صندوق النقد يرفع إلى 7% ترقباته لنمو الاقتصاد اللبناني

التأزم الداخلي قد يطيح بالإنجازات المحققة

تأزم الوضع السياسي في لبنان يضع الاقتصاد ككل تحت وطأة الضغوط («الشرق الأوسط»)
TT

رفع صندوق النقد الدولي ترقباته لنمو الاقتصاد اللبناني هذا العام إلى 7 في المائة، منطلقا من ترقب بين 4 و3 في المائة مطلع العام، «لكنه لاحظ أهمية إبقاء السفينة في الاتجاه الصحيح».

ويتوافق الترقب الجديد مع التوقعات التي أعلنها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»، بأن تتجاوز نسبة النمو 6 في المائة في ظل محدودية تأثر تحويلات اللبنانيين العاملين والمغتربين في الخارج، والبالغة نحو 6 مليارات دولار، بسبب تراجع النمو وفرص العمل في الأسواق الإقليمية والدولية. والنشاط القياسي لقطاع السياحة. وتواصل النمو القوي في القطاعين المصرفي والمالي.

لكن الترقبات المبنية على النتائج المحققة في الأشهر الماضية، تبقى معرضة لإعادة التقييم وعنصر المخاطرة في ضوء التطورات الداخلية وتأزم الوضع السياسي ربطا بتعثر تأليف الحكومة، وارتفاع نبرة التصعيد بما يضع الاقتصاد ككل تحت وطأة الضغوط.

وأطلقت الهيئات الاقتصادية مؤخرا تحذيرات جدية من الانعكاسات السلبية التي يمكن أن تنشأ وتتراكم جراء عودة الانقسامات السياسية. داعية إلى تسريع تأليف الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس المكلف ثانية النائب سعد الحريري.

وقد توقع وزير المال محمد شطح، أن تنخفض نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي في نهاية 2009 إلى 151 في المائة في آخر السنة الحالية، بعد أن كانت 162 في المائة أواخر العام المنصرم، وهو ما اعتبرته بعثة صندوق النقد الدولي التقويمية التي أنهت زيارتها للبنان «إنجازا» و«نتيجة مهمة جدا»، لكن رئيس البعثة دومينيكو فانيتسا (Dominico Fanizza) شدد خلال مؤتمر صحافي مع شطح على أن «إصلاحات مهمة يجب أن تنفذ للاستمرار في خفض هذه النسبة»، مطمئنا إلى أن «الدين ليس مشكلة حكم على لبنان بالعيش معها إلى ما لا نهاية، بل يمكن معالجته وهو ما أثبتته تجربة العامين المنصرمين».

وكشف شطح من جهة أخرى أن زيادة الإنفاق ستبلغ بنهاية السنة نحو 20 في المائة، وأن الاقتراض الإضافي على الدين، سيقارب 5200 مليار ليرة لبنانية، وأشار إلى أن المبلغ الذي ستكون الخزينة دفعته في نهاية السنة الحالية لسد عجز كهرباء لبنان يناهز 2230 مليار ليرة، معتبرا أن «على الحكومة المقبلة أن ترسم خطة تنفيذية واضحة لقطاع الطاقة»، وشدد على أن «كل تأخير وعجز عن تشكيل الحكومة من شأنه أن يسبب أعباء إضافية لا يمكن للمواطن اللبناني أن يتحملها»، مشيرا إلى أن بعثة الصندوق لم تناقش مع المسؤولين اللبنانيين السياسات المستقبلية للحكومة اللبنانية بسبب «عدم وجود حكومة تضع برنامج عمل أو أهدافا محددة للمستقبل».

وتابع «تطرقنا إلى نقاط الضعف في الاقتصاد اللبناني ولن أتحدث عن نقاط الضعف المؤسساتية التي نعيشها حاليا، ولكن لا بد من الاعتراف بنقطة ضعف وهي عدم تمكن البلد من إنتاج حكومة بعد ثلاثة أو أربعة أشهر على إجراء انتخابات صحيحة، وهذا يمثل عجزا لا يغيب عن أنظار الناس والمواطنين والمستثمرين وجميع المعنيين». وأضاف «لا يمكن أن نختبئ وراء إصبعنا ونفترض أن هذا الأمر لا يشكل تأثيرا سلبيا، بل على العكس تأثيره السلبي مباشر وغير مباشر، لناحية وجود قوانين وإجراءات وإصلاحات ملحة وأصبحت متراكمة ومتأخرة سنة بعد سنة، نلمسها في قطاعات أساسية في الاقتصاد وللمواطنين ومعيشتهم». أما فانيتسا فقال إن «هدف هذه المهمة كان تقويم أداء الاقتصاد اللبناني تحت برنامج ايبكا مع لبنان الذي انتهى في يونيو (حزيران). ويسرني أن أعلن أن الأهداف الرئيسية للبرنامج تحققت، وهي تتمثل في إخراج لبنان من أوضاع الطوارئ المالية والاقتصادية التي يشير إليها اسم البرنامج، وهذه نتيجة مهمة». وأشار إلى أن «التنامي الكبير لاحتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية، إنجاز مهم يعكس الثقة بلبنان، أما الإنجاز الثاني فهو انخفاض نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي من 180 في المائة قبل ثلاث سنوات إلى 150 في المائة، وهو نتيجة مهمة جدا». لكن فانيتسا شدد على أنها «مجرد بداية، إذ إن نسبة 150 في المائة هي نسبة كبيرة جدا، وهي من بين أعلى النسب في العالم، ولا يمكن أن تبقى هكذا، فهذه نقطة ضعف أساسية يجب أن تولى بالاهتمام». وأضاف «لا يمكن حل هذه المشكلة بين ليلة وضحاها، بل نعتقد أن إصلاحات مهمة يجب أن تنفذ لخفض هذه النسبة، وهذه الإصلاحات لم تنفذ، وهذه هي الرسالة الأساسية». ولاحظ أن «التحسن الذي شهده لبنان جاء نتيجة نمو اقتصادي قوي وتحسن معتدل في الفائض الأولي يعود في شكل أساسي إلى نتائج قوية للإيرادات». وأبرز أهمية «إبقاء السفينة في الاتجاه الصحيح»، متوقعا أن يؤدي «تنفيذ الإصلاحات التي نص عليها برنامج باريس 3 في تسريع الأمور». وشدد في هذا السياق «على أهمية إصلاح قطاع الطاقة الذي يشكل عبئا كبيرا على المالية العامة». ورأى أن «تجربة العامين المنصرمين أثبتت أن تحسين وضع المالية العامة هو أمر يمكن تحقيقه والدين ليس مشكلة حكم على لبنان بالعيش معها إلى ما لا نهاية، بل يمكن معالجته ويجب معالجته».

ولاحظ أن »«لبنان سجل هذه النتائج الإيجابية فيما كان العالم يشهد أسوأ ركود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا أمر لافت. وتابع «قبل عام كنا قلقين بالفعل على الوضع في لبنان وكنا نعتقد أن لبنان هو أحد الدول الأكثر قابلية للتأثر بالأزمة، لكن ذلك لم يحصل بفضل إتباع سياسات حكيمة ومتحفظة». لكنه خلص إلى القول إن «هذا لا يعني بأي حال من الأحول أن نقاط ضعف الاقتصاد اللبناني اختفت، بل إن النتائج الجيدة التي تم تحقيقها يجب أن تكون حافزا على تحقيق نتائج أفضل».