثمرين. يذكر أنه منذ الانهيارات التي تعرضت لها العملة نتيجة التضخم في دول أميركا اللاتينية خلال الفترة من 1980وحتى 1990، ولاحقا الأزمة المالية الآسيوية في أواخر التسعينات، تبنت الدول الناشئة إلى حد كبير سياسة مالية ونقدية أكثر استدامة ساهمت في تحسين الموازين التجارية، وخفض مستويات الدين الشخصي والحكومي، والتشبث بسياسات اقتصادية أكثر تشددا أدت في نهاية المطاف إلى تعزيز الثقة بالإدارة المالية لهذه الاقتصادات.