وادي السليكون يحذر: صناعة السيارات الأميركية فقدت روح المغامرة

موجة الإبداع القادمة ستأتي من قطاع الإلكترونيات

سيارة (تاتا نانو) الهندية ستغير سلسلة التوريد بالكامل (رويترز)
TT

من قاعات نقابات العمال إلى غرف مجالس الإدارات يسود في ديترويت (مقر صناعة السيارات الأميركية) اعتقاد بأن مليارات الدولارات من الاستثمارات والقروض الاتحادية أنقذت صناعة السيارات الأميركية من الانهيار.

لكن إذا ما توجهت إلى وادي السليكون، معقل صناعة الإلكترونيات، تسمع وجهة نظر شديدة الاختلاف وأشد قتامة بكثير من بعض أبرز مستثمري المشاريع الجديدة في العالم.

إنهم يحذرون من أن صناعة السيارات الأميركية لا تزال متشبثة أكثر من اللازم بنموذج أعمال منقرض، وبعيدة كل البعد عن مصادر الابتكار بشكل لا يسمح لها بالعودة إلى المنافسة.

وهم يتطلعون بدلا من ذلك إلى مجموعة جديدة من الشركات الناشئة لكي تقفز إلى الشهرة والربحية، وليطغى بريقها على صناع السيارات الذين كان يطلق عليهم يوما لقب «الثلاثة الكبار» تماما كما جاءت «غوغل» من بداية متواضعة لتتفوق على شركات تكنولوجيا راسخة.

ويقول راي لين، الشريك المنتدب لدى «كلاينر بركنز كوفيلد آند بايرز»: «لا أعتقد أن صناعة السيارات الأميركية قادرة على المنافسة.. لا أرى أيا من شركات السيارات الجديدة هذه في ديترويت».

وقال لين، الذي يدعم شركة صناعة السيارات الهجينة «فيسكر أوتوموتيف» التي تعتزم إطلاق طراز بسعر 39 ألف دولار، إن «ديترويت» فقدت روح المخاطرة.

وقال «لسنوات يقودهم محاسبون ومحامون لا مهندسون ومستثمرون.. هذا مقبول لو أن الصناعة لا تتغير».

فما الذي ينبغي على صناع السيارات الأميركيين الثلاثة القيام به كي يستردوا موقعهم المهيمن في السوق؟.. «البدء من جديد» هكذا يقول مارك فان دين برغ، العضو المنتدب لشركة «فانتدج بوينت فنشر بارتنرز» التي تدعم شركة صناعة السيارات الكهربائية الفاخرة «تسلا موتورز» وشركة البنية التحتية للسيارات الكهربائية «بتر بليس».

وأوضحت وكالة «رويترز» للأنباء أن صناعة السيارات الأميركية تعرضت لضربات عنيفة من جراء ارتفاع التكاليف وانحدار المبيعات في العام الأخير. وحتى بعدما ساعدت حوافز اتحادية بثلاثة مليارات دولار لتشجيع المستهلكين على شراء سيارات جديدة في استقرار السوق على مدى الشهور الأخيرة فإن المبيعات الإجمالية لا تزال منخفضة 28 في المائة.

وأشهر إفلاس «جنرال موتورز» و«كرايسلر» تحت إشراف حكومي، وأعيدت هيكلة الشركتين بتمويل اتحادي قدره 60 مليار دولار. وحتى «فورد موتور» التي تجنبت الإفلاس تعول على الدعم الحكومي في ميادين أخرى، مثل قروض ميسرة بنحو ستة مليارات دولار لإعادة تجهيز مصانع قديمة.

ويقول مستثمرو المشروعات التي تكتنفها المخاطر في وادي السليكون إن سبيل النجاح الوحيد هو إصلاح شامل لنموذج الأعمال، بحيث يذهب صناع السيارات إلى ما هو أبعد من مجرد تصميم سيارات جذابة.

ويقول فينود خوسلا، الشريك المنتدب لدى «خوسلا فنشرز»: «يوجد مجال للابتكار في نموذج الأعمال وفي التكنولوجيا».

وأضاف أن على صناع السيارات الأميركيين اعتناق الإبداع على كل المستويات، وضرب مثلا بشركة «بتر بليس» التي تبني البنية التحتية للشحن ومحطات تبديل البطاريات للسيارات التي تعمل بالكهرباء.

وقال خوسلا «(بتر بليس) تقول لا تدعوا المستهلك يشتري البطاريات.. هذا ابتكار في نموذج الأعمال. «هناك الكثير من هذه الابتكارات الممكنة».

ويراهن ممولو وادي السليكون كثيرا على قطاع النقل، ويتطلعون إلى إطلاق لموجة لتالية من الابتكار في صناعة السيارات. ويدعم فينود خوسلا، وهو أحد مؤسسي «صن ميكروسيستمز»، عددا من منتجي الوقود الحيوي مثل شركة «كوسكاتا».

وتضع شركته السابقة «كلاينر بركنز»، وهي صندوق استثمار سبق أن دعم أسماء أصبحت علامات بارزة اليوم مثل «غوغل» ومتجر التجزئة عبر الإنترنت أمازون، أنظارها على قطاع التكنولوجيا الخضراء باستثمارات في شركات مثل «فيسكر» وصانع خلايا الوقود «بلوم ـ إنرجي».

ويقول لين من «كلاينر بركنز» إن كلا من «غوغل» و«أمازون» كانت أكثر نجاحا بشكل مدهش بفضل نموذج أعمالها الفريد لا التكنولوجيا.

وقال «(أمازون) هي ابتكار في نموذج الأعمال لا التكنولوجيا.. طورت (غوغل) تكنولوجيا أنيقة لكن هناك عشرة آخرين كانت لديهم التكنولوجيا». وقال لين «الابتكار في نموذج الأعمال هو الذي صنع القيمة في (غوغل)».

ويقول راج أتلورو، العضو المنتدب لشركة «درابر فيشر جورفتسون» وهي أيضا صندوق للمشاريع عالية المخاطر في وادي السليكون، إن شركات صناعة السيارات الكبيرة ستستمر، لكن أسماء جديدة ستقود التغيير في الصناعة.

وقال أتلورو «(تاتا نانو) ستغير سلسلة التوريد بالكامل.. (شيري) تحولت من شركة سيارات ناشئة إلى تحقيق عائدات تبلغ ستة مليارات دولار».

وتراهن «درابر فيشر» التي جلبت للسوق شركات غيرت وجه الصناعة مثل «سكايب» للاتصال الهاتفي عبر الإنترنت و«هوتميل» للبريد الإلكتروني على «ريفا» الهندية لصناعة السيارات الكهربائية منخفضة التكلفة.

وتعد «شيري أوتوموبيل» أكبر شركة سيارات صينية، وهي واحدة من عدد متزايد من الشركات الصينية ذات الطموحات العالمية، أما «تاتا موتورز» الهندية فقد أحدثت بالفعل عاصفة في السوق بسيارتها الصغيرة «نانو» التي تباع بسعر 2500 دولار.

وقال لين إن الصناعة ستشهد عددا من التطورات، مثل زيادة كفاءة أنظمة نقل الحركة والشحن بالكهرباء.

وقال إن هذه التطورات «ستضعنا في الخمسين إلى المائة عام القادمة في صناعة مختلفة تماما عن تلك التي أنشأناها في المائة عام الأخيرة».