إسبانيا.. الأسوأ أوروبيا في مواجهة الأزمة الأقتصادية

الفقاعة العقارية أثرت على كافة القطاعات الاقتصادية

TT

تأثرت كافة دول العالم بأزمة الائتمان ولكن بقدر متفاوت، وتعد إسبانيا من أقل دول الاتحاد الأوروبي قدرة على تجاوز الأزمة.

وكان مفوض الشؤون الاقتصادية للاتحاد الأوروبي جواكين ألمونيا قد طالب إسبانيا خلال الأسبوع الحالي بتغيير بنيتها المالية وبنية الوظائف بها إذا كانت راغبة في تجاوز تلك الأزمة سريعا، مؤكدا أنه على الرغم من أن أزمة الائتمان في إسبانيا «أقل عمقا فإنها سوف تستمر لمدة أطول».

ولم يكن الاتحاد الأوروبي وحده المطالب بإحداث تغييرات في سوق العمل، فقد طالب رئيس البنك الإسباني ميغيل أنجيل أوردونيز كذلك خلال الأسبوع الحالي بإجراء إصلاحات في سوق العمل نظرا لافتقاره إلى المرونة الكافية والمطلوبة لاسترداد مستوى معقول من العمالة، بالإضافة إلى إصلاح القطاع المالي لكي يصبح أكثر شفافية، وهو الشيء نفسه الذي طالبت به الكثير من القطاعات في بلدان مختلفة من العالم.

وتعد عملية الإصلاح في إسبانيا عملية جوهرية، حيث قال جواكين ألمونيا إن أولى مشكلات إسبانيا هي البطالة نظرا ـ لأنها تتجاوز المتوسط الأوروبي ـ بالإضافة إلى القضاء على الوظائف نتيجة لـ«اعتماد النشاط الاقتصادي، والموارد المالية على قطاع له أساس هش مثل قطاع البناء».

ومع ذلك، فهناك عوامل أخرى ساهمت في إضعاف الاقتصاد في إسبانيا وهي كما يذكرها التقرير الأوروبي حول الوضع الاقتصادي الراهن في الاتحاد الأوروبي: «وجود خلل بالتوازنات الهيكلية مثل ارتفاع الدين المحلي، أزمة الائتمان في العقارات، بالإضافة إلى البطالة». وبناء على ذلك توقع ألمونيا أن: «تتخطى معظم البلدان الأوروبية المعدلات السلبية خلال العام الحالي، بينما تستمر معدلات إسبانيا في الانخفاض خلال الربع الثالث والرابع من 2009»، خاصة في ظل المعدلات السلبية في الوظائف وانتقال الشركات خارج الحدود.

وتثير التوقعات المتعلقة بإجمالي الناتج المحلي الإسباني قلق الاتحاد الأوروبي، فوفقا للتقرير، سوف يستمر الناتج المحلي الإسباني في الانخفاض حتى يصل إلى 3.7 في المائة خلال العام الحالي، وهو الأسوأ منذ ركود عام 1945. فقد خسرت إسبانيا حتى الآن 115 ألف مشروعا و1.3 مليون موظف، بل وتشير آخر البيانات التي نشرت حول البطالة إلى وجود نحو 3629080 عاطلا عن العمل حاليا في إسبانيا، ويتزايد هذا العدد شهريا بمعدل 2.4 في المائة.

وقد أبدت الحكومة الإسبانية التي كانت قد أعلنت عن خطة اقتصادية جديدة لزيادة الضرائب، والتحكم في الدين العام استياءها من هذه التوقعات في الوقت الذي لا يعد فيه الظرف الاقتصادي مناسبا لتلك الإجراءات. وقد أصرت الحكومة الإسبانية على ضرورة تلك الإجراءات نظرا لأنها لا ترغب في زيادة الدين العام، على الرغم من أنها لم تقرر بعد نوع الضرائب التي سوف ترفعها.

وفعليا، تظهر الحكومة عجزا عن تحقيق نتائج إيجابية في كبرى المشكلات التي تواجهها، وهي مشكلة البطالة، ففي دولة تعتمد بشكل أساسي على صناعة البناء، أثرت الفقاعة العقارية على كافة القطاعات الاقتصادية، حيث تأثرت القطاعات الصناعية الأخرى، وقطاعات الخدمات (مثل السياحة، والبنوك...) وهو ما ترتب عليه المزيد من تسريح الموظفين.

ويشير الاقتصادي البازر إميليو أونتيفروس إلى أنه لكي تستطيع إسبانيا تجاوز الأزمة سيكون عليها «تعزيز الإصلاح مما يسمح بإعادة توظيف العمال الذين تم تسريحهم من أعمالهم، بالإضافة إلى عصرنة الاقتصاد وتنويعه»، وذلك على الرغم من إقراره بأن العجز العام سوف يرتفع ليصل إلى 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ولكي تستطيع الدولة أن تحقق ذلك سياسيا، سيكون عليها عقد اتفاق مع المعارضة، ولكن الدولة تعاني حاليا من الانقسام ومن غير المتوقع أن تتلقى أي مساعدات.

ومن جهة أخرى، أكد الاقتصادي على أن هذه الأزمة جعلت الحكومات الأجنبية والبنوك يعملون معا ويتخذون إجراءات مشددة ويتدخلون في العالم المالي وعيا بالحاجة إلى وضع ضوابط دولية. وفي الحقيقة، لا تتعلق مشكلة النظام البنكي بإسبانيا فقط، فسوف يطالب رؤساء الدول الأوروبية بتغيير القانون المالي في قمة العشرين التي سوف تعقد في 21، 22 من الشهر الحالي في بتسبورغ لتدعيم آليات الإشراف على الأسواق المالية، والرواتب التي يتقاضاها التنفيذيون بالبنوك. وبالطبع فإن التوصل لاتفاق حول الانفتاح صوب هذه التغير ليس بالأمر السهل. فيبدو أن قمة العشرين ربما تتوصل إلى حل يمنحها المزيد من السيطرة على البنوك ولكنه لن يكون كافيا للتخلص من فساد النظام.

ومن جهة أخرى، فإن أزمة البنوك أخف وطأة في إسبانيا عن غيرها من البلدان نظرا لأن قانون بورصة الأوراق المالية أكثر تشددا من بقية دول الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فقد أدى ارتفاع معدل البطالة إلى زيادة عدد المتخلفين عن سداد الرهون، كما زاد من عدد الأعمال التي توقفت، وهو ما أثر على المساواة بين البنوك الإسبانية. والغريب في الأمر، أن إسبانيا سوف تحصل على رئاسة الاتحاد الأوروبي في يناير (كانون الثاني) القادم. وبالتالي سيكون على الحكومة الإسبانية أن تعمل على تجاوز هذه الأزمة في ستة أشهر، وتجد حلولا ليس فقط لنفسها بل لكافة الدول الأوروبية. ووفقا لأمونيا فستكون «هذه الفترة مهمة للغاية» وذلك على الرغم من أنه قال «في هذه اللحظة، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي استبدال الولايات المتحدة كمحرك للنمو في العالم».

* صحافية من «الموندو» الاسبانية متعاونة مع «الشرق الأوسط»