الذهب يبلغ مستويات تاريخية.. وتساؤلات حول مدى استمرار موجة صعوده

اندفعت أسعاره إلى أعلى مستوى في 18 شهرا وقاربت 1024 دولارا

ارتفعت أسعار الذهب بدعم من موجة ضعف الدولار ومخاوف التضخم (أ.ف.ب)
TT

تقترب أسعار النفط من مستويات قياسية مرتفعة لكن بينما يحتفل مستثمرو المعدن الأصفر يبدو أن الصعود لا يخلو من تصدعات.

واندفعت الأسعار إلى أعلى مستوى في 18 شهرا عندما سجلت 1023.85 دولار ـ مما يفتح الباب إلى مستويات قياسية عند 1030.80 دولار ـ مدعومة بموجة من ضعف الدولار ومخاوف التضخم وزخم عوامل فنية.

لكن في فورة النشاط توجد بعض الجوانب التي لا تنسجم مع استعراض المراهنة على ارتفاع الأسعار، مثل وجود مراكز دائنة أكبر من اللازم في سوق نيويورك للعقود الآجلة، وضعف استثمارات السوق الحاضرة وخفوت حركة الذهب عند حسابها بعملات أخرى غير الدولار.

ويقول جون ريد، محلل المعادن لدى يو.بي.اس في لندن، «لا أراهن على انخفاض سعر الذهب لكن هذا (الارتفاع) مضى بعيدا أسرع من اللازم. لا أعتقد أن كل المكونات متوافرة لكي تكون هذه موجة صعود قابلة للاستمرار». وفي ظاهر الأمر يبدو الاستثمار في الذهب شديد الإغراء من أكثر من وجه في الأجل الطويل.

فمن المتوقع تراجع الدولار بدرجة أكبر مما يجعل الذهب المقوم بالعملة الأميركية أرخص للمستثمرين غير الأميركيين، ويزيد جاذبيته كاستثمار بديل.

وقد توصلت البنوك المركزية الرئيسية في أوروبا إلى اتفاق ثالث للحد من مبيعات المعدن في حين رفعت الصين بالفعل مخزونها منه نحو 75 في المائة.

كما أن من يحسبون حساب تضخم محتمل يتوقعه الكثيرون مع سعي اقتصادات رئيسية إلى الانسحاب من الإنفاق التحفيزي وأسعار الفائدة القريبة من الصفر يقبلون على المعدن الأصفر كأداة تحوط.

وجاء معظم الصعود مدفوعا بتدفقات كبيرة على سوق كومكس الأميركية لعقود الذهب مع تكوين المستثمرين والمضاربين لمراكز دائنة تتزايد باطراد، الأمر الذي يعرض السعر لخطر تراجعات سريعة وحادة.

وأظهر أحدث تقرير أسبوعي لالتزامات المتعاملين نشرته لجنة تداول عقود السلع ارتفاع صافي المراكز الدائنة إلى مستوى ضخم بلغ 224 ألفا و676 في الثامن من سبتمبر (أيلول) مقارنة مع 184 ألفا و501 قبل أسبوع.

ويبدو أن تكوين المراكز سيزيد لكن كلما طال زادت المخاطر.

ويقول رونالد ليونغ، مدير لي تشيونغ جولد ديلرز في هونغ كونغ «الجميع يقول المراكز الدائنة في السوق أكبر مما ينبغي لكن لا أحد يريد أن يبيع. هناك مال كثير جدا في العالم مع انتهاج البنوك المركزية لسياسة نقدية ميسرة ومع قيام الصناديق بدفع الأسعار صعودا بالمال. يرون أنه يسهل التلاعب بسوق الذهب، مثل ناد للقمار». لكن التدفقات على الصناديق المتداولة التي كانت الطرف المستفيد من موجة شراء الذهب في وقت سابق هذا العام لا تجاري مكاسب السعر في الآونة الأخيرة، كما أن الطلب الحاضر من قطاع الحلي أصبح فاترا.

أما التدفقات على الصناديق المتداولة المعززة بالذهب فقد تحسنت قليلا بعد استقرارها على مدى شهور الصيف لكنها لا تزال أقل بكثير من مستويات الربع الأول من العام.

وعلى صعيد العملات تراجع الدولار إلى أدنى مستوى في عام مقابل سلة عملات رئيسية في حين يبدو اليورو بصدد تسجيل 1.50 دولار.

ونتيجة للعلاقة العكسية بينهما يرتفع الذهب مع تراجع الدولار لكن البعض يقول إن هذا لا يعني بالضرورة ظروفا مثالية للمعدن.

ويقول شون كوريغان، مدير الاستثمار لدى دياباسون لإدارة السلع الأولية في سويسرا، «هذه ليست سوق مضاربة على ارتفاع أسعار الذهب، إنها سوق مضاربة على تراجع أسعار العملات الورقية وفي مقدمتها الدولار». كما أن نظرة على الذهب المقوم بعملات غير الدولار تظهر نمطا غير تقليدي حيث لا تتكرر موجة الصعود الحالية.

فالذهب المسعر بالجنيه الإسترليني على سبيل المثال عند أعلى مستوياته منذ أبريل (نيسان) فحسب في حين يجد المعدن صعوبة في العودة إلى أعلى مستوياته في شهرين بالدولار الأسترالي وهو من عملات تسعير السلع الأولية.

والحلقة المفقودة الأخرى في المكاسب القوية الحالية هي الخوف الذي عادة ما يهيمن على السوق عندما تكون الأسعار في ارتفاع.

وقال يوجين فاينبرغ محلل السلع الأولية في كومرتسبنك، «لا يوجد خوف حقيقي وهو ما كان سيدعم الذهب في الأجل المتوسط. السوق لم يعد يساورها القلق بشأن الاقتصاد أو سلامة النظام المالي وأعتقد أن هذا لن يستمر». كانت المرة السابقة التي يخترق فيها الذهب حاجز الألف دولار المهم نفسيا ويسجل مستوى قياسيا مرتفعا في مارس (آذار) 2008 وهو ما تزامن مع انهيار بير ستيرنز ثم بيعه الاضطراري إلى جيه.بي مورغان.

وبإعادة النظر إلى الأزمة المالية يشير مايك لينوف كبير المحللين لدى بروين دولفين إلى أنه في كل مرة يرتفع الذهب في أجواء أزمة فإنه يعاود التراجع سريعا.

وقال «لا أعتقد أن الذهب سيمضي إلى أبعد كثيرا مما وصل إليه بالفعل. كانت لديه فرصة التحليق في ظل أضخم اضطراب مالي على الإطلاق ولم يفعل».